صحيفة بريطانية: أصابع واشنطن تقف خلف أحداث غزة.. وطوني بلير هو آخر ما يحتاجه الفلسطينيون

في عددها الصادر في 22 من الشهر الجاري نشرت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية مقالاً موسعاً تناولت فيه مستجدات الساحة الفلسطينية بقلم الصحفي جوناثان ستيل، تحت عنوان: «خوفٌ واقعي جداً من ضربة غير متوقعة ترعاها الولايات المتحدة يدفع حماس للفعل». وأكد الكاتب في مستهل مادته أن «بصمات واشنطن الضخمة الدموية موجودةٌ في كل مكان في الفوضى التي ضربت الفلسطينيين». وأن «آخر ما يحتاجه هؤلاء هو مبعوثٌ خاصٌ اسمه طوني بلير!».

وفي إجابته على سلسلة أسئلة طرحها في البداية حول (هل قامت حماس بالخطوة بنفسها، أم أنّ أحداً ما قد دفعها من ظهرها؟ وهل كان استيلاء حماس على المقرات الأمنية في غزة عفوياً، أم أنها ضربةٌ وقائية هدفها منع قيام فتح بانقلاب؟) قال ستيل «السبب الأساسي معروفٌ تماماً بطبيعة الحال: لم تكن إسرائيل، ومن ورائها الولايات المتحدة، مستعدةً لقبول انتصار حماس في الانتخابات الفلسطينية العام الماضي. وقد دعم الاتحاد الأوروبي هذين الطرفين، فقررا المقاطعة ومعاقبة الناخبين الفلسطينيين بتوقيف كافة المساعدات الاقتصادية». مضيفاً أن ذلك «حوّل غزة أكثر فأكثر إلى سجن سماؤه مفتوحة، وإلى زيادة هائلة في حالة البؤس ضمن إستراتيجيةٌ غبيةٌ وصلفة يتمثل الهدف منها في جعل الناخبين الفلسطينيين يديرون ظهورهم لحماس ولكن عادةً ما يؤدي الضغطٌ الخارجي إلى المقاومة بدل الاستسلام».

وبعد أن استشهد باقتراح حماس المنتصرة انتخابياً على فتح الانضمام لتشكيل حكومة وحدة وطنية، تم رفضها فتحاوياً، يقول ستيل: «بدا وكأنّ رفض فتح للانفتاحات المتكررة من حماس منسّقٌ أكثر فأكثر مع واشنطن، ويندرج في إستراتيجية المقاطعة» (الإسرائيلية الغربية).

ويتابع الكاتب أنه وفق المعلومات المتوافرة فقد «قررت الولايات المتحدة العام الماضي خطةً تهدف إلى تسليح وتدريب الحرس الرئاسي التابع لمحمود عباس، بهدف مواجهة حماس ومحاربتها عسكرياً. وقد اعتقلت إسرائيل عدة عشرات من المشرعين ورؤساء البلديات المنتمين لحماس في الضفة الغربية. وكان من المفترض أن تتمثّل المرحلة التالية في تكرار الأمر نفسه في قطاع غزة». ويشير إلى أن تسليح متآمرين متمردين ضد حكومات منتخبة ديمقراطياً هو أمرٌ اعتادت الولايات المتحدة القيام به منذ وقت طويل. وأنه ليس صدفةً إذا كان إليوت أبرامز، نائب مستشار الأمن القومي والضالع في فضيحة تسليح عصابات الكونترا في نيكاراغوا ضد حكومتها المنتخبة ديمقراطياً في التسعينات، هو المهندس المرجح للانقلاب على حماس.

«تؤكد وثائق متداولة في الشرق الأوسط وجود برهان على إستراتيجية «ضربة» أبرامز. وتتضمن تلك الأهداف فيما تتضمنه «إبقاء الرئيس عباس ومنظمتـ(ـه) فتح مركز ثقل للساحة الفلسطينية»، و«تجنب تضييع الوقت في محاولة التوافق مع الشروط الإيديولوجية التي تفرضها حماس»، «تخريب الوضع السياسي لحماس عبر تزويد الفلسطينيين بمساعدة اقتصادية لا تسمح لهم بسد حاجاتهم» و«تعزيز سلطة الرئيس الفلسطيني كي يتمكن من الدعوة إلى انتخابات مبكرة في خريف العام 2007، وتنفيذ تلك الدعوة».».

ويوضح ستيل إن تاريخ هذه الوثيقة يعود إلى الثاني من آذار، أي بعد أقل من شهر من اتفاق مكة الذي يتضمن قبول عباس أخيراً بتشكيل حكومة وحدة وطنية مع حماس. وقد أزعجت تلك المساومة الإسرائيليين وواشنطن، ولاسيما لأنها تركت إسماعيل هنية في السلطة. وتمت مطالبة عباس بالقفز على اتفاق مكة في جميع اللقاءات التي عقدها مذاك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أو مع وزيرة الخارجية الأمريكية رايس، وكذلك مع أبرامز.

«لكن هنالك ما هو أكثر خطورة: أشارت الوثيقة التي تحدد الأهداف الأمريكية إلى برنامج تبلغ قيمته 1.27 مليار دولار كان سيتمكن من إضافة سبع كتائب خاصة يبلغ مجموع أفرادها 4700 رجل إلى الحرس الرئاسي التابع لعباس وقوات الأمن الأخرى والبالغ عددهم 15 ألف رجل، يفترض أن يكونوا قد تلقوا تأهيلاً إضافياً وأسلحةً جديدة. تقول الوثيقة: «ستكون النتيجة المرغوبة تحول قوات الأمن الفلسطينية والحرص على أن يكون رئيس السلطة الفلسطينية قادراً على تمرير قرارات من قبيل حل الحكومة وتشكيل حكومة طوارئ».».

واستشهد ستيل بما أشار له آلاستاير كروك، المستشار الأسبق المتخصص في شؤون الشرق الأوسط لدى رئيس الدبلوماسية الأوروبية خافيير سولانا، من أن «إسرائيل أوقفت بعض صفقات الأسلحة، وذلك لتحفظها على إرسال كمية كبيرة منها إلى غزة، خشية أن تفقد فتح السيطرة عليها، وهو ما حصل بالفعل. هذا هو السبب في عدم التمكن من تطبيق الخطة إلا جزئياً»، مضيفاً أن «بريطانيا العظمى ساعدت قوات أمن عباس مقدمة لها عتاداً «غير مميت» بقيمة 350 ألف جنيه إسترليني بهدف ضمان حماية نقطة عبور كارني، بين قطاع غزة وإسرائيل».

ويوضح كروك أن حماس كانت منزعجة من تخريب تسوية مكة، ولاسيما من رفض محمد دحلان، رجل فتح القوي في غزة منذ زمن طويل وقائد قوات الأمن الوقائي، الاعتراف بسلطة وزير الداخلية المعين في حكومة الوحدة الوطنية وهو تكنوقراط مستقل عن الأحزاب والقوى السياسية: «لقد رفض دحلان التعامل معه وأنزل عناصره إلى الشوارع، متحدياً وزير الداخلية. فهمت حماس بأنه لم يعد أمامها عملياً من خيار سوى السيطرة على الأمن والإجهاز على قوات كانت في واقع الأمر السبب الرئيسي في انعدام الأمن».

وأشار ستيل إلى أنه «بعد نجاح حماس في إيقاف مشاريع الولايات المتحدة وفتح بخصوص غزة، يجهد عباس حالياً لتطبيقها في الضفة الغربية عبر تشكيل حكومة طوارئ. لكنّ هذه السياسة مرهونةٌ بالفشل، إذ إنّ الدستور ينص على عدم إمكانية استمرار حكومة من هذا النوع لأكثر من ثلاثين يوماً، ويتوجب على البرلمان تجديد ثقته بها بأغلبية ثلثي الأصوات. والحال أنّ حماس تسيطر على البرلمان. السياسة الوحيدة المعقولة بالنسبة لعباس هي بالضرورة توقيف جهوده الهادفة لتهميش حماس. ينبغي عليه العودة إلى اتفاق مكة ودعم حكومة وحدة وطنية. وحماس تؤكد حتى الآن إنها مستعدةٌ لذلك».

ويتساءل الكاتب في نهاية مقاله: «ماذا جرى لفكرة البيت الأبيض التي تتضمن إرسال طوني بلير إلى الشرق الأوسط كمبعوث خاص؟» ويجيب: «سوف يخلق ذلك «تحالفاً لفاقدي السمعة» ـ بوش وأولمرت وبلير ـ وسيكون ذلك أشبه بهجاء، إذ لا يتمتع طوني بلير بأية مصداقية لدى حماس، وكذلك لدى معظم الفلسطينيين من غير المنتمين لحماس... وأن الأفضل هو أن يتولى السعوديون مهمة إعادة إطلاق تسوية مكة، أو انتظار أن يدرك عباس بأنه قد وقع في فخ».

آخر تعديل على الأحد, 20 تشرين2/نوفمبر 2016 22:33