وكالات وكالات

تركيا البراغماتية: غزة إلى الذاكرة وعودة إلى أروقة تل أبيب

يجمع المراقبون على أن بين تركيا و««إسرائيل»» مصالح كثيرة ومتشعبة خصوصاً تلك المتعلقة بالمجال العسكري، بما أن «إسرائيل» ترى في تركيا سوقاً مهمة للسلاح والتكنولوجيا العسكرية المتطورة.

اتسمت فترة التسعينيات بالتطور المطرد في العلاقة بين البلدين، حيث تم توقيع عدد من الاتفاقيات العسكرية والتعاون المخابراتي كما سمحت «إسرائيل» للطيارين الأتراك بالتدرب في قواعدها والمشاركة في مناورات مع الولايات المتحدة الأمريكية في البحر المتوسط.
يرى رئيس مركز بيغن- السادات للدراسات الإستراتيجية في كيان العدو أفرايم عنبار، في دراسة نشرها المركز، أن مستقبل العلاقات الإسرائيلية- التركية يتصف بنوع من الضبابية كونه مرتبطاً بعدة أمور كتأثير صعود نفوذ التيارات الإسلامية والقومية في تركيا، والانعكاسات السلبية لعدم انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوربي. وبعيداً عن تحليلات عنبار، كانت حادثة أسطول الحرية التي أدت إلى استشهاد تسعة أتراك بنيران قوات البحرية الإسرائيلية بعد أن كانوا متوجهين لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة، كفيلة بإحداث شرخ في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب. أبدت الحكومة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان استياءها مما قامت به الحليفة الإستراتيجية. حقبة خيّل للبعض خلالها أن تركيا دخلت محور المقاومة والممانعة، حتى لحظة بداية الاضطرابات الأمنية في سورية وما تلاها من تسريبات عن محادثات سرية مع تل أبيب.

هنا اختلف كل شيء وخرجت الأسئلة من الرؤوس: ما الأسباب الكامنة خلف هذا التغيير في السياسة الخارجية التركية، تحديداً العلاقة مع تل أبيب؟
الأخبار عن مساعي للقيام بإصلاحات على مستوى العلاقة الدبلوماسية المتعثرة بين تركيا و«إسرائيل»، تحدثت عنها الصحيفة الإسرائيلية «هآرتس» التي نقلت عن مسؤول إسرائيلي كبير رفض الكشف عن اسمه قيام محادثات سرية بين الجانبين بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية. إضافة إلى ذلك برز موقف تركي مفاجئ تمثل بعدم مشاركة السفينة التركية (مافي مرمرة) في أسطول الحرية المتوجه قريباً إلى قطاع غزة. الموقف لقي ترحيباً في الأوساط الإسرائيلية التي وجدت فيه بادرة حسنة من شأنها إعادة العلاقات إلى سابق عهدها. أمر يفرض على الذاكرة استحضار كلمات الرئيس التركي عبد الله غول بعد حادثة أسطول الحرية: العلاقة مع «إسرائيل» لن تعود أبداً كما كانت!
بناء علاقات جيدة مع تركيا رغبة إسرائيلية
يرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية عباس إسماعيل أن الموقف التركي المؤيد للمعارضة في سورية خلال الأحداث التي تشهدها مؤخراً، إضافة إلى النقد الموجّه من قبل المسؤولين الأتراك لأداء الرئيس بشار الأسد، شكل نوعاً من الإشارات الإيجابية في أوساط الحكومة الإسرائيلية. وفي اتصال مع موقع المنار، أضاف إسماعيل أن «إعادة تموضع تركيا والتغيير الحاصل في سياستها الخارجية أدّى إلى دفع تل أبيب لإعادة النظر في العلاقة المتأزمة». ويؤكد إسماعيل أن كيان العدو يعلق آمالاً على عودة العلاقات مع أنقرة إلى طبيعتها «بسبب المصالح الاقتصادية والسياسية المتبادلة». ويلفت إسماعيل إلى أن «إسرائيل» حرصت على «عدم صبّ الزيت على النار بعدم تصعيد الخطاب باتجاه تركيا في الآونة الأخيرة».

تركيا تريد طمأنة الغرب: لست دولة إسلامية!
وفي اتصال مع موقع المنار، عزا الناطق السابق باسم قوات اليونيفيل في لبنان تيمور غوكسيل، التركي الجنسية، التغييرات الحاصلة في السياسة الخارجية التركية خصوصاً اتجاه «إسرائيل» إلى ضغط أمريكي وغربي يتهم تركيا الأردوغانية بالأسلمة وبمعاداة «إسرائيل». ولفت غوكسيل إلى أن حزب العدالة والتنمية، الحزب الحاكم في البلاد، يرى في انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوربي أولوية «من الصعب تحقيقها في ظل علاقات متأزمة مع الغرب وتحديداً مع «إسرائيل»». كما أوضح غوكسيل أن العقيدة الأردوغانية تقوم على علاقات «جيدة ومهذبة مع «إسرائيل» وليس علاقة شديدة القرابة». غوكسيل شدد على أن تركيا تريد القول حالياً: أنا لست دولة إسلامية، إنني أستوفي الشروط التي تؤهلني لأصبح عضواً في الإتحاد الأوربي.
وتسعى أنقرة إلى تجميل ملامح الأسلمة التي اكتسبتها بعد استلام العدالة والتنمية مقاليد السلطة. ويبدو أن رجب طيب أردوغان، الطامح للجلوس على كرسي الرئاسة، يعي تماماً فن السير بين الخطوط الحمراء وتدويرها، فبعد تحطيم معاقل أتباع الأتاتوركية كالجيش، يستعد لجولة جديدة عنوانها: تركيا دولة قوية!!