العميد المتقاعد أمين محمد حطيط (لبنان) أكثر ما يخشاه الكيان هو انتقال عدوى المقاومة اللبنانية: والجميع ينتظر ذلك

ما دلالات هذا الضخ الإعلامي الإسرائيلي بخصوص التسليح السوري، ولماذا في هذا الوقت بالذات؟

لقد زلزلت حرب تموز الداخل الإسرائيلي في مستوياته السياسية والعسكرية والاجتماعية وإسرائيل تريد بشكل محدد أن تنشئ مخارج لها لتخفف من آثار هذه الحرب التي فضحت الأوضاع العسكرية الإسرائيلية. وإن تصحيح هذه الأوضاع يكون عسكرياً عادة بتضخيم خطر خارجي حتى يحث العسكري على العمل المتسارع لينتفي هذا الخطر، ما يعني أن إسرائيل بحاجة لخلق الخصم الذي يستعد للحرب لتحمل هي قواها وعسكرييها باتجاه رفع وتيرة استعداداتهم وتصحيح أوضاعهم التي كشفتها المقاومة.

* بهذا المعنى هل يندرج ذلك ضمن الحرب الإعلامية للتسويق الإقليمي والدولي والتحضير النفسي للداخل الإسرائيلي، بمعنى هل يأتي إسرائيلياً ضمن الاستباق على ما تحاول إسرائيل تصويره بـ«الخطر السوري المتعاظم»؟

الحقيقة أنها ليست استغلالاً إعلامياً فحسب وإنما استغلال واقعي ملموس في الضغط على الجيش وقياداته للمسارعة في اقتصار المهل وتصحيح الأوضاع وهي تعلم أن الاستعدادات في جو ضاغط تختلف عنها في جو مريح وهي بحاجة للجو الضاغط. وبما أن الوضع اللبناني اليوم لا يمكن أن يقنع العسكريين أو الداخل الإسرائيلي بتشكيل خطرٍ ما على إسرائيل بعد صدور القرار /1701/ وإنشاء القوات المعززة (اليونيفيل) وإنشاء منطقة على الأقل ظاهراً ليس فيها مقاومة عاملة، ولو أن المقاومة لم تترك سلاحها في لبنان، فهذا الواقع لا يمكن لإسرائيل استغلاله كما كانت تفعل سابقاً...

* كصورة «عدو خارجي»؟!! . .

.. نعم كصورة «عدو خارجي» تهديده قريب، وبالتالي فإنها ترى في سورية الوضع المثالي لتصوير هذا الخطر الشديد جداً للضغط في الاتجاه العسكري لرفع وتيرة التدريب، وللاتجاه الاجتماعي المدني الإسرائيلي لتخفيف الضغط على السياسة، وللضغط على الغرب لمدها بالمساعدات. ونحن بوصفنا خبراء استراتيجيين نرى بأن إسرائيل دائماً بحاجة حتمية إلى اختلاق مثل هذه الصورة «المخيفة» لترعب الآخرين وتحملهم على الاستعداد لمواجهتها.

* في المقابل أين هذا المنطق الإسرائيلي مما تشهده المنطقة، بما فيه من تحضيرات لضربة عسكريه لإيران؟

هناك ملفان ساخنان أساسيان في المنطقة هما «الملف النووي الإيراني والملف الأمني العراقي». وفي الملفين كليهما إسرائيل خارج الحلبة، على الأقل ظاهراً. فقد انعقد مؤتمر بغداد ولم تدع إسرائيل له مع أنها ممثلة أكثر من تمثيل بوجود بعض الأفرقاء على طاولة المفاوضات عبر أمريكا على الأقل، ثانياً تفرض على إسرائيل قيود مباشرة في التدخل بالملف الإيراني، فهي تضغط من خارج الحلبة ولكنها ليست شريكاً في التفاوض، لذلك فهي بحاجة إلى وضعٍ خاص بها لكي تدخل بشكل غير مباشر إلى طاولة المفاوضات في بغداد ومباحثات الملف النووي الإيراني. وهذا المدخل لا يكون إلا عبر الحليف الاستراتيجي أولاً لطهران في الملف النووي، وثانياً لأمريكا ضمن الضغط على سورية التي تتهمها واشنطن من ضمن قضايا أخرى بعدم التعاون في الملف الأمني العراقي.

* هذا ما يتعلق بشق المفاوضات ولكن بالمعنى العسكري هل بإمكان إسرائيل الدخول على خط أي مغامرة عسكرية أمريكية في المنطقة، تجاه إيران؟

أعتقد أن الواقع العسكري الإسرائيلي يمنع إسرائيل الآن عن أية محاولة أو تجربة ناجحة إلا في حال ارتكابها حماقات. ليس بإمكان إسرائيل أن تدخل حرباً لا مباشرة ولا جزئية ولا شاملة، إنها بحاجة على الأقل بعد صدور تحقيق لجنة فينوغراد لفترة زمنية من 6 أشهر إلى 9 أشهر لتسوي أمورها ووضعها العسكري والسياسي.

* إذا بالمنظور الإسرائيلي كيف يتناغم الحديث عن التسلح السوري والاستعداد للحرب مع إسرائيل مع الحديث عن السلام وإعادة الجولان، علماً أن هناك عمليات استيطان إسرائيلية في الجولان هي الأكبر في تاريخ الكيان؟

يجب أن ندرك تماماً، وأن نبني تصرفاتنا على أساس هذا الإدراك، وهو أن إسرائيل لن تدخل بعملية سلام مع سورية بشكل اختياري. إسرائيل ترى في الجولان منطقة إستراتيجية لها ولن تبدلها بالسلام. وبالتالي فإن الحديث عن السلام ما هو سوى دخان يخفي النوايا الإسرائيلية الحقيقية لجهة الاحتفاظ بالجولان. ولكنها تسوق عالمياً أنها تسعى للسلام وسورية ترفض ذلك. وقد أحرجت إسرائيل بالمواقف السورية التي اتخذها السيد الرئيس بشار الأسد مؤخراً بأنه مستعد للدخول في مفاوضات السلام لاستعادة الجولان ولكن من دون قيد أو شرط. وكان الرد الإسرائيلي على هذا الإحراج الذكي هو إطلاق بالونات سلام كاذبة.

* بالعودة إلى مسألة التهويش الإسرائيلي باتجاه خلق «صورة عدو»، هناك من يحرض ويستعدي الآخرين عليك باتجاه الاستعداد النفسي ربما لقبول عدوان عليك بغض النظر عن استعداد إسرائيل العسكري لذلك، فضمن إطار مفهوم الاستباق فهل يمكن الاستباق على الاستباق بنية تحرير الجولان من المعتدي الإسرائيلي دون تركه يفرض واقعاً جديداً؟

نحن كمراقبين نرى أن سورية بعد حرب تموز بصدد وضع خطة جديدة في التعاطي مع الجولان وهي خطة غير مسبوقة في السياسة السورية وهي تقوم على سقوف ثلاثة: الأول، هو متابعة مفاوضات مدريد من حيث توقفت مع التمسك بما سمي «وديعة رابين»، ثانياً هو تكوين المحور الاستراتيجي الضاغط على إسرائيل والسياسة الغريبة لمنعها من التهام حقوق سورية وهي في حالة ضعف، وبالتالي فهذا السقف يضم الأحلاف الإستراتيجية التي تقيمها سورية مع قوى إقليمية فاعلة سواء دولاً أو منظمات، ومن شأن هذا أن يضغط باتجاهين: ضغط نحو تسريع المفاوضات ذات السقف الأول والضغط الآخر للاستعداد لعمل عسكري ما، في وقت مناسب، وهو السقف الثالث الذي يتراءى للمتابعين والمراقبين، إذ أن القيادة السورية بصدد إنشاء القوى القتالية مزدوجة الأداء، تقليدياً وغير تقليدي، حتى تكون جاهزة في اللحظة المناسبة للدخول في عمل عسكري ميداني إذا فشلت الأعمال في السقفين الأول والثاني.

* يرى البعض أن هناك اختلالاً في موازين القوى العسكرية بالمعنى التقليدي، فما هو البديل، وما هي مصادر الإسناد؟

أعتقد أن السقف الثالث هو الذي سيؤتي أُكله بتحرير الجولان وهناك أمثلة حديثة وقريبة في المنطقة. وإسرائيل لن تستطيع أن تدخل في سباق مع أي «خصم» أو أي «عدو» في إطار الحرب غير التقليدية. وأعتقد أن درس حرب لبنان غيَّر الموازين بشكل جذري في المسألة الإسرائيلية. وسورية كما ذكرت بصدد الاستعداد للقتال من نمطين التقليدي وغير التقليدي أي حرب العصابات والمقاومة الشعبية.

* ومن حيث المبدأ، ما هي السياسات المطلوبة حكومياً (اقتصادياً - اجتماعياً وسياسياً) في هذا النمط من المواجهة العسكرية؟

نحن نعلم أن حرب المقاومة أو العصابات كانت في مرحلة معينة متعذرة في سورية بسبب الهجرة التي حدثت من قرى الجولان المحتل، ولكن الوسائل الحديثة للاتصال والقتال والإسناد الجديدة يمكن أن تتغلب على هذا الضعف في وجود سكان داخل الجولان المحتل. ومن جانب آخر فإن الأساليب الناجحة التي اعتمدتها المقاومة الوطنية اللبنانية في الحرب الأخيرة «أسلوب الالتحام والإدارة وأسلوب القصف الناري بعيد المدى وأسلوب الكمين القاتل» لديها القابلية للنجاح في الجولان الآن، وهذا ما تحسب إسرائيل له الحساب. وعندما تهوش إسرائيل على الاستعدادات العسكرية السورية فهي وأمريكا تعلمان عبر أقمارها الاصطناعية أنه ليس هناك تبدل جذري في المواقع الأساسية للقوة التقليدية السورية أي ليس هناك عمليات كبرى لإعادة انتشار جذرية، ولكن هذا التهويش هو نوع من الحرب الوقائية الإعلامية لمنع سورية من تكوين القوة التي تستطيع من خلالها أن تخوض حرب مقاومة ناجحة. ولكننا نعلم أن تجربة إسرائيل مع سورية في الحروب الإعلامية وما يماثلها من تجارب هي فاشلة، ولا ننسى أن لسورية جيش عقائدي وليس مرتزقاً.

* وماذا عن حاضنة البعد الشعبي بمعنى المقاومة الشعبية؟

هنا نميز بين أمرين: الحاضنة الشعبية في ميدان العمل والاستعداد للعمل.

نحن نعلم أن الجولان قد أفرغ بمعظمه من سكانه ولذلك توجد هناك حاضنة شعبية محدودة الأثر والسبب هو تغلغل العين الإسرائيلية المراقبة للنشاط ضمن المناطق المأهولة. لهذا تتعقد بعض الشيء الأعمال القتالية لنمط المقاومة والعمل غير التقليدي في داخل العمق المحتل ولكن ذلك لا يعني الاستحالة، فالمقاوم في المجموعات الصغيرة وفي ظروف كطبيعة الجولان سيرى الفرص والمسالك المناسبة للتقرب والبدء بالعمل ثم الانقضاض ليبدئ بالإرباك وعندما تتطور الأمور بالأفعال وردود الأفعال تتغير الصورة.

* هذا بخصوص جبهة الجولان فماذا عن متطلبات داخل عمق الوطن الأم؟

في العمق السوري لا ننسى التنظيم المحكم للقيادات الحزبية والتنظيمية العسكرية سواء في إطار شبيبة الثورة أو الجيش الشعبي أو في الأطر النقابية والمهنية. الشعب السوري شعب منظم بهيئات وليس شعب شتات. لذلك أرى أن انطلاق المقاومة في سورية ليس بالأمر الصعب عندما يوجد قرار بهذا الشأن. وبالعكس أعتقد أن الحاضنة الشعبية موجودة في منطقة الاستعداد وأن العزيمة والقدرات والقرار الحازم موجود ليقتحم إلى منطقة العمل. وهذا ما يخيف إسرائيل فعندما انتهت حرب تموز وبدأت المحاسبة الذاتية لاستخلاص العبر لم تكن عينها على لبنان فقط، فالخشية الرئيسية عند إسرائيل اليوم هو أن تنتقل العدوى.. والجميع ينتظر ذلك.

■ قاسيون

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 14:08