خطان متعارضان في الحراك السياسي الفلسطيني (1 / 2)

لم تكن ارتدادات نتائج مؤتمر بيت لحم قد استقرت، حتى جاءت الارتجاجات القوية التي أحدثتها الدعوة لعقد جلسة طارئة للمجلس الوطني الفلسطيني والنتائج التي تمخضت عنه، لتعيد إنتاج خطاب «الرفض والقبول» داخل الحركة السياسية الفلسطينية، انطلاقاً من قانونية الاجتماع، الذي سيبحث ملء الفراغات التي أحدثتها وفاة ستة من أعضاء اللجنة التنفيذية، مما أفقدها «نصابها القانوني» نتيجة رحيل ثلث أعضائها. وبعيداً عن مناقشة شرعية الاجتماع من حيث الاستحقاق الدستوري، أو من مقتضيات ضرورته الوطنية، كمؤسسة مركزية في بنية المنظمة، فإن المقال المنشور تحت عنوان «الشرعية الفلسطينية في خطر» للدكتور «أنيس مصطفى القاسم» أحد مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية، رئيس لجنة الميثاق ورئيس اللجنة القانونية في المجلس الوطني الفلسطيني سابقاً، قد عرّت الدعوة من كل مستنداتها القانونية، ودحضت منطق الداعين لعقد الجلسة.

يقول الدكتور أنيس في الفقرة الثانية من المقال/ الوثيقة (لقد حدث الكثير الكثير مما يمس القضية الفلسطينية في العشرين سنة الماضية، خاصة بعد اوسلو واتفاقياتها، وكامب دافيد وطابا وخارطة الطريق وانابوليس، وتغييب  قائد الثورة والمنظمة، رحمه الله، ومع ذلك لم يدع المجلس الوطني للانعقاد. لم يدع المجلس للاجتماع ولو مرة واحدة ليستمع ويناقش تقريراً واحداً من اللجنة التنفيذية أو لانتخاب لجنة جديدة عساها أن تكون أقدر على مواجهة المستجدات وتصحيح ما وقع من أخطاء، أو على الأقل لتجديد دمها، خاصة وأن قدراتها وتوجهاتها قد انكشفت للعدو بحيث صار يعرف تماماً كيف يستغل ذلك كله لمصلحته في المفاوضات التي أجراها والاتفاقيات التي أبرمها). ثم ينتقل في الفقرة الثالثة ليسلط الضوء على هروب دعاة انعقاد المجلس من التوقف عند مراجعة المسيرة الوطنية (في الوقت الذي سررت فيه بهذا التحرك لأنهم تذكروا أن هناك جهة تسمى المجلس الوطني، فقد ساءني جداً نطاق هذا التذكر. فالمجلس لم يُدعَ للنظر في كل ما طرأ، وتقييمه وإجراء المحاسبة عليه واعتماد سياسة ومخططات وبرامج تسير عليها  المنظمة لمواجهة ما طرأ أو لإحداث تغييرات تتعلق بالأداء والقائمين عليه، وإنما دُعِيَ فقط لملء الشواغر في اللجنة التنفيذية، دون أن يتضمن جدول الأعمال على الأقل بنداً يتطلب من هذه اللجنة التنفيذية تقريراً عن ما أنجزته يبرر بقاءها أو بقاء من بقي من أعضائها، بحيث تتوفر الثقة في أن هذه اللجنة قادرة على النهوض بالمسؤوليات الضخمة التي تتطلبها قيادة النضال الوطني في معركة التحرير التي يخوضها الشعب الفلسطيني ومواصلة هذا النضال لاسترداد الحقوق. وهذا أمر يثير الدهشة والاستغراب وكأنما المطلوب من المجلس الوطني أن يبصم على كل ما جرى في السنوات العشرين الماضية دون حتى أن يعرف، ولو من باب العلم فقط، من المسؤولين أنفسهم حقيقة ذلك. ويؤلمني أن أقول إن هذا استخفاف لا مثيل له بدور المجلس الوطني الذي هو أعلى سلطة في منظمة التحرير ومحاولة لتعطيل المجلس عن ممارسة اختصاصاته). لقد عبّرت الاستشهادات المقتبسة من مقال الدكتور، عن الموقف النقدي الذي تختزنه قطاعات واسعة من الجماهير الفلسطينية، تجاه عجز وترهل المنظمة ومؤسساتها.

إن إصرار قيادة المقاطعة في مدينة رام الله المحتلة على عقد هذه الجلسة، يشير إلى حرص «سيادة الرئيس» وفريقه على تشديد قبضتهم على المنظمة بعد أن انهوا سيطرتهم المطلقة على ماتبقى من «فتح». ويأتي كل ذلك في سياق التحضيرات المحمومة لطرح الخطة الصهيونية- بطبعتها الأمريكية الجديدة- مما يتطلب تجهيز أدوات العمل المحلية لتطبيقها. لكن اللافت لنظر المراقبين الذين تابعوا ورصدوا حالات الغضب الداخلية- في قطاعات واسعة من فتح، والتجمعات الشعبية الفلسطينية- نتيجة ماآلت إليه التعبيرات السياسية/ التنظيمية الفلسطينية، في ظل «القيادة الجديدة»، كان التركيز الواضح على «الضفة الغربية» المحتلة، بحيث يستنتج كل من تابع الخطاب الذي ساد، ودقق في عضوية الهيئات التي تشكلت، من أن المشروع الوطني التحرري قد اختزلته هذه «القيادة» في «دولة تبنى قبل التحرير وفي ظل الاحتلال» أو في «سلام اقتصادي» يلقي بظلاله الوارفة على الشعب داخل «الوطن»(!) خلال السنتين القادمتين!

ففي بنود الخطة الأمريكية الجديدة التي تتداولها إدارة أوباما في البيت الأبيض، حول «التسوية/ الكارثة» للقضية، التي تعني بشكل مباشر، الضفة المحتلة، يتم تغييب شعبنا في فلسطين المحتلة منذ عام 1948 عن الحضور في برنامج العمل المقترح. فالوضع القائم يفرض عدم البحث في مستقبل حقوق أبناء الشعب الفلسطيني الذين بقوا صامدين داخل الكيان الصهيوني والذي يقدر عددهم بأكثر من «مليون وربع مليون نسمة»، لأن اتفاق أوسلو سيء الذكر، اعترف بوضعهم ضمن سيادة قوانين كيان العدو.

كما تشير بنود الخطة المقترحة إلى استثناء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم وبيوتهم التي اقتلعوا منها عند احتلال وطنهم في عام1948، ويتم استبدال هذا الحق التاريخي/ الوطني بالإعلان عن توفير الضمانات الدولية والإقليمية للتوطين والتعويض، بما يدلل على أن قضية ستة ملايين لاجئ فلسطيني يتوزعون في مناطق اللجوء والاغتراب، قد تم التنازل عنها. أما قطاع غزة فسيتم التعامل معه من خلال عدة سيناريوهات: إما إسقاط وجوده من أية تسوية، طالما هو خارج «شرعية القيادة الجديدة»، أو عزله والتضييق عليه لتشجيع عوامل التآكل الداخلية، أو تهيئة البيئة المحلية «الناقمة!» على التغيير والتمرد، أو بشن عدوان صهيوني جديد.