أبعد من البؤس الأمريكي..!
سعد خطّار سعد خطّار

أبعد من البؤس الأمريكي..!

نرى اتجاهاً جديداً اليوم من خلال مراقبتنا لقمة العشرين التي عقدت مؤخراً، يتمثل بتحول واضح  للقوة من الغرب إلى الشرق. وهناك اتجاه آخر نشهده يتمثل بإذلال المديرين التنفيذيين الأكثر فساداً من المافيا السياسية في هيكل السلطة في واشنطن- طبعاً حتى يتفادى المرء القول بإذلال  «الرؤساء الأمريكيين»، إن كانوا رؤساء حقيقيين. 

الازدراء الذي حدث للرئيس باراك أوباما في مدينة هانغتشو الصينية، حدث أيضاً للرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش، في القمة ذاتها في نهاية رئاسته في عام 2008. لقد كان أيضاً غير محترم، وجرى تجاهله، وهو يستحق هذا حقاً.

سلاح الضغط الإعلامي 

يفشل مجدداً

الاتجاهات التي نلحظها بوضوح هي أن العالم يتغذى إلى حد كبير من اتجاهات نظام التنوير الأنجلو- أمريكي في هيكل السلطة القديمة، ليقيم نظاماً عالمياً جديداً. العالم يسعى لشيء جديد. حتى الدمى تعبت من دورها كدمى. لقد ملوا من دورهم، كوكلاء لواشنطن، وهم يبحثون عن تحالفات جديدة بلا تبعية.

من ناحية أخرى، فنحن نشهد أيضاً جدول أعمال «الشراكة عبر المحيط الهادئ»، أو ما بات يسمى بـ«TPP»، وهي شراكة مثيرة للجدل في الولايات المتحدة، وخاصة بين الليبراليين ومختلف دوائر «الجمهوريين»، فضلاً عن «أجنحة اليسار المستقلة» في الحزب «الديمقراطي». 

تتراجع شعبية الشراكة عبر المحيط الهادئ هنا في الولايات المتحدة، لكن ما زلنا نرى كيف يدفع الرئيس باراك أوباما بحرارة باتجاه هذه الأجندة. بطبيعة الحال، فالمخطط أكبر من ذلك بكثير، وهو رغبة الغرب بعزل خصومهم في موسكو وبكين. 

نحن نشهد سياسة أمريكية خارجية تعمل من خلال هذه الرغبة، لدق إسفين بين العديد من الدول الآسيوية مقابل الصين. لدينا كوريا الجنوبية واليابان والفلبين ولاوس وفيتنام وغيرها- هذه  الدول كلها في شرق وشمال شرق وجنوب شرق آسيا هي عرضة لهذا الضغط الإعلامي الذي يحاول أن يصور صعود الصين كتهديد مباشر لها. وبالطبع، فقد كانت المناورات العسكرية الصينية في بحر الصين الجنوبي مادة دسمة في هذا السياق. ونتيجة لذلك، فإننا نرى كيف تقوم واشنطن بعمل فعال لمواصلة زرع إسفين بين هذه الدول الآسيوية والصين.

الدمى تتحرك

 عكس التيار الأمريكي

«البطة العرجاء»- وهو الاسم الذي يطلق على آخر سنة من حكم الرئيس الأمريكي- كان يستثمرها قادة العالم سابقاً في سياق تجاوز الخطوط الحمراء التي كانت موضوعة في طريق العلاقات مع الولايات المتحدة، كأن يخرج أحد الرؤساء عن صمته إزاء إحدى الملفات العالقة بين البلدين. لكن في المرات السابقة كلها، كان هناك حدّ للراحة التي يشعر بها قادة العالم ازاء التعاطي مع الولايات المتحدة في مرحلة «البطة العرجاء»، غير أن ما نشهده هذا العام، يصل إلى مراحل تتجاوز مجرد الشعور بالراحة لذهاب رئيس أمريكي ومجيء آخر. لم يسبق أن أهين رئيس أمريكي كما أهين باراك أوباما في الصين هذا العام، كما لم يسبق لرئيس (تتبع بلاده للولايات المتحدة بهذا الشكل أو ذاك) بوصف الرئيس الأمريكي بأفظع الألفاظ.

درس باللغة الصينية

هناك من قادة العالم من يدرك أن الولايات المتحدة لم تعد كما السابق، ويرى أن الأمور في «الدولة السيدة» باتت غير قابلة للعودة إلى مرحلة الهيمنة بعد اليوم. فهل يفهم بعض المنظرين لـ«أمريكا القوة الوحيدة» هذا الدرس من دول العالم ورؤسائها؟

لا نبالغ إذا قلنا، إن طريقة استقبال أوباما تعكس الواقع الملموس أكثر من مؤتمر قمة العشرين نفسه، الذي أصبح مجرد تقليد دوري لا يغير في المعادلات الاقتصادية الدولية شيئاً، وإن مجريات المؤتمر لا تبدل في خيارات دوله المحسومة سلفاً، لا سيما وأن المواقف كلها تدور ضمن المتاهة الرأسمالية ومعالجاتها الشكلية والجزئية لقضايا الاقتصاد العالمي.

فما حدث مع سيد البيت الأبيض بنزوله من سلم الطوارئ، هو تعبير عن حالة أمريكية ليست بطارئة، بل تعبير عن انحدار هيبة الولايات المتحدة، وتأكيد جديد على تراجع دورها، وصفعة على وجه من ما زال يعيش حالة الإنكار، ورسالة بليغة ومفهومة.. وباللغة الصينية..!