أبواق أمريكية لاحتواء طهران وموسكو معا

هناك تحليلات ترى في المواجهة الأمريكية الإيرانية انعكاساً متوقعاً لتناقض المصالح بين حقوق طهران وعدوانية واشنطن المتجذرة والتي تشكل مخارج مؤقتة لها، وهو انعكاس لا يلغيه - إلا في حال تراجع إيران -  الحذر المتبادل ولا المناورات المتبادلة بين اللغة الدبلوماسية من جانب واشنطن أو البحث عن تسويات وقتية مثل الاتفاق على تخصيب اليورانيوم الإيراني في موسكو التي "تكوّع" دائماً منذ تفكك الاتحاد السوفييتي عند المنعطفات الهامة.

وفي مقابل هذه التحليلات تبرز قراءات أخرى تبرر العدوان على طهران "المارقة" وتُبعد جوهر الصراع الإيراني عن جبهته الأساسية باتجاه جبهات أخرى واللعب على تناقضات ثانوية في سياق المحاولات المستمرة لتأليب الرأي العام العالمي ضد إيران وصولاً إلى توجيه تهديدات مبطنة حتى إلى روسيا ذاتها. ومثالنا في ذلك هو المادة التالية المصدرة تحت عنوان «احتواء إيران واللغز الروسي» وهي بقلم مدير البرامج الاستراتيجية في أحد مراكز الأبحاث الأمريكية، أي المقربة من الإدارة الأمريكية أو بالأحرى، التي تعد أحد أهم مصادر رسم السياسة الأمريكية:

● المحرر

في الحادي والعشرين من شباط الماضي انتهت آخر جولة للمحادثات بين روسيا وإيران في العاصمة الروسية موسكو، ضمن مسعى استهدف إيجاد مخرج للأزمة النووية الناشئة عن تمسك إيران بحقها في تخصيب اليورانيوم في إطار سعيها لمعالجة الوقود النووي. يشار إلى أن هذه الجولة لم تتوصل إلى حل حاسم للأزمة.

وفيما لو عجزت إيران عن حلها بما يقنع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المتوقع انعقاد اجتماعه في السادس من آذار الجاري، في العاصمة النمساوية فيينا، فليس مستبعداً أن يضطر مجلس الأمن الدولي لاتخاذ إجراءات بحق طهران في نهاية الأمر.

هذا وليس خافياً موقف ثلاث من الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن هي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا من الأزمة النووية الإيرانية. ومن قناعة هذه الدول الثلاث بأنه يجب فرض عقوبات دولية على طهران، على رغم أن الخلاف بينها مايزال قائماً حول طبيعة ومدى العقوبات الدولية الواجب فرضها على إيران. ولعل الدور الروسي في هذه الأزمة، يظل هو المسألة السياسية الأصعب والأكثر تعقيداً التي تواجهها الأمم المتحدة لحظة اتخاذ القرار. ففيما لو ساندت موسكو اقتراح فرض عقوبات دولية على طهران، عندها لن يكون مرجحاً أن تمارس بكين حق النقض "الفيتو" ضد قرار بهذا المعنى، علماً بأن موسكو أعربت في الآونة الأخيرة عن غضبها إزاء سلوك إيران وتعنتها، بما في ذلك التصريحات الأخيرة التي وردت على لسان رئيسها محمود أحمدي نجاد. وفوق ذلك يتعاظم يوماً إثر يوم إدراك الكثير من المحللين الروس للخطر الأمني الذي تمثله طهران على بلادهم، فيما لو قدر لها النجاح في تطوير ترسانتها النووية.

ويبدي المحللون أنفسهم قلقاً ومخاوف من صواريخ أرض-أرض البعيدة المدى، التي تعكف طهران على تطويرها حالياً. والمعلوم أنه سيكون في وسع هذه الصواريخ الوصول إلى عمق المدن الروسية الجنوبية، مما يعني كونها تهديداً أمنياً مباشراًُ للحدود الجنوبية لروسيا. ومن هنا يشاطر هؤلاء المحللون والخبراء الروس، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وإسرائيل وبعض الدول العربية المجاورة، مخاوفها من أن برنامج التسلح النووي الإيراني يمثل تهديداً أمنياً خطيراً سواء كان على الصعيد الإقليمي أم الدولي.

وكما نعلم فإن لروسيا حساباتها وهواجسها الخاصة والمتصارعة بشأن الدور الذي يجب عليها أن تلعبه في كل من منطقة القوقاز وآسيا الوسطى وبحر قزوين. كما أن العلاقات السياسية الوطيدة التي تربط ما بين روسيا وإيران، وما تدره عليها تلك العلاقات مالياً واقتصادياً، تجعل من إيران إحدى الدول القليلة التي يمكنها الاعتماد عليها في تلك المنطقة المضطربة والمزعزعة من القارة الآسيوية. وهذا هو أحد الأسباب التي تفسر تردد موسكو وتلكؤها عن الالتحاق بركب كل من واشنطن والاتحاد الأوروبي في مواصلة الضغط على طهران، بما في ذلك الدفع باتجاه فرض عقوبات دولية عليها. وللسبب عينه تبذل موسكو جهوداً مستميتة وجبارة في سبيل إبرام صفقة مع طهران، تفضي لنزع فتيل الأزمة الراهنة قبل تفاقمها.

لكن ومهما يكن في الاجتماعين المرتقبين في كل من فيينا ونيويورك خلال الأسابيع القليلة المقبلة، فإن على روسيا توخي الحذر فيما يتعلق بدورها وموقفها النهائي من هذه الأزمة. ومما يستوجب ذلك أن الرئيس بوتين يتولى حالياً رئاسة مجموعة الدول الثماني الكبرى، ويواصل الإعداد لقمة هذه المجموعة بمدينة بطرسبورغ خلال الفترة 15-17 من يوليو المقبل في بلاده. وهو يدرك جيداً مدى ضرورة نجاح هذه القمة، إن كان له أن يدفع عن نظامه حملة النقد المتنامية ضده في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، خاصة وأنها حملة دعا فيها البعض إلى إسقاط عضوية روسيا نفسها في مجموعة الدول الثماني الكبرى. والخوف كل الخوف أن تبدو روسيا في نظر الأمريكيين والأوروبيين في تلك القمة، بمثابة عقبة أمام ممارسة المزيد من الضغوط على طهران.

■ جيفري كمب

 

مركز نيكسون-واشنطن