محمد سيف الدولة محمد سيف الدولة

احذروا الحوار مع الأمريكان، فهو كمين!

أود أن أتناول هذه المسألة على محورين: الأول هو التذكير بحقيقة الأمريكان. والثاني هو أهدافهم من الدعوة إلى هذا الحوار..

أولاً:

 نعلم جميعا أن أمريكا قوة عظمى، يصعب على الكثيرين تجاهلها أو رفض الحوار معها، ولكنها تظل قبل ذلك وبعده عدونا الأول والرئيسي:

فهي التي قامت بتصنيع النظام المصري الساقط طوبة طوبة منذ 1974 حتى الآن..

وهي التي حرضت وساعدت «إسرائيل» على احتلال سيناء عام 1967.

وهي التي منعت مجلس الأمن بعد النكسة من إصدار قرار يقضي بجلاء قوات الاحتلال من أراضينا وفقاً لميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر احتلال أراضي الغير بالقوة.. وبدلاً من ذلك عملت على إصدار القرار الباطل رقم 242 الذي يربط الانسحاب بشرط الاعتراف بـ«إسرائيل»، أو بالأصح بالتنازل عن فلسطين لليهود الصهاينة. فلما قررنا مواصلة القتال لتحرير أرضنا المحتلة، وقمنا بمعركتنا الكبرى في أكتوبر 1973، قام الأمريكان بالتدخل مرة أخرى للحيلولة دون اكتمال النصر، فدخلوا الحرب ضدنا، ومدوا العدو الصهيوني بجسر جوي من الأسلحة، وخططوا ونفذوا معه ثغرة الدفرسوار، ثم أصروا على انسحاب قواتنا إلى أماكنها الأولى قبل العبور، مقابل انسحاب القوات الإسرائيلية. ثم أخضعوا النظام وأرغموه بالتواطؤ وبالإكراه على توقيع اتفاقية سلام مع «إسرائيل»، قاموا فيها بتجريد 2/3 سيناء من القوات والسلاح، ثم قاموا بزرع قواتهم هناك بدلاً من القوات الإسرائيلية تحت مسمى قوات متعددة الجنسية، فخرجت «إسرائيل» ودخلت أمريكا، وهم هناك الآن.

ثم استكملوا خطوات القضاء على مصر الوطنية المستقلة، مصر المقاتلة، بالعمل على ضرب اقتصادنا الوطني وبيع القطاع العام الذي كان يدعم المجهود الحربي، واستبداله باقتصاد تابع سيطروا عليه هم وأتباعهم من رجال الأعمال، وهو الاقتصاد السائد في مصر الآن، حتى بعد الثورة.. ثم اتفقوا مع النظام الساقط على ضرورة حظر أي تيار سياسي لا يعترف بـ«إسرائيل» ويرفض التفريط في السيادة الوطنية، وحرمانه من المشاركة في العمل السياسي، والعمل على تصفيته والقضاء عليه.

وقاموا من أجل ذلك بالعدوان على كافة القوى الوطنية المصرية، وعلى رأسها «الإخوان المسلمون»، أنفسهم الذين طاردهم النظام المصري لسنوات طويلة، وزج بهم في السجون وقدمهم إلى المحاكمات العسكرية. وكله بأمر الأمريكان.

وبعد ثورتنا المجيدة، لم يتوقف شرهم، بل أخذوا يحرضون الإدارة المصرية الحالية على الحيلولة دون وصول التيار الإسلامي أو أي تيار معاد لأمريكا للحكم لما يمثله من خطر على «إسرائيل» وعلى المصالح الأمريكية، وأخذوا يغدقون الأموال والمساعدات على عدد من الشخصيات والمنظمات من أجل خلق بديل مقبول لديهم، ناهيك عن سيل الاعتداءات والشرور والأضرار التي تطول الأمة منذ عقود طويلة على أيدي الأمريكان في فلسطين والعراق والسودان والصومال ولبنان وأفغانستان... من احتلال وتبعية ونهب للثروات وتخريب للاقتصاد وتقسيم للأوطان وزرع الفتن الطائفية وتمويل الحروب الأهلية وتدخل في الشؤون الداخلية....الخ..

لكل ذلك ومثله الكثير، يجب الامتناع عن الحوار مع الأمريكان، بل يجب أن يكون خطابنا وحركتنا السياسية الرئيسية في مواجهتهم، وفي مواجهة مشروعهم وفي مواجهة تدخلاتهم لاحتواء ثورتنا.

ثانيا ـ ما هي أهداف الأمريكان من هذا الحوار؟

أظن أنه يمكن تحديد أهمها في الآتي:

1- هدف عاجل وخبيث يتمثل في إزالة الآثار السلبية الناتجة عن تصريح السفيرة الأمريكية الجديدة (آن باترسون) الذي ذكرت فيه أن هناك 600 منظمة مصرية طلبت دعما أمريكياً، وهو التصريح الذي أثار حالة من الغضب والاستياء والرفض الوطني لدى معظم القوى السياسية.

وكاد هذا الغضب أن يترجم إلى قرارات ذات شأن يمكن أن تضع حدا للعربدة التي تقوم بها الأجهزة الأمريكية على الأرض المصرية، ولذا جاء الإعلان عن الحوار مع الإخوان لإسكات أصوات الغاضبين، فها هي «أكبر قوة سياسية» في البلد تقبل الحوار مع الأمريكان فلماذا لا يفعل الآخرون مثلها؟

فمثل هذا الحوار سيؤدي إلى تبييض وجه رجال الأمريكان في مصر، وسيفتح الأبواب على مصراعيها لعديد من الأطراف الأخرى في التواصل مع الأمريكان بلا حرج وبلا تعقيب، وإن لنا في ذلك سابقة مبدئية أصيلة، حين توافقت كل القوى الوطنية العربية على رفض زيارة فلسطين بتأشيرة إسرائيلية، حتى لو كان الزائرون من الأخيار والمناضلين، لأن في ذلك إعطاء ذريعة للأشرار العرب أن يطبعوا مع العدو على قدم وساق.

2- الهدف الثاني قد يكون بمثابة (كمين) أمريكاني محترم، ومقلب من الوزن الثقيل للجماعة يهدف إلى إضعاف شرعيتها وشعبيتها الوطنية لدى قطاعات كبيرة من الشخصيات والقوى والناس العادية، التي عرفتها مجاهدة ضد المشروع الأمريكي الصهيوني على امتداد عقود طويلة.

كما أن الحوار سيقدم على طبق من فضة مادة جديدة لمتعهدي الحملات السياسية والإعلامية ضد التيار الإسلامي، وهو الأمر الذي بدأ بالفعل بمجرد إعلان كلينتون عن رغبتها في الحوار.

إن الحوار مع الأمريكان سيؤدي إلى إثارة الريبة والشك لدى عدد من القوى السياسية الأخرى في أن هناك صفقة ما قد تمت، فتنشق الصفوف أو تزداد انشقاقاً، وسيفسر أي نجاح قادم للجماعة، أن وراءه صفقة أو تواطؤ ثلاثي: أمريكي، عسكري، إخواني.

ومازلنا نتذكر كيف أدى اختيار صبحي صالح في لجنة التعديلات الدستورية إلى اتهام لم ينقطع بوجود تواطؤ بين الجيش والجماعة. فما بالنا حين تدخل أمريكا على الخط؟!

3) الهدف الثالث هو جس النبض والتعرف على نوايا الجماعة مبكرا مبكرا ، بحيث لو ثبت انها لا تزال تتمسك بمواقفها الجذرية من دعم المقاومة ورفض الاعتراف بإسرائيل ، فسيكون على الإدارة الأمريكية ان تعتمد خطة ضغط فورية على الإدارة المصرية ضدها ، بدلا من الانتظار الى ما بعد الانتخابات ، فالضغط الآن أسهل وأضمن.

فلماذا نمنح عدونا مزايا هذا الاستطلاع المبكر ، ونمكنه من أخذ زمام المبادرة؟!!

4) الهدف الرابع هو محاولة الضغط لتغيير الموقف من فلسطين واسرائيل وكامب ديفيد ، وهو الضغط الذي تجيده أمريكا بشدة ، والذي نجحت من خلاله فى تحقيق انجازات باهرة مع نظام السادات ومبارك ومنظمة التحرير الفلسطينية وغيرهم ، الى الدرجة التي أصبح لدينا عقدة دفينة من أن أي تواصل مع الأمريكان سينتهي حتما بمزيد من التنازلات العربية.

فالعكس مستحيل ، فلم يحدث أبدا أن تراجعوا هم أو قدموا لنا أى تنازلات ، منذ وعينا أن هناك بلدا تسمى أمريكا.

ولكن والأهم والأخطر من كل ما سبق هو ان الحوار سيرسي قاعدة باطلة وخطيرة ، لطالما قاومناها ، وهى أن على من يريد أن يشارك فى حكم مصر ، أن يتفاهم مع الأمريكان أولا ، ويحصل على مباركتهم.

آخر تعديل على الجمعة, 14 تشرين1/أكتوير 2016 13:33