د. سعيد دودين لقاسيون: نحن فقراء، جداً ولا نملك دقيقة واحدة من الوقت نمنحها مهلة للغزاة

 د. سعيد دودين.. جزء من سيرة ذاتية:
·        مواليد الدورة في مدينة الخليل 1946
·        حصل على الثانوية العامة من مدرسة فلسطين في غزة
·   اضطر إلى مغادرة الضفة الغربية إلى قطاع غزة عام 1961 إثر تظاهرة ضد الحركة الانفصالية التي حصلت في سورية.
·        درس في ألمانيا (سياسة وعلاقات دولية)
·        بعد تخرجه عام 1976 التحق بالمؤسسات الإعلامية الفلسطينية لغاية اتفاقية أوسلو
·   أسس مؤسسة (عالم واحد) للبحث والإعلام، وهي مؤسسة بحثية معنية بتطوير ركائز معلوماتية علمية للإعلام العربي لمعالجة الخلل في البنية الإعلامية العربية.

على الرغم من نشاطه الواسع في ألمانيا وأوروبا منذ أربعين عاماً لصالح القضية الفلسطينية، وأبحاثه المعمقة في مجال اليهودية والصهيونية، وهو من أوجد مؤسسة «عالم واحد للبحث والإعلام»، لم يُعرف الدكتور سعيد دودين، الألماني من أصل عربي فلسطيني، بشكل موسع لدى الشارع العربي، إلا في السنوات الأخيرة الماضية، ولاسيما بارتباط اسمه بكشف خلفيات وارتباطات المحقق الدولي السابق ديتلف ميليس الذي كان مكلفاً بالتحقيق في جريمة اغتيال الحريري. وخلال فترة تولي المذكور للتحقيق، قام د. دودين بالعديد من الأنشطة، وأجريت معه الكثير من اللقاءات التلفزيونية والصحفية لتسليط الضوء على جوانب مغيبة من غايات التحقيق الدولي، وبالأساس، من جريمة الاغتيال ذاتها، وارتباطها بالمخطط الأمريكي الصهيوني المرسوم للمنطقة. غير أنه للمفارقة أصبح هو بالذات مؤخراً ضمن دائرة الاستهداف المباشر بأشكال مختلفة. وقد يكون أحد الأسباب الكامنة من وراء ذلك هو بقاؤه أحد الأصوات العربية في بلدان الاغتراب المتمسكة بخيار المقاومة.

وللوقوف على ذلك قامت قاسيون بإجراء اللقاء التالي عبر الهاتف مع د. سعيد دودين من مقر إقامته في برلين.

● د. سعيد دعنا نبدأ مباشرة، أنت شخصياً والمركز الذي تديره أسهمتما إلى حد كبير من خلال الدراسات والنشاطات والمقالات وحتى الزيارات التي قمتم بها إلى المنطقة في فضح المحقق الدولي السابق «ديتليف ميلس»، وإبعاده عن التحقيق بالنتيجة، بالمناسبة ماذا حلّ به؟

ديتليف ميليس عاد إلى غرفة مساحتها 3×4 متر، في مقر الادعاء العام أمام مكان عمله السابق، وكافة الأساطير التي ذكرت في الإعلام العربي ونشرت على نطاق واسع عن الترقيات والمكافآت، والتي دحضناها منذ اللحظة الأولى، ثبت بأنها كانت عارية عن الصحة.

نحن على قناعة بأن ديتليف ميلس فشل مع نائبه ضابط المخابرات الألمانية غيرهارد ليمان في تنفيذ المخطط الذي عهد له لتوسيع نطاق العدوان الأمريكي على لبنان وسورية. وهو خرج عن مضامين الدستور الألماني الذي أقسم بالولاء له من خلال نشاطه الذي تضمن ارتكاب جريمة سلب حرية بحق أربعة ضباط لبنانيين مازالوا قابعين إلى يومنا هذا عبر قرار اعتقال تعسفي في السجن. وأن مطاردته هامة لتحجيم الخطر الذي ينجم عن نشاطات أمثاله على صعيد الثقافة القانونية، وهي ضرورة لكافة القوى الديمقراطية من أجل إفشال مخططات مماثلة. فنحن نعلم أن الجهود في هذا المجال مستمرة، وأن السلطة الألمانية تلعب دوراً في منتهى السوء لتكريس نظام الهيمنة الذي أملته خطة سايكس/ بيكو والذي أدى إلى تمزيق الوطن العربي بما فيه بلاد الشام.

● د.سعيد لنبق في إطار محور التحقيق... ما رأيك بالتحقيق الحالي، وماقراءتك للـمحكمة الدولية، واقعها، آفاقها؟!

لا يمكن النظر إلى هذه القضية، وإلى الانتقائية في التعامل مع الجرائم التي حدثت في المشرق العربي عموماً، وفلسطين بشكل خاص، دون النظر إليها كجزء من مخطط هيمنة. وإن ما يطلق عليه اسم جهود من أجل المحكمة الدولية هو حالة شاذة، وهو جزء من محاولات سياسة الابتزاز، على الأقل لتحييد القوى الوطنية، وخاصة سورية، عن القيام بدورها في الدفاع عن حق الشعوب في الحياة، وسلامة وطنها في وجه العدوان، وستستمر محاولات هذا الابتزاز. ولقد رأينا محاولات مماثلة ضد ليبيا ونجحت بشكل ما في فرض إملاءات معينة.

صحيح أن هذا المثل لا يمت للسؤال المطروح بصلة، ولكن فلنقارن بين صور أبطال المقاومة وهم مقيدون بالسلاسل الذين قام الاحتلال الصهيوني بتسليمهم إلى السلطة الأردنية للإلقاء بهم في السجون تنفيذاً لقرار إجرامي لمحكمة احتلال، وصور «استقبال الأبطال» الذي جرى لمن صدرت أحكام حقيقية ضدهم على خلفية قتل مئات الأبرياء من أطفال ليبيا واستقبلوا بطائرة رئاسية فرنسية. هذه تفاصيل النظام العنصري الذي يملى على العرب.

إن سورية مستهدفة، لا بسبب أي قرار سياسي اتخذ من أي مسؤول، وإنما لأن تركيع سورية هو هدف استراتيجي. وبدون اجتياحها، (وهذه هي قناعة أوساط حلف شمال الأطلسي، والتي اطلعت عليها عبر لقاءات مع العديد من أعضاء البرلمان الأوربي)، لن يتمكنوا من فرض نظام الهيمنة.

فيما يتعلق بما يسمى بالمحكمة، نعلم أن عملية التلفيق وشراء ضمائر الشهود لم تنجح. ماذا عندما تقوم فرنسا بإخفاء مرتزق تم شراء ضميره من أجل الإدلاء بأقوال ثبت أنها خاطئة لارتكاب جريمة سلب حرية؟ ماذا عندما ترفض تسليمه في وقت تقول فيه أنها «تريد الحقيقة»، وتريد الحلول السياسية في لبنان؟ وأرى بأن محاولات عدة ستجري في المستقبل من أجل ابتزاز سورية، فهم يريدونها نوعاً من الهلال الأحمر يقوم برعاية نصف مليون مشرد من لبنان ومليون ونصف مشرد من الحرب العدوانية في العراق.

والمحكمة هي أداة ستستمر إلى حد الوصول إلى إحدى نهايتين: إما أن يفشلوا فشلاً نهائياً في تحقيق أهدافهم، وأنا على قناعة بأن المقاومة البطلة في العراق ستفشل هذه المخططات، وإما، وهذا سيكون كارثة للعرب، سينجحون في سياسة الابتزاز.

● إذا، هذا ينطبق في الجوهر على المحققَين بغض النظر عن الطابع المهني لدى سيرج براميرتز والطابع التلفيقي والمضلل لدى ديتليف ميلس؟

في اليوم الأول لتعيين السيد براميرتز نشرنا سيرته الذاتية وقلنا إننا نثق بالكفاءة المهنية لدى هذا الرجل، رغم كونه خصماً سياسياً لنا.

أنا على إطلاع على 37 بحثاً علمياً قدمها هذا الرجل، وعلى شجاعته في مواجهة المافيا في بلجيكا، ولكن مشكلته الحقيقية تكمن في تحديد مسؤولياته وتحجيمها. وهو قام بنسف العديد من الإدعاءات السخيفة التي تضمنتها تقارير ميلس، وطلب إنهاء مهزلة سلب حرية الضباط المعتقلين. وأعلم أن المبررات التي ذكرت للاعتقال حسب قناعة براميرتز لا تكفي لإصدار أمر تفتيش منزل. وفي كل الأحوال سنقوم في تشرين الأول بنشر تفاصيل أكثر. وبسبب مهنية براميرتز عرضت عليه مراكز جديدة في محكمة العدل العليا من أجل أن يرفع يده عن ملفات التحقيق. وهناك حملة محلية في لبنان من قوى نافذة رسمياً تقوم بحملة تحريضية بالتنسيق مع المدعو ليمان والمدعو ميلس، بسبب رفض براميرتز الانصياع لما تريده الإدارة الأمريكية.

● حسناً، بالإطار العام د.سعيد تطرقت إلى موضوعة المشروع الأمريكي، إلى اين يمضي هذا المشروع حالياً؟

ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، هو مشروع هيمنة كوني، هو نظام أبارتيد (تفرقة عنصرية) كوني، يعد أحد العناصر الأساسية فيه هو أحادية الهيمنة على مصادر الطاقة، وعلى طرق المواصلات والإمدادات، وهذه الهيمنة هي الخلفية الحقيقية للحربين العدوانيتين على أفغانستان والعراق.

ما لا يعلمه العديد من الإعلاميين الأصدقاء، هو أن تقييم البنية الثقافية والسياسية في سورية من الإدارة الأمريكية تاريخياً هي أن هذه البنية تشكل عائقاً حقيقياً، بسبب رقي الوعي الوطني لدى كافة شرائح الشعب السوري.

لقد كنت أتحفظ دائماً عن توجيه ما يمكن تفسيره بشبه المديح تجاه أي رئيس أو حاكم عربي، لكني لا أتردد على الإطلاق في أن أعبر عن سعادتي لوجود قيادة شابة واعية لا تتجسد بشخص الرئيس فحسب الذي أكن له احترام مميز بل للقيادة التي يتم وصفها كممانع حقيقي في وجه نظام الهيمنة. وهذا ما يفسر الحقد والسموم التي توجه على مستويات عدة تجاه سورية، كبنية ثقافية واجتماعية، يحول مستوى تطورها دون إخضاعها مثل بعض الدول الأخرى.

● د. سعيد أنت واحد من المفكرين العرب المقيمين في الغرب والمتمسكين بخيار المقاومة وهذا بشكل طبيعي يضع أمامكم تحديات وربما تهديدات كبيرة، كيف تسير الأمور معكم حالياً؟ سمعنا شيئاً عن تحريض بعض المواقع الالكترونية عليكم، وهناك دعوى مقامة ضدك في ألمانيا، فما حقيقة الأمر؟

عندما قمنا منذ اللحظة الأولى بمواجهة الخطر الذي بدأ يتبلور لتوسيع نطاق العدوان على سورية قمنا بواجبنا بمحض إرادتنا. وكان هناك بعض الأصوات لا نعرفها من دمشق اتصلوا وقالوا إن علينا أن ننتظر حتى ينجلي تطور الأمور. نحن لا نعرف هؤلاء، ولكن جوابنا التقليدي كان: نحن فقراء جداً ولا نملك دقيقة واحدة من الوقت نمنحها مهلة للغزاة.

أنا أحترم كل معارضة عربية ولكنني أحدد طبيعة المعارضة بأنها من يبلور برنامجاً اقتصادياً اجتماعياً ثقافياً أكثر تطوراً من البرامج القائمة، ويحاول عبر التعبئة الشعبية الوصول إلى هدفه، ولا أستطيع أن أعتبر من يلقي بنفسه في مستنقعات الغزاة معارضة، فلا أستطيع أن أعتبر الروس الذين التحقوا بالقوات النازية إبان اجتياح الاتحاد السوفييتي بأنهم معارضة..

● عفواً د.سعيد أنت تقصد هنا ما يسمى بالمعارضة السورية المقيمة في الخارج؟

بشكل محدد هناك صفحة بريد الكتروني تطلق على نفسها «سورية الحرة»، وفي الحقيقة فإن مستواها الثقافي محدود جداً وهي ليست مكان عنايتنا لأنها لا تشكل مصدراً للإثراء المعلوماتي أو الفكري، وهي مهملة. وفجأة وفي الوقت الذي لم تكن لنا علاقة مباشرة حتى مع المؤسسات الإعلامية السورية، نجد فيها رواية تقول بأن عضواً في الحكومة السورية طار إلى برلين وكلفنا بالعمل مقابل مبالغ مالية...

هذا كلام على درجة من الانحطاط الثقافي، وهناك طبعاً من يريد تصديق هذه الكذبة. وأنت تعلم هناك مثل عربي يقول «مجمع الخلان يبقى عامراً»، ففي لندن، وإبان الاستعداد لاحتياج العراق كانت هناك ظاهرة مماثلة، وفي ألمانيا كان صاحب محل لملابس الرقص الشرقي، هو مثال الألوسي تم بلورته كزعيم معارضة، رغم الحكم الصادر ضده في ألمانيا بالسجن 3 سنوات وشهرين للقيام بنشاط إرهابي مسلح ضد إحدى السفارات، ثم أخذ إلى العراق، وبعد 3 أسابيع نسمع أن صاحب محل الموضة الشرقية أصبح رئيس لجنة اجتثاث البعث وأصبح من أهم القيادات، وأصبحنا نراه في الفضائيات العربية وفي بث مباشر من معهد الموساد في تل أبيب، ويتم تقديمه كخبير دولي لمناهضة الإرهاب.

نحن نعلم كيف يصنع الموساد والإدارة الأمريكية الزعامات في العالم العربي. لا أعتبر هؤلاء معارضة.

ولكن من المؤلم جداً أن ترى تقارير مزورة نشرت في دمشقّ حول ندوة هامة جرت في مكتبة الأسد وشارك فيها العديد من الباحثين، ورغم أنها كانت مسجلة من قبل المحطات التلفزيونية، ومنها التلفزيون السوري، وصحيفة، مثل صحيفة الحياة التي نشرت تقريراً متزناً حولها، إلا أن هناك من نشر أشياء ليست غير دقيقة فحسب بل محرضة وحاولت توريط أحد الوزراء الذي نكن له كل الاحترام.

وعلى الرغم من أنني طلبت من هذا الموقع نشر النص الحقيقي الموثق لما تم الإدلاء به في هذه الندوة، لكن ليومنا هذا لم يتم تصحيح هذا الخلل رغم الطلبات الواضحة. الصهاينة استغلوا هذا الخبر الذي تم ابتداعه من أجل الحديث السخيف عن دعم الإرهاب، وعن الخندق الإعلامي للمقاومة العربية، ونحن نجهر بالشق الثاني ويعلم القاصي والداني بذلك، ولكن من المؤلم أن تقوم مؤسسة إعلامية في عاصمة دولة عربية لها مكانتها ورؤيتها التي تحظى باحترام مميز ليس عند مؤسستنا فحسب، بل عند كافة قوى التحرر العربية والعالمية، أن تقوم مؤسسة من هذا القبيل بعدم احترام الأداء الإعلامي...

● المؤسسة هنا هي الموقع الالكتروني؟

نعم الموقع الالكتروني هو «شام برس» ووجهنا لهم رسالة مؤخراً مفادها أن ما ابتدعوه يستغل ضدنا من قبل أطراف معينة، ونحن لا نطلب سوى نشر النص الحقيقي والموثق لما قيل، ونحن نقبل به. وهذا طلب باستطاعتي أن أسرده على أي صحيفة يمينية متطرفة في الغرب، وهذا حق من حقوقنا، لكننا لا نمارسه.

وطبعاً هناك موقع لآل الحريري تبنى هذه الإدعاءات ونشرها على الصعيد العالمي. وسنواجه هذا الوضع وكما ذكرت نحن على صراع يومي مع تنظيمات إجرامية، وهي مؤسسات المنظمة الصهيونية العالمية ولكن المؤسف أن نرغم على خسارة وقت حقيقي نحن في حاجة ماسة إليه.

● وهل هناك دعوى قضائية مرفوعة الآن ضدك في ألمانيا؟

نعم هناك حديث عن دعم الإرهاب استناداً لادعاء باطل تم نشره من قبل هذه المؤسسة وجوهره أنني طلبت في هذه الندوة بالقيام بتظاهرات أمام السفارات اللبنانية من أجل إنهاء جريمة اعتقال الضباط.

هذا ما فعلته في عدة أماكن، وعندما بدأنا نشاطنا رفضت أن أبدأ من دمشق، بل توجهنا فوراً إلى بيروت لتوجيه النقد للحكومة اللبنانية من هناك وهذا ما قلناه في يوم 2 أيار في بيروت وبعد ذلك بـ6 أيام في دمشق. ولكن هذا المصدر يذكر بأنني طلبت اجتياح واقتحام السفارات الأمريكية، علماً بأنني لم أتطرق إلى ذلك على الإطلاق. ولكني لم أخف قناعتي بأن الإدارة الأمريكية هم مجرمو حرب، وقمنا بالمساهمة في إعداد محاكمات كانت هامة جداً، وحضر جنرالات أمريكيون سابقون كشهود عيان لمحاكمة الإدارة الأمريكية لأنهم مجرمو حرب. وذكرنا أن هناك محاولة انقلابية في لبنان حدد أهدافها مستشار الرئيس الأمريكي وهو العنصري دانييل بايبيس بضرورة القضاء على الوجود السوري في لبنان لتغيير ميزان القوى، وتنفيذ المخطط الإسرائيلي الأمريكي، وتدمير المؤسسة الأمنية ومؤسسة الرئاسة، ونزع سلاح حزب الله، وسلاح المقاومة الفلسطيني. وإن مسلسل الجرائم في لبنان له علاقة وثيقة بتدمير المؤسسة الأمنية الوطنية، هذه قناعتنا وهذا ما نعبر عنه.وهذه من الأولويات التي حددها بايبس في تقريره الذي ترجمناه إلى اللغة العربية ونشرناه.

● في ضوء ضخامة الملفات المطروحة أمامكم وضمن هذه الرؤية، وهذا الخيار، خيار المقاومة، كيف هي صلتكم بالأوساط الألمانية والجالية العربية الموجودة في ألمانيا، وفي أوربا عموما؟!

نحن جزء من حركة السلام الألمانية وبالتالي من حركة السلام الأوروبية والعالمية. وإن سبب العداء والحقد الدفين الموجه لنا هو لأننا جزء من هذه الحركة وبالتالي لنا تأثيرنا وفعاليتنا.

هم يذكرون في كل مناسبة مدى تأثيرنا وهذه خلفية هذا العمل. إنه صراع سياسي واضح.

تردد في الأيام الأخيرة ما يطلق عليه مبادرة بوش للسلام، وأنا صعقت عندما سمعت قرارات جامعة الدول العربية التي ترحب بمبادرة بوش، وطبعاً حييت التحفظات  السورية عليها.

ولكن الجملة الجوهرية فيما يسمى بمبادرة بوش هي قوله: «سندافع عن حق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية للشعب اليهودي». وهذا يعني بتصميم مطلق الحفاظ على وجود قاعدة عسكرية على أسس عنصرية محضة، أي كيان عنصري. والغريب أنه بعد انهيار النظام العنصري في جنوب أفريقيا بعقدين، ونصف قرن بعد انهيار النظام العنصري النازي، هناك سياسيون عرباً يقبلون مبدأ وجود كيانات عنصرية، وهذا يعني دحض حق الشعب العربي الفلسطيني في الحياة بسلام في وطنه. أنا أرفض وجود كيان عنصري، كإنسان فلسطيني أو عربي أو مسلم، لأني إنسان، ولأن العنصرية امتهان لإنسانيتي، وبالتالي أرفض هذا الكيان، وأنا أوافق القائد السابق لحلف شمال الأطلسي الجنرال الهولندي الذي قال إن إسرائيل هي أرخص قاعدة مرتزقة يمتلكها حلف شمال الأطلسي، هذا هو التشخيص الحقيقي، فكيف تقبل قيادات سياسية عربية هذا المبدأ خاصة إذا تحقق على أشلاء شعب فلسطين.

القيادات العربية إما تعاني من خلل فكري حقيقي أو أنها تشكل خطراً حقيقياً على الوجود والثقافة الإنسانية، وعلى مصلحة الشعب العربي، ولم أجد في الإعلام العربي من أدرك مدى خطورة مطالبة مجرم الحرب بوش بالحفاظ على كيان عسكري عنصري خلف قناع مصطلح الشعب اليهودي ودولة لليهود.

● هذا يقودنا إلى أبحاثك عن اليهود والصهيونية ما الجديد لديكم سواءً شخصياً أو في المركز من هذه الأبحاث؟

أتممنا مؤخراً إعداد نصوص باللغة العربية، واسمح لي بمثل واحد، عن مدى خطورة الاختراق الصهيوني.. عندما طرد أعضاء المؤتمر الصهيوني الأول في ميونيخ، من قبل الجالية اليهودية التي اعتبرتهم فاشيين، وطردوا إلى بازل ليعقدوا مؤتمرهم ويصدروا ادعاءاتهم بأن هناك الشعب اليهودي، وربطوا بين تطورات اجتماعية اقتصادية ثقافية حدثت قبل 2600 سنة في منطقتنا تتعلق بقبائل عربية قديمة وتحركاتها وتطوير أفكارها وبناء دولتها آنذاك، وبين الغزو الاستعماري الأوروبي، وكأن هناك أناساً ذهبوا 2000 سنة في إجازة وعادوا، وكأنهم يدعون بأن هناك صلة قرابة بين ابراهيم الخليل وباروخ غولدشتاين.

وللأسف هناك الآلاف من المقالات العربية التي تتحدث حول كم حكم اليهود في فلسطين. نحن نقول: لا توجد أية علاقة بين القبائل العربية التي بلورت الديانة اليهودية وبين انتشار هذه الديانة واعتناقها. إمبراطورية الخزر على سبيل المثال كانت في مواجهة مع الإمبراطورية العربية الإسلامية، والإمبراطورية المسيحية البيزنطية، واعتنقت قيادتها الديانة اليهودية من أجل توفير الحماية الفكرية للنظام تجاه التحديات القادمة آنذاك. يجب الفصل المطلق بين الغزاة الذين اجتاحوا منطقتنا مثل روتشيلد والبارون مونتيفوري والبارون هيرش، واستخدموا وسخروا العديد من رجال الدين، مثلما قام بذلك المسيحيون إبان الحروب الصليبية، لإيجاد مبررات سخيفة لنظام الهيمنة الاستعماري. وإذا نظرنا في الأبحاث العربية هناك خلط، هناك تبني للفكر العنصري الصهيوني بأن هناك شعباً يهودياً.

المسألة ليست عداءً دينياً.. ولكن لا يعقل أن نخلط بأن هناك أية تناقضات بين الحركة الإسلامية وبين مواطنين يهود الديانة، ويجب فصل ذلك بشكل مطلق عن تيارات الغزو الاستعمارية التي تقنعت خلف الصليب أو خلف نجمة داوود. أنا ذكرت مصطلحاً واحداً وهناك العديد من الأبحاث التي أعددناها عن الفترة منذ 1839، حول من قام بتعبئة مستعمرين؟ لماذا؟ ومن أي بلد؟ وكيف تم جلبهم إلى فلسطين ليومنا هذا؟ وذلك من أجل أن ندرك ماهية طبيعة هذا الكيان وكيف تم تمويله ولنواجه هواية الركض خلف السراب لدى أولئك الذين لا يدركون أن هذا النظام غير قابل للحياة بسلام، فهذه قاعدة عسكرية تموّل ميزانيتها العسكرية والمدنية خارجياً من أجل القيام بدور وظيفي محدد، وعندما تقدم الإدارة الأمريكية لهذه القاعدة العسكرية تسليحاً بثلاثين مليار دولار، فمن الطبيعي أنهم حصلوا على هذه الأموال من أرباح الصفقات التي تم تخزينها عند العرب لاستخدامها في حالة حروب عدوانية لأمريكا على شعوب المنطقة.

كل أملنا أن يرتقي الفكر الوطني الإسلامي إلى مستوى تضحيات أبطال المقاومة في لبنان الذين صنعوا في العام الماضي تاريخاً.. بداية لتاريخ جديد، لمنهجية وبوصلة النصر. ولن نقبل على الإطلاق إساءة استخدام نتائج أبحاثنا من أجل التطاول على الحركة الوطنية البطلة.

● د.سعيد دودين.. المحاور واسعة ومتشعبة، وكنا نرغب أن تكون لنا مساحة أطول في الجريدة للتواصل... شكراً جزيلاً لك على أمل اللقاء قريباً.