وكالات وكالات

ثورة شافيز: تأميم كل ما تمت خصخصته.. واشتراكية لا يستطيع أحد منعها

على الرغم من أن فنزويلا تبعد عن منطقتنا آلاف الأميال، إلا أن شهرة رئيسها الذي أعيد انتخابه منذ عدة أسابيع أوغو شافيز تعدت تلك الأميال لأسباب عدة.

فشافيز يبدو وكأنه يسير عكس حركة التاريخ، فإذا كانت البلدان الاشتراكية في أوروبا الشرقية بزعامة الاتحاد السوفيتي قد اندثرت واختفت نظمها السياسية وأحزابها الأيديولوجية، فإن شافيز يظهر هذه الأيام ليعلن عن ثورة اشتراكية لا يمكن لأي قوة إيقافها ويعلن أيضا عن تغيير اسم بلاده من الاسم التقليدي الذي ظلت تعرفه به سنوات طويلة وهو جمهورية فنزويلا البوليفارية نسبه إلى محرر أمريكا اللاتينية سيمون بوليفار الذي يوجد له تمثال وميدان على بعد عشرة أمتار فقط من السفارة الأمريكية في القاهرة، إلى جمهورية فنزويلا الاشتراكية.
وفيما تسعى معظم البلدان النفطية إلى الاندماج في النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي، فإن شافيز وبلاده إحدى كبار الدول المنتجة للنفط، تتحدى هيمنة وسيطرة الشركات العملاقة والعابرة القوميات، وبعضها أكبر من بلدان مستقلة، مقررا السيطرة على وسائل الإنتاج الاستراتيجية والاتجاه نحو تأميم شركات الكهرباء والهاتف، بعد إعطاء هذه الشركات مهلة سنة لتسوية أوضاعها.
وفيما تصبح التعددية السياسية هي سمة وأيقونة معظم دول العالم التي تؤمن وتمارس أنظمة حكم ديمقراطية، وحيث أصبحت الدول ذات الحزب الواحد علامة على الديكتاتورية والتسلطية، فإن شافيز يتجه نحو جمع أكبر تحالف حزبي أيده في الانتخابات الماضية داخل حزب اشتراكي كبير يضم قرابة 20 حزبا، ليترك المعارضة السياسية التي قاطعت الانتخابات مفتتة تحاول اتهامه بإقامة دولة حزب واحد على النمط الكوبي وبإلغاء التعددية السياسية الحزبية، وهو ما نفاه شافيز مؤكدا أنه يعمل على تجميع القوى المؤيدة للثورة الاشتراكية، ذلك أن التأييد الكاسح الذي فاز به في الانتخابات الماضية في نهاية 2006 كان لي وللشعب كما قال شافيز.

سطوة الإعلام

ونظرا لأن معظم الصحف ومحطات التلفزيون مستقلة ومملوكة لشركات خاصة، وأيدت معظمها الانقلاب العسكري الذي وقع ضد شافيز في أبريل 2002 وتم اعتقاله 48 ساعة، قبل أن يتحرك أنصاره لتحريره وهزيمة الانقلاب، فإن شافيز قرر مواجهة أذرع الإمبريالية وإلغاء تراخيص أية جهة إعلامية معادية للثورة الجديدة، مع الحفاظ على حرية النقد بدون أي قيود.
وقد تعود شافيز أن يذهب إلى محطة التلفزيون الرسمية ويجلس بالساعات ليرد بنفسه على أسئلة المواطنين ويدخل في حوارات ساخنة حول جميع القضايا وعلى الهواء مباشرة. وفيما يمضى العالم بأسره تقريبا نحو اتباع أساسيات وأبجديات النظام الاقتصادي الرأسمالي وخصخصة المنشآت والمشروعات والمؤسسات، فإن شافيز رفع شعارا آخر وهو تأميم كل ما تمت خصخصته.
وفيما تحاول معظم دول العالم كسب ود وصداقة وشراكة الولايات المتحدة باعتبارها القوة الأعظم والأكبر في العالم على جميع الأصعدة العسكرية والاقتصادية والعلمية والسياسية وبما لها من نفوذ وهيمنة في قيادة العالم الرأسمالي وتقويض أسس أية أنظمة مختلفة أو مارقة على حد تعبير السياسة الأمريكية، فإن شافيز يواصل تحديه للولايات المتحدة ويهاجم رئيسها ويصفه بأوصاف حادة، ولا يبالى بأية تهديدات ضد نظامه أو أي تهديدات ضد حياته.

ثورة شافيز

وإذا كان البعض يحاول تصوير شافيز باعتباره زعيما فوضويا ورئيسا يمضى عكس حركة التاريخ، فإن شافيز وقد فاز في الانتخابات الماضية بفترة رئاسية ثانية وعبر انتخابات نزيهة وبمشاركة مراقبين دوليين لديه برنامج سياسي واقتصادي وإصلاحي شامل.
وهذه الإصلاحات لا تأتى بضغوط من الخارج، بل على العكس تتعرض لضغوط كبيرة من الخارج، فحركة التأميم ضرورية لتمويل عملية تحول اقتصادي اجتماعي ضخم، فالرئيس شافيز يرفض مثلا استقلالية البنك المركزي معتبرا أنه مفهوم ليبرالي جديد، فكما كانت الشركة العامة للبترول تابعة لواشنطن فالبنك المركزي تابع لواشنطن أيضا، ويعتزم شافيز استخدام الاحتياطي الضخم لدى البنك من فوائض البترول وقدرة 37 بليون دولار لتنمية القطاع الزراعي والبنى التحتية والإسكان، وقرر بالفعل منح التعاونيات الزراعية الصغيرة 3 مليارات دولار لتطوير أنشطتها هذا العام.
ومع استخدام القانون لوضع حد لسيطرة الشركات الأجنبية مثل توتال الفرنسية واكسون الأمريكية على أربع مصاف نفطية لكي تصبح خاضعة لسيادة فنزويلا، بدأت الحكومة تعديل التشريع النفطي للسيطرة على عقود تقاسم الإنتاج أو الاستكشاف الموقعة مع شركات أجنبية. وأعطى شافيز الإشارة لاستكمال تطبيق قانون الإصلاح الزراعي الذي ضرب الإقطاعيين بشدة في بلد ماتزال الزراعة هي المصدر الرئيسي لدخل غالبية السكان وسط سيطرة إقطاعيين كبار تعودوا على الارتباط بالعسكريين من ضباط الجيش والشرطة والسياسيين ورجال الدين من الكنيسة الكاثوليكية. ويراهن شافيز على بناء تحالف سياسي اجتماعي ضخم في مواجهة الإقطاعيين والقطاع الخاص الضخم ووكلاء الشركات الأجنبية ونفوذ شركات النفط، مؤكدا أن التحالف الاشتراكي سيكون أقوى هذه المرة في تنفيذ القوانين الجديدة، بعد أن واجه مقاومة مريرة في 2001 عندما بدأ بتطبيقها.
ويصر شافيز على مواصلة بناء تحالف إقليمي في أمريكا اللاتينية من الدول ذات الأنظمة الاشتراكية والتقدمية، في مواجهة منظمة الدول الأمريكية وهاجم رئيسها التشيلي خوسيه ميجل انسولزا قائلا في خطاب له إنها تمثل الهيمنة والسيطرة الأمريكية وأن رئيسها كسيح وغبي.
وفى آخر ظهور خارجي منذ أيام لشافيز في نيكارجوا بمناسبة تنصيب زعيم جبهة الساندينستا دانيل أورتيغا الذي عاد إلى الحكم عبر انتخابات نظيفة وديمقراطية، إلى جانب رئيس بوليفيا موراليس الذي يصر على ارتداء زى الهنود الحمر أجداده والذين ينتسب إليهم، أظهر شافيز قدرة على قيادة تحالف جديد، لا يحمل أية نزعات عسكرية عدوانية ولا مشروعات حربية، وإنما يحمل مشروعا اجتماعيا اقتصاديا جديدا ومتطورا لبناء أنظمة اشتراكية ملائمة للقرن الواحد والعشرين، وهى تجارب يرى الكثيرون خاصة في العالم الغربي أنها ضد حركة التاريخ، وربما فإن هناك خططا ومؤامرات لإفشالها وإسقاطها، فيما يستغرب البعض عندنا من أن هناك في هذا العام من يرفع شعاراً مثل بناء اشتراكية القرن الواحد والعشرين، فيما شافيز يقدم إجابات تستحق الانتباه وهو يقود ثورة لصالح الفقراء والمهمشين والمستغلين.
 
■ أحمد سيد حسن
كاتب مصري
عن موقع قاسيون

آخر تعديل على السبت, 01 تشرين1/أكتوير 2016 14:54