أحد سيناريوهات واشنطن لملء «الفراغ العراقي» التخلي عن الضربة الأولى ضد إيران لقوى إقليمية

أعلن جورج بوش من سيدني قبيل مشاركته غير المرحب بها شعبياً في قمة آبيك أن ما يهمه في العراق «هو تحقيق الهدف» لكن لا يروق له «الجداول الزمنية أو التواريخ المصطنعة للانسحاب» راداً في ذلك بشكل غير مباشر على تصريحات لقائد قوات احتلاله في بغداد الجنرال ديفيد بترواس الذي قال إنه قد يكون بصدد إعلان الانسحاب من العراق في الشهور الأولى من العام المقبل، مع العلم أيضاً بأن بوش اعتبر أن التوصيات المرتقبة من بتراوس والسفير الأمريكي في بغداد رايان كروكر «ستكون حيوية في مساعدته على صوغ استراتيجيته» بخصوص العراق، وهي الاستراتيجية التي اعتمدت حتى الآن على الإمعان في التقسيم والنهب والإجرام عبر زيادة عدد القوات وطلب المزيد من التمويل من الكونغرس.

تقارير رسمية أمريكية، تراقب عمل الحكومة، أكدت أن إدارة بوش لم تحقق سوى 11 هدفاً، لم تسمهم، من الأهداف الثمانية عشر الموضوعة للعراق، في حين أكد من كان يسمى برئيس الإدارة المدنية الأمريكية في العراق بول بريمر أن قراره سابقاً بحل الجيش العراقي كان بعلم وتنسيق مع البيت الأبيض، وهو ما حاول بوش التنصل منه مؤخراً، محاولاً تبرير كل ما نجم عن ذلك، من ضمن ممارسات أمريكية أخرى، من فوضى ودمار وقتل واستباحة وتهجير في العراق، جعلت واشنطن تستجدي مخرجاً منه.
وفي هذا السياق، وضمن مخططات أمريكية بديلة تتجاوز الحدود العراقية، وتبقى في إطار الفوضى الخلاقة، المرسومة للمنطقة، والمطبقة فيها تباعاً، جاءت اقتراحات أمريكية المصدر تتحدث عن آليات ملء الفراغ في حال انسحبت قوات الاحتلال من العراق.
وزامن ذلك تفاعلات جديدة لعزم واشنطن إزاحة المالكي، الذي أتت به، ولكن زاد ارتباطه بطهران أكثر مما تتوخاه الإدارة الأمريكية فيما يبدو، ولم يلغ تلك الاحتمالات زيارة بوش المفاجئة لبغداد ولقائه المالكي وطالباني، بل عززت تلك الزيارة ذلك، ولاسيما مع إعلان المالكي عما يسمى بخطة «العراق أولاً».
أحد السيناريوهات، المرتبط بإعلان طهران المزعج لواشنطن استعدادها لملء الفراغ في العراق، يمكن أن تسمح من خلاله واشنطن لطهران مع بقية دول الجوار (بما فيها حكماً سورية والسعودية وربما مصر) ، بالدخول إلى العراق وتحديداً إلى مراكز المدن التي ستخليها قوات الاحتلال الأمريكية البريطانية المنتقلة إلى قواعدها على مشارف تلك المدن.
وفي ظل عدم استقرار الأوضاع الأمنية في العراق ومع تأجيجها أمريكياً أكثر فأكثر، على خلفيات مفتعلة عرقياً ودينياً وطائفياً وحتى مذهبياً بما يبعد إمكانيات قيام مصالحة وطنية حقيقية، ستأمل واشنطن في أن يتحول الصراع العراقي الداخلي إلى صراع بين تلك القوات الإقليمية مهما كانت اليافطة التي دخلت تحتها، سواء الأمم المتحدة، أو المؤتمر الإسلامي، أو الجامعة العربية، لا يهم، على أن تسعى واشنطن على ضمان ارتباط ذلك بالتباينات الطائفية والمذهبية لتلك القوى، ولكن على أرض ثالثة (كما جرى في يوغسلافيا بشكل آخر). لكن وبحكم تشابه تنوع النسيج الاجتماعي في كل دول المنطقة فقد تنتقل دائرة الصراع والانتقام إلى دواخل تلك البلدان، بما يعني التمهيد لاحتمال تدخل واشنطن وقوات الاحتلال المرابطة لحلحلة الأمور وحسمها لاحقاً بصورة إنقاذية  وهو ما يعني بالتحديد تخلي واشنطن عن «حق الضربة الأولى» ضد طهران لقوى إقليمية بالوكالة، وليس لها أو لتل أبيب بالأصالة، بما يجعلها باحثة عن مخرج للصراع المستجد وليس مفجرة له بنظر الرأي العام العالمي والداخلي الرافض لضرب إيران وسورية.
لقد بشّر بوش العراقيين «بالبقاء إلى جانبهم» مشيراً إلى عدم رغبته الخروج، والسؤال هو ما الذي سيفعله إذاً؟