مصر بعد جولتين انتخابيتين.. لامبالاة شعبية.. والحزب الحاكم والإخوان حليفان لدودان...

أظهرت نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية المصرية عمق الأزمة التي يعاني منها الحزب الوطني الحاكم، والسلطة والنظام المصري بشكل عام.

فالمشاركة الشعبية الضعيفة التي لم تتجاوز الـ25% عكست إلى حد كبير انعدام الثقة القائم بين عامة الناس من جهة والأحزاب السياسية والسلطة السياسية من جهة أخرى، كما عكست رفض الشارع المصري للتجاوب والتفاعل مع كل أشكال «الديمقراطية» المرضي عنها أمريكياً والتي يحاول النظام تسويقها عبر انتخابات وهمية معروفة النتائج مسبقاً، فرسانها قوتان متخاصمتان ظاهراً، متماهيتان ومتعاونتان حقيقة، وهما الحزب الوطني الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين، هذا التماهي الذي ظهر جلياً في المرحلة الأولى رغم بعض المناوشات الجانبية التي جرت بين بعض مرشحي كلا الطرفين.

وجاءت الانتخابات لتظهر بواكير نتائج الصفقة الخفية التي عقدها النظام المصري مع الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بموافقة الأخيرة على استمرار الرئيس «مبارك» في السلطة «بشكل شرعي»، مقابل تهيئة المناخات وعدم خلق العوائق أمام حصول الإخوان المسلمين على بعض المكاسب النيابية في الانتخابات التشريعية،

لكن المرحلة الأولى، أظهرت بنتائجها تجاوزاً كبيراً لجماعة «الإخوان المسلمين» للحصة المتفق عليها حيث نالت 34 مقعداً، فيما لم ينل الحزب الوطني الحاكم سوى 68 مقعداً، مما شكل لديه ما يشبه الصدمة على ما يبدو، وخلق في خطابه وممارساته بعض التوتر، ودفعه لمحاولة التخفيف من سوء هذه النتائج، وهو الذي اعتاد أن يحصد أكثر من ذلك بكثير، من خلال لجوئه إلى أسلوبه المعتاد بضم غالبية المستقلين، وهؤلاء أصلاً من ربيبي النظام أو من المنشقين عنه، وقد نالوا 53 مقعداً.

وهنا من الضروري التذكير بأن حالة الاحتقان هي التي دفعت كثيراً من الناخبين للاقتراع لمرشحي الإخوان وذلك نكاية بالحزب الحاكم، وهي ظاهرة لوحظت في انتخابات سابقة.

وفيما يتعلق بانعكاسات الجولة الأولى من الانتخابات على الحزب الحاكم، فقد نقلت النتائج المسجلة الصراعات بين جيلين داخل الحزب الوطني إلى السطح بعدما ظل ذلك بعيداً عن وسائل الإعلام، فلائحة الحزب في الانتخابات أظهرت سطوة الحرس القديم ونفوذه وقدرته على فرض رؤاه مقابل محاولات جيل «الإصلاحيين» الذي يقوده «ولي العهد» في الحزب جمال مبارك لفرض وجوه جديدة على لوائح المرشحين، وقد ساهم في مفاقمة الأزمة فشل أحد أقطاب «الإصلاحيين» في الوصول إلى البرلمان رغم قربه الشديد من مبارك الابن وعضويته في لجنة السياسات، وهو الدكتور حسام بدراوي لأسباب تتعلق بدعم غير محدود قدمه بعض الحرس القديم لمنافسه المهندس هشام مصطفى خليل ابن نائب رئيس الحزب الدكتور مصطفى خليل، وبالتأكيد فهو أيضاً مؤشر يدل على رفض شعبي لكل ما يتعلق بال«المباركين» الأب والابن. وبالتالي فمن المؤكد أن نتائج المرحلة الأولى شكلت صدمة  للحزب الوطني بجناحيه إذ أظهرت استياء شعبياً كبيراً منه ومن مرشحيه وخاصة لدى مقاطعي الانتخابات وهم الأغلبية الكبيرة، ومن كل الواقع القائم في مصر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، بدا ذلك في الاحتجاجات المتلفزة والتي أكدت برمتها عن غليان عارم رافض لسير النظام في ركب الأمريكان وتخليه عن دوره القومي واتباعه وتطبيقه وصفات البنك الدولي التي تدفع البلاد نحو الهاوية، ولعبه دور العراب الإقليمي للمشاريع الأمريكية والصهيونية. أما لدى المقترعين فإن الدوافع الأساسية للمشاركة في الانتخابات هي الرغبات الكبيرة، وخاصة لدى الموظفين والطلاب في إحداث تغيير حقيقي، إضافة إلى تحدي «الألاعيب» الانتخابية المعتادة التي يتبعها النظام في كل دورة، والتي يرى جيل «الإصلاحيين» بقيادة «مبارك الابن» أنها لم تعد تناسب العصر وبحاجة إلى تجديد!!

ورغم أن «الوطني» تمسك بنظام الدوائر الفردية فإن نتائج المرحلة الأولى أثبتت أن الناخب المصري لا يقترع في الغالب لمصلحة برنامج سياسي بعينه، طالما أن هذه البرامج مجرد حبر على ورق، وإنما لمصلحة أشخاص قد يرى أنهم يحققون بعض مطالبه اليومية، وفي هذا الإطار يمكن تفسير عمليات التصويت لمصلحة «الإخوان». وكان واضحاً أن بعض مرشحي «الوطني» أبرموا اتفاقات «تحت الطاولة» مع مرشحين معارضين بينهم مرشحون من «الإخوان» ليضمنوا تأييد كتل الأصوات «الإخوانية».

وبالعودة لنتائج الانتخابات فإن قوى المعارضة الأخرى لم تحصد سوى ثمانية مقاعد فقط، بينها اثنان لحزب التجمع اليساري، واثنان آخران لحزب الوفد، وآخر لحزب الكرامة المؤسس حديثاً، وآخر ناله الصحافي مصطفى بكري ممثلاً «الجبهة الوطنية للتغيير»، إضافة إلى مقعد حصل عليه مرشح منشق عن حزب «الغد»، وآخر لحزب الأحرار حققه طلعت السادات، ومن أبرز أسباب ذلك هو التحالف غير المعلن بين الحزب الحاكم والإخوان ضد هذه الأحزاب، وبقاء معظم هذه الأحزاب خارج نطاق الصفقات الداخلية والخارجية.

وفي المرحلة الثانية من الانتخابات، والتي جرت يوم الأحد 20/11/2005  

شهدت مناطق مختلفة في مصر أعمال عنف رافقت العملية الانتخابية، وذلك بسبب تخوف الحزب الحاكم من «طموحات الإخوان الزائدة»، إذ بدا أنهم يسعون للظفر بعدد أكبر من المقاعد المتفق عليها، واستماتتهم للوصول إلى ال 100 مقعد في مجلس الشعب.

وقد أظهرت النتائج الأولية تقدماً كبيراً لمرشحي جماعة الإخوان المسلمين التي سرعان ما أعلنت أن العدد الأكبر من مرشحيها الستين في هذه الجولة، فازوا أو حصلوا على عدد كاف من الأصوات للمشاركة في جولة الإعادة للمرحلة الثانية من الانتخابات.

 وكما كان متوقعاً، فإن الجولة الانتخابية شهدت معارك «كسر عظم»، واتهم كثير من المرشحين والناخبين مرشحي الحزب الوطني الحاكم ومرشحي الإخوان المسلمين بممارسة العنف والإرهاب ضد منافسيهم والناخبين، وسجلت أنباء عن مقتل شخص وإصابة العشرات في مختلف أنحاء المناطق التي شهدت عمليات اقتراع.

وربما كان لاعتقال 350عضواً من الإخوان المسلمين من الأقصر ونبها في اليوم السابق على الانتخابات، دور حاسم في ترجيح كفة الإخوان، وهذا كله برسم قوى الأمن المصرية التي تقوم في كثير من الأحيان بتقديم خدمات مجانية للإخوان المسلمين بحجة محاصرتهم والتضييق عليهم.

 

وفيما لم يتبين بدقة نسبة المقترعين،  إلا أن وسائل الإعلام ووكالات الأنباء أكدت أن الإقبال على الانتخابات كان هزيلاً بشكل عام في معظم المناطق،وربما أقل من الجولة الأولى، وقد زاد الأمر سوءاً حالة التخويف المتبعة والتواجد الكثيف لقوى الأمن المركزي أمام اللجان الانتخابية.