الديمقراطية الرأسمالية: قيوداللغة والفكر بالأفكار المجردة

الديمقراطية الرأسمالية لا تتعدى كونها نظاماً سياسياً-اقتصادياً، ديمقراطية تضعها الطبقة الرأسمالية الحاكمة لصالحها وصالح أصدقائها.

ولا يمكن اختزال الديمقراطية بالسياسات الانتخابية كما يتظاهر بذلك أعداؤنا والكثير من أصدقائنا لسوء الحظ. فالديمقراطية الرأسمالية  قضية نظام، ولا يمكن لأي قدر من التغيير المحروس انتخابياً أن يغير من طبيعتها وضروراتها. فجميع الأطراف الانتخابية هم في حقيقة الأمر وبوضوح حراس للإمبريالية الأمريكية. ومع ذلك يواصل "اليسار" إطلاق اتهاماته للسياسيين الأمريكيين بالخيانة و"خيانة" الديمقراطية: هذا الفحش الذي يعكس نظرة للتاريخ الأمريكي عرقية، فوقية بيضاء، وتتمتع بالامتيازات الطبقية.

وشأنه شأن مرآته المتمثلة في الدعاية الرسمية فإن هذا "الاتهام" يضع الديمقراطية كما لو كانت "قضية مجردة"، "شيئاً" تاريخياً غير طبقي ينتمي لأمريكا الشمالية. إن نظرة سريعة للتاريخ الأمريكي تفند هذه الكذبة وتوضح الطبيعة الطبقية و"العرقية" للديمقراطية الرأسمالية: فمن يملك ويحدد المقاييس القانونية ومكاسب هذا النظام المحدد من الديمقراطية القائمة على أساس القَدَرية الواضحة لتفوق العرق الأبيض. غير أن الديمقراطية (شأنها شأن غيرها من المزاعم المفضلة لدى الغرب مثل العدالة والسلام والمساواة ، إلخ) ليست فكرة مجردة عالمية، بل إن الديمقراطية في المجتمعات الطبقية يجب أن تكون ديكتاتورية طبقة ما على حساب طبقة أخرى، وفي هذه اللحظة التاريخية هي ديكتاتورية الإمبريالية (أي الرأسمال المعولم).

إن ما يفرض نفسه هو تحليل الأحداث والمواقف السياسية من هذا المنظور من أجل فصل الحقيقة عن الأكاذيب، والأصدقاء عن الأعداء، والأسباب عن النتائج، والتكتيكي عن الاستراتيجي. وبدون هذا المنظور التحليلي سنبقى أسرى الاستخدام الأدبي الفاتن من جانب الرأسمالية للغة، وكأنها سلاح دمار شامل يستخدم للتحكم بفكر المرء والرأي العام والفعل العام. وبالتالي ينبغي علينا التمعن بدقة في المصطلحات والمعلومات التي يجري التطبيل والتزمير لنا بها دون كلل ولا ملل: الديمقراطية، الإرهاب، التحرير، الحرية، العدالة، إلخ.، مثلما ينبغي علينا التمعن بتلك التي يجري تحريفها وإنكارها: الإمبريالية، الإبادة الجماعية، العدوان، الاحتلال، المقاومة. ومفهوم أن هناك تعارضاً حتمياً في معاني هذه المصطلحات وواقعها بالنسبة لكل من المضطَهَدين والمضطهِدين.

الحرب على العراق، مثالاً

المتداول رسمياً: لغة المعتدي:

إن "الحرب على الإرهاب" تقوم الآن "بتحرير" العراق (ومن ثم "الشرق الأوسط" برمته، ومن ثم العالم أجمع) من خلال تصدير "الحرية" و"الديمقراطية" "للدفاع" عن أمريكا من "الإرهابيين" و"المسلحين" الذين يتظاهرون بأنهم "المقاومة" في وجه الاحتلال الأمريكي دفاعاً عن شعبهم وأرضهم ولكنهم في واقع الحال "إرهابيون إسلاميون" يغارون من "القيم" الأمريكية ويريدون تدمير الولايات المتحدة وحكم العالم.

إن ترجمة ذلك على أرض الواقع بالنسبة للمعتدى عليهم تعني:

إن الحرب الكونية الإرهابية التي تشنها الإمبريالية الأمريكية والتي تسمى تحريراً وحرية تعني تدمير العراق وفلسطين وكل الشعوب التي تكافح من أجل التحرر الوطني، وهي حرب تشن للدفاع عن حرية الإمبريالية الأمريكية في امتلاك الموارد السياسية والطبيعية والتحكم بها وهي التي تعد ضرورية لبرنامجها الكوني الهادف إلى قيام أمريكانا العظمى تحت السيطرة الأمريكية.

هذا هو ما يعنيه نشر الديمقراطية الأمريكية في أنحاء العالم من أجل قيام "رأسمالية السوق الحر". غير أن هذا البرنامج القائم على الإبادة الجماعية يصطدم ويتضارب مع تطلعاتنا وتصميمنا على أن نكون أسياداً وأحراراً من الهيمنة الإمبريالية.

وإن كل كفاحنا العادل في سبيل التحرر من ديمقراطية إرهاب الدولة التي تمارسها الرأسمالية الأمريكية مع كل المتعاطفين المشتبه بهم هم أعداء للغزو العالمي الفاشي. غير أن مجرمي الحرب يصوروننا نحن، لا الولايات المتحدة، كمقاتلين معادين ينبغي سجننا وتعذيبنا وقتلنا في سياق "الحرب الشاملة على الإرهاب" التي تشنها الولايات المتحدة زوراً وبهتاناً على الدوام.

إن معظمنا في هذا العالم يعرفون الحقيقة من التاريخ ومن الخبرة ولكن يجري خداع الكثير الكثير في الولايات المتحدة من خلال أوهام سيادة العرق الأبيض وتفوقه.

الآن وعلى الرغم من الامتياز الطبقي/العرقي، فإن بعض البيض من ليبراليي الطبقة الوسطى باتوا يتجرأون أخيراً على قول الحقيقة وتحدي حكامهم. وبالتالي بات النظام الأمريكي الممقوت والذي يواجه معارضة واسعة في أنحاء العالم بحاجة لأن يستبدل معطياته في الداخل من الديمقراطية البرجوازية إلى التمترس الفاشي.

ويشكل هذا التحول خطوة يائسة وخطيرة من شانها أن تفضح أكثر فأكثر ديمقراطيتهم الشعبية الزائفة مع محاولتهم تجريم وإلغاء كل أشكال المقاومة ووصمها بالإرهاب.

وبغض النظر عن الجرائم الأمريكية القاسية وعديمة الرحمة والعرقية على نحو غير مسبوق تاريخياً بحق الإنسانية، فإن الولايات المتحدة وحلفائها الإرهابيين في الدولة الصهيونية يواجهون عدواً – هو الشعوب – الذين يلحقون الهزائم بتلك القوة الفاشية الهائلة. وعندما يقف أخواتنا وأبناؤنا في بطن ذاك الوحش الضاري في وجه المجرمين ويقفون معنا، مع أصدقائهم الحقيقيين، فإننا معاً سنتمكن من إنهاء هذا الحكم القاتل الذي تمسك بدفته حفنة من المفترسين وحماتِهم الذين يدمرون العالم.

■ ليز بوربانك

 

ترجمة قاسيون