لبنان.. على حافة «الفوضى الخلاقة»!!

تتحرك في لبنان مؤخراً الأغلبية البرلمانية، وقد أسكرتها وربما أعمتها المظاهرات الخلبية الأخيرة، لطرد الرئيس إميل لحود من السلطة. لكنّ هذه الحملة، وهامش مناورتها محدود للغاية، وهي إذا ما استمرت على هذه الشاكلة فإنها ستغرِق في الفوضى بلداً منقسماً أصلاً حول عدد كبير من القضايا. وعلى الرغم من تمتعها بمساندة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والاتحاد الأوربي عموماً، لكنّ هذه القوى بعيدةٌ عن التمتع بالتوافق السياسي اللازم على المستوى الداخلي وبالأصوات اللازمة في البرلمان للتوصل إلى هذا الهدف قبل المهلة الأخيرة التي حددتها لنفسها، أي الرابع عشر من آذار 2006.

بعد التجمع في 14 شباط 2006 بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، بدأت هذه القوى المعارضة للرئيس لحود حملة لاأخلاقية ومبتذلة ضده، شملت كل أنواع الشتائم والتهم. وهي حملة وفق الوعيد الدائم الذي يرافقها، قد تصل إلى مرحلة العصيان المدني والإضرابات والمظاهرات المستمرة، لا بل سيتوجها مطلقوها بمسيرة إلى القصر الجمهوري، وهذا سيخلق حتماً صراعاً دموياً قد يشكل بداية لحرب أهلية جديدة، فالمظاهرات المضادة محتملة، بل إنها حتمية وقد تؤدي إلى مواجهات. وكان الرئيس إميل لحود نفسه قد أعلن بأنّ "الأمن خط أحمر" ينبغي عدم تجاوزه، وهو تهديد مبطّن باللجوء المحتمل للقوة عند اللزوم.

وكعلامة على شدة التوترات، يعارض الجنرال ميشيل عون إطاحة لحود بالقوة، وهو الذي رفض التفاهم (الصفقوي) مع الأحزاب الرئيسية في الأغلبية البرلمانية، ويصر على فتح ملفات الفساد، وقد تقارب مؤخراً مع حزب الله المقاوم للمشروع الأمريكي الفرنسي، وأكد مؤخراً: أن دعوة الحكومة للمظاهرات هي انقلاب مؤسسة على أخرى، مضيفاً بأنّه سوف يحمّل الحكومة المسؤولية عن أية أزمة.

الأغلبية البرلمانية التي تتمتع بها القوى المعارضة للرئيس لحود ضئيلة. وبسب افتقارها للأصوات الكافية وللحضور الشعبي الكاسح لتقصير الولاية الرئاسية بتعديل دستوري، فهي تقوم بتوقيع عريضتين برلمانيتين الآن. أولاهما تتضمن أنّ النواب قد أيدوا تمديد ولاية لحود تحت الإكراه السوري. وتوضّح الثانية أنّ المنصب شاغر بحكم الواقع، باعتبار ذلك التمديد غير شرعي. ثمّ ستعيّن رئيساً جديداً للدولة.

لكن قراءة عميقة لعريضة الإكراه التي ينوي نواب الأكثرية السابقون والحاليون التوقيع عليها، تظهر أنها عريضة تدين أصحابها قبل أن تدين أياً كان. هي عريضة يقبل الموقعّون عليها الاعتراف أنهم وافقوا على التمديد بعد أن تعرّضوا إلى ضغوط وتهديدات من الأجهزة الأمنية السورية واللبنانية، وهم يؤكدون «الآن» أن تصويتهم كان باطلاً ولاغياً، هكذا دون خجل أو استحياء، متناسين حقيقة صغيرة وهي أنهم يعترفون بذلك أنهم خانوا أمانة الناخبين حينها وفضّلوا سلامتهم الشخصية على انتداب المواطنين لهم.

يوم الأحد 20 شباط، أشار قائد الميليشيا الأسبق سمير جعجع إلى أنّ لحود معزول على الصعيد الداخلي، وكذلك على الصعيد الدولي، وقال: ينبغي أن تحلّ مسألة الرئاسة، وأطلق شعاراً جديداً يخصه بشكل شخصي: الرئاسة لنا!! ويبرر تحالف ( الأكثرية النيابية) هذا الادعاء بالقرار الصادر عن مجلس الأمن في العام 2004 والذي ينادي بتنظيم انتخابات رئاسية جديدة.

وعليه، وإتماماً للخطة المتكاملة التي تفوح منها رائحة الموساد والسي آي إيه، فإن قوى 14 آذار تتهم الرئيس لحود بأنّه يطبّق على لبنان سياسة دمشق، ويتهمونه علناً بسلسلة الاعتداءات والاغتيالات الأخيرة، ومن بينها اغتيال رفيق الحريري..غير أنّهم لا يدركون أن إعلان عدم شرعية الرئاسة مليء بالمخاطرحتى بالنسبة إليهم، فهو في المحصلة سيؤدي أخيراً للتشكيك بشرعية الحكومة الحالية والبرلمان. وإذا ما رفض لحود التخلي عن السلطة، فربما يجد لبنان نفسه بين حكومتين متنافستين، كما حصل أثناء الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990، وهذا بالتأكيد ما تسعى إليه القوى الدولية الداعمة لقوى 14 آذار، «الفوضى الخلاقة».

 إن كل ما ترمي إليه الصهيونية العالمية في المنطقة ككل، تجري محاولات تنفيذه الآن على أيدي أشخاص وساسة لبنانيين (شكلياً) يدعون الوطنية والحرص على السيادة والاستقلال والحرية، بينما وفي الحقيقة، يدفعون أنفسهم ووطنهم إلى حافة الهلاك..

■ محرر الشؤوون العربية

جهاد أسعد محمد

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.