إبراهيم البدراوي - مصر إبراهيم البدراوي - مصر

بيع أراضي مصر للأجانب حلقة أمريكو ــ صهيونية أخرى

في الفترة الأخيرة ارتفعت أسعار الأرض في مصر بدرجة هائلة، لا يعود ذلك فقط للمضاربات الواسعة فحسب، ولكنه يعود إلى الهجمة الشديدة للأجانب للشراء، والذي بات يشكل ظاهرة خطيرة.

مؤخرا، حكم القضاء الأمريكي بأن تدفع الحكومة المصرية 50 مليون دولاراً كتعويض لمجموعة من رجال الأعمال الإسرائيليين، والقطريين، والإيطاليين من أصل مصري. السبب هو إن الحكومة قامت بإلغاء صفقة بيع 40 ألف متر مربع من الأرض لهؤلاء في مدينة شرم الشيخ لإقامة مجموعة من الفنادق.

لدى عقد هذه الصفقة اعترض وزير السياحة آنذاك. ولكن رئيس الوزراء السابق عاطف عبيد، صمم على عقدها بحجة أن باب الاستثمار مفتوح للجميع.

كان إلغاء هذه الصفقة بسبب أن جهاز الأمن القومي اكتشف جوانبها المريبة، وأن المساحة الكبيرة من الأراضي يتم شراءها هي لحساب إسرائيل، التي تستخدم واجهات من رجال أعمال مصريين وعرب لشراء مساحات من الأراضي في سيناء. وبناء عليه صدر قرار بحظر بيع أراضي سيناء لغير المصريين.

مؤخرا تمت عملية بيع أخرى لمساحة 7000 متر مربع بميدان التحرير في القاهرة- وهو أكبر وأجمل وأشهر ميدان في مصر- بسعر 10000 جنيه للمتر المربع في حين إن سعر المتر الحقيقي يصل إلى 50 ألف جنيه. المشتري شركة فرنسية. إزاء ذلك تم وقف الصفقة، فقامت الشركة الفرنسية برفع دعوى ضد الحكومة المصرية لتعويضها، وحدثت تدخلات من جهات عليا فرنسية لمنع وقف الصفقة.

إلى جانب أسلوب استخدام واجهات مصرية وعربية وأجنبية لشراء الأراضي فإنه يجري التحايل الذي يتم عبر مصريين من مزدوجي الجنسية وبعض العرب وبعض المصريين، الذين يدخلون شركاء في مشروعات مع أجانب وبعد إقامة المشروعات تتم عملية تخارج (فض الشراكة) وحينئذ تؤول ملكية الأرض للأجانب. ومن أساليب التحايل الأخرى ما يجري عبر الخصخصة حيث يتم شراء المشروع، أي الأرض وما عليها من منشآت. في كثير من الأحيان يقوم ذلك المشتري الأجنبي بإزالة المنشآت، فيحقق هدفين: تخريب الأصول الإنتاجية من ناحية وامتلاك الأرض لاستخدامها في أي غرض يشاء من ناحية أخرى.

وبطبيعة الحال فإن الفساد المستشري بشكل سرطاني هو الذي يقف وراء كل هذه الصفقات.

ما ينبغي التأكيد والتشديد عليه والتحذير منه، وما تحمله هذه الصفقات من مخاطر في المستقبل ربما القريب، ولكي ندرك حجم الخطر وطبيعته، فإنه ينبغي استدعاء كيفية بناء الإمبراطورية الأمريكية وكذلك الكيان اليهودي في فلسطين، حيث يتشابهان في ظروف النشأة.

 لقد كان الشراء احد أسلوبي توسع الإمبراطورية الأمريكية التي بدأت مستعمرة غربية صغيرة على الساحل الشرقي لقارة أمريكا الشمالية، لكن مساحتها تضاعفت أربعين ضعفاً خلال حوالي قرن ونصف. لقد قامت بشراء لويزيانا من فرنسا وألاسكا من روسيا، وكاليفورنيا من المكسيك، وجزر فرجن من الدنمرك. في حين استخدمت القوة في انتزاع تكساس من المكسيك، وفلوريدا ثم هاولاندو بيكي وميدواي من أسبانيا وصولاً إلى هاواي في المحيط الهادي....الخ.

والأكثر فظاعة هو إبادة حوالي 40 مليون نسمة من السكان الأصليين لتصبح الولايات المتحدة الأمريكية على صورتها الحالية.

وذلك ما حدث بالنسبة لإقامة الكيان اليهودي الذي بدأ ببناء مستوطنات فقيرة وصغيرة وربما في أراض قاحلة، وسرعان ما تم توسيعها وتطويرها بعدها لجأ إلى القوة في التوسع.

لكي نبين خطر هذا الأمر، أي شراء اليهود للأرض في مصر، فإن علينا أن لا نعزل الوقائع، (حتى لو بدت صغيرة) عن السياق العام لإستراتيجية العدو.

العولمة الرأسمالية هي في التحليل الأخير استخدام أساليب الاستعماريين القديم والجديد لفرض الهيمنة الكاملة للإمبريالية على كوكبنا، بما في ذلك تقليص سكانه، والولايات المتحدة كقيادة للإمبريالية أعادت من جديد (خصوصا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي) دورة التوسع بالحديد والنار غالباً، مع استخدام كل الوسائل الأخرى حسب الظروف، ذلك أن «غريزة التوسع الجغرافي والتمدد، تشكل مكونا أساسيا في الذاكرة التاريخية الأمريكية».

وهذا ما أكده مفكر أمريكي بارز بقوله «إن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية هو تاريخ الحدود المتحركة على الدوام ودون تردد».

وهذا بالضبط وإن بصورة مصغرة هو شأن الكيان اليهودي في فلسطين الذي لم يضع حدوداً جغرافية له، وأطلق مقولة تحدد طموحه التوسعي هي «من النيل إلى الفرات»، وان كان الآن قد أدخل تطوراً كيفياً على طموحه ليصبح (الشرق الأوسط الجديد) وهو مشروع شراكة صهيوأمريكية، على قاعدة الاندماج الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية والكيان اليهودي.

وها نحن نشهد حال العراق. والغزو الأمريكي الذي يستهدف حتى دون إعلان، المسكوت عنه حتى عربياً، أي الوجود اليهودي المكثف في العراق المصحوب بعمليات شراء واسعة للأراضي هناك.

ونعود إلى أصل الموضوع، وهو خطر شراء اليهود للأراضي في مصر، وأخشى أن نصحو يوماً فنجد المستوطنات اليهودية منثورة في بلداننا وتلك هي الكارثة بعينها.

ونشير إلى أن اعتراض البعض من منطلق الفساد الذي يشوب صفقات بيع الأراضي أو بيع القطاع العام، والثمن البخس للبيع، إنما هي اعتراضات قاصرة ومضللة. فالاعتراض لا بد أن يكون على مبدأ البيع ذاته، حتى لو لم يكن مشوبا بالفساد أو الخسارة. فإن ثروة الشعب لا يجب أن تكون محلا للبيع بأي شكل من الأشكال. والأرض هي أساس الوطن، والأوطان لا تباع.

(..) لم تعرف مصر طوال تاريخها المعروف أي على مدى 70 قرناً، شكل الملكية الخاصة للأراضي. كان الوارد عليها فقط هو حقوق الانتفاع. ولم تدخل الأرض إلى السوق سوى في عهد سعيد باشا ابن محمد علي بعد هزيمة مشروعه، وترافق ذلك مع بدء اجتياح رأس المال الأجنبي والمرابين اليهود للبلاد كمقدمة لاحتلال مصر عام 1882. وتملك الأجانب والمرابون اليهود طبعا مساحات هائلة من أرض البلاد، حتى أنهى جمال عبد الناصر هذا الوضع المزري ومنع تملك الأجانب لأرض الوطن.

وها هي الموجة تعود مرة أخرى بمستوى تدمير أكبر. وهو ما يضع علينا استحقاقات كبيرة في النضال ضد الإمبريالية الصهيونية وعملائهم المحليين، الذين يعتمدون آلية للهيمنة واقتلاعنا من وطننا.

لذلك فلقد أصبحت مساندة المقاومة بكل أشكالها على مستوى الإقليم كله ليست قضية قومية فحسب أو إقليمية فحسب، ولكنها قضية وطنية مصرية في الجوهر والأساس.

إن المقاومة بكل الأشكال، وابتكار أساليب لها وتصعيدها وحشد الطاقات لها وإشاعة ثقافة المقاومة كزاد يومي هي السبيل. ومساندة المقاومة بكل تجلياتها (عسكرية وبالصمود) في فلسطين والعراق وسورية والسودان والصومال وإيران وأفغانستان. وفي العالم كله هي ضرورة حتمية، لأنها مسألة بقاء ووجود.

آخر تعديل على الخميس, 17 تشرين2/نوفمبر 2016 17:23