حرب الإرهاب الأنغلو - أمريكية: نظرة عامة

يقف العالم أمام مفترق طرق يتعلق بأكثر الأزمات خطورة في تاريخه المعاصر. ففي أكبر استعراض للقوة العسكرية منذ الحرب العالمية الثانية باشرت الولايات المتحدة وحليفتها السرمدية بريطانيا مغامرة عسكرية تهدد مستقبل البشرية.

 

ويرتدي فهم الخلفية التاريخية الكامنة وراء ذلك أهمية قصوى، لأن برنامج عمل هذه الحرب لا يعد نتاجاً لمشروع متبلور من جانب المحافظين الجدد، بل إنه ومنذ بداية حقبة الحرب الباردة كان هناك خيط متصل، يشكل استمرارية للعقيدة العسكرية الأمريكية بدءاً من مذهب ترومان إلى ما يسمى حالياً في عهد بوش بـ «الحرب على الإرهاب».

وكان مستشار السياسة الخارجية جورج ف كينان قد أوضح في بلاغ صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في عام 1948 ما بات يعرف لاحقاً بمذهب ترومان.

أما ما تنقله تلك الوثيقة الصادرة في عام 1948 فهو سيرورة في السياسة الخارجية الأمريكية من «الاحتواء» إلى الحرب «الاستباقية». وفي هذا السياق ينبغي النظر إلى جدول أعمال الإدارة المحافظة الجديدة تحت قيادة بوش بوصفها تتويجاً لإطار سياسة خارجية أمريكية تعود إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وقد اتسم هذا الإطار بسلسلة من الحروب وعمليات التدخل العسكري برعاية من الإدارة الأمريكية في مناطق العالم الرئيسية كافة. ومن كوريا وفيتنام وأفغانستان إلى الانقلابات العسكرية المدعومة من المخابرات المركزية الأمريكية في أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا كان الهدف واحداً يتمثل في ضمان الهيمنة العسكرية الأمريكية والسيطرة الاقتصادية العالمية، مثلما تمت صياغتها بشكل أولي في مذهب ترومان مطلع الحرب الباردة.

وفيما يتعلق بآسيا بما فيها الصين والهند فقد ألمح كينان إلى أهمية صياغة حل عسكري محدد: «إن اليوم الذي سيتوجب علينا فيه التعامل بمفاهيم القوة المباشرة ليس ببعيد، وكلما أقللنا من إعاقتنا المتأتية من الشعارات المثالية كلما كان ذلك أفضل.. »

كما تم التفكير بمهاجمة إيران باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية (صواريخ صغيرة). ففيما يتعلق بمسارح الحروب التقليدية تم السماح باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية التي تتراوح طاقتها التفجيرية بين ثلث إلى ستة أضعاف القنبلة التي ألقيت على هيروشيما.

وقد تم إعادة توصيف هذه الصواريخ النووية الصغيرة على أنها سلاح دفاعي «آمن على المدنيين» لأن انفجارها يجري تحت الأرض، وقد أقر مجلس الشيوخ في كانون الأول 2003 استخدامها في ميادين الحروب التقليدية.

إن الحرب في الشرق الأوسط هي جزء من جدول عمل عسكري محدد بدقة. ففي أيلول من عام 2000 وقبل بضعة أشهر من وصول جورج بوش إلى البيت الأبيض تم تشكيل مركز «مشروع قرن أمريكي جديد PNAC» وقد نشر هذا المركز خطته الهادفة إلى فرض الهيمنة العالمية تحت عنوان: «إعادة بناء دفاعات أمريكا».

ويعد هذا المركز مركز أبحاث للمحافظين الجدد وهو مرتبط بالمؤسسة الدفاعية-الاستخباراتية والحزب الجمهوري ومجلس العلاقات الخارجية واسع النفوذ والذي يلعب وراء الكواليس دوراً في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية.

أما الأهداف المعلنة لهذا المركز فهي:

● الدفاع عن الوطن الأمريكي

● خوض حروب ميدانية رئيسية، على جبهات عدة وعلى نحو متزامن، وكسبها بشكل حاسم

● تنفيذ مهام «شُرَطِية» تتعلق بصياغة المناخ الأمني في المناطق الهامة

● تحويل القوات الأمريكية لاجتراح «الثورة في الشؤون العسكرية»

وقد أوعز معاون وزير الدفاع في حينه بول فولفيتز الذي يرأس حالياً البنك الدولي، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائب الرئيس ديك تشيني، إلى مخططي مركز PNAC قبل الانتخابات الرئاسية في عام 2000 بما يلي:

«بما أن استخدام الأسلحة النووية في مواجهة هجوم نووي هو سياسة أمريكية معتمدة منذ زمن طويل، فإن السياسة الجديدة تخوّل الولايات المتحدة باستخدام الأسلحة النووية ضد الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية، ومن أجل طيف من الأسباب الجديدة بما فيها الإنهاء السريع للنزاعات طبقاً للشروط الأمريكية أو ضمان نجاح القوات الأمريكية...» (بيان جورج هيرش، راجع موقع غلوبال ريسيرتش).

وفي هذه الأثناء انتشرت موجة من التعصب العرقي والكراهية الموجهة ضد المسلمين في أرجاء العالم الغربي. كما أضحت الاعتقالات وعمليات الاحتجاز العشوائية للمسلمين، بناءً على تهم مفبركة، ممارسة شائعة.

أما «تشريعات مكافحة الإرهاب» فقد تم اعتمادها في عدد من البلدان الغربية وهي تسمح بالاعتقال والاحتجاز دون اتهام للإرهابيين المزعومين بمن فيهم من يُدعَون «المجموعات الراديكالية المحلية» (أي النشطاء المناهضون للحرب) والذين يجري تصنيفهم اليوم مصدراً للخطر على الأمن القومي.

وفي الوقت الذي يعرب فيه عن قلقه إزاء خرق حقوق الإنسان، فقد قبل ما يسمى بالمجتمع الدولي - على الرغم من قلقه ذاك - مشروعية «الحرب على الإرهاب». علاوة على ذلك وفي أعقاب الحادي عشر من أيلول فإن قسماً هاماً من الحركة المناهضة للحرب ما زال يتمسك بتلك المشروعية في الوقت الذي يدين فيه الحرب التي تقودها الولايات المتحدة.(!!)

وبدورها قامت الأمم المتحدة بالمصادقة على «الحرب على الإرهاب». وتحت حجة عمليات حفظ السلام تتواطأ هذه المنظمة مع التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة في خرق فاضح لميثاقها بالذات ولقوانين نورنبيرغ الخاصة بجرائم الحرب.

إن ما تسمى بـ «الحرب على الإرهاب» كذبة.

وإن ذريعة شن تلك الحرب ملفقة كلياً والوثائق على هذا لا تعد ولا تحصى.

ولقد تم قلب الحقائق رأساً على عقب، حيث يجري الإعلان عن أعمال الحرب بوصفها «عمليات تدخل إنسانية» موجهة نحو استعادة «الديمقراطية».

ويجري تسويق الاحتلال العسكري وقتل المدنيين بوصفه «عمليات لحفظ السلام»...

وفي ظل الإمبراطورية الأمريكية قُذف بملايين البشر في أرجاء العالم نحو دوائر الفقر المدقع، كما يجري تحويل بلدان بأكملها إلى أراض مفتوحة.

ويجري إقامة المحميات الأمريكية بمباركة مما يسمى بالمجتمع الدولي مثلما يجري تشكيل الحكومات المؤقتة وتصنيع الألعوبات من السياسيين من جانب شركات النفط الأمريكية العملاقة، لتقوم الأمم المتحدة من جانبها بالمصادقة عليهم بشكل عابر وهي التي باتت على نحو متزايد تكتفي بأداء دور المصادقة فقط على (توجهات وقرارات) الإدارة الأمريكية....

إن تجريد جدول الإعمال الحربي من أسلحته لا يجري عبر إطلاق مشاعر مناهضة للحرب. فلا يتمكن المرء من عكس الموجة من خلال الطلب إلى الرئيس بوش: «أرجوك التزم بمعاهدة جنيف» وميثاق نورنبيرغ. وفي نهاية المطاف فإن جدول أعمال متسق مناهض للحرب يتطلب الإطاحة بمجرمي الحرب المتمركزين في مناصب عليا كخطوة أولى نحو تجريد البنية الاحتكارية والمؤسساتية للنظام العالمي الجديد من أسلحتها.

وبغية كسر محكمة التفتيش ينبغي علينا أيضاً كسر آلتها الدعائية بحملاتها القائمة على التخويف والتهويل والتي تصدم الرأي العام بشحنات قوية تدفعه نحو القبول بما يسمى «الحرب على الإرهاب»...

■ مايكل خودوفسكي

 استاذ علم الاقتصاد في جامعة أوتاوا ومدير مركز أبحاث العولمة

 

■ ترجمة: عُبادة بـوظـو