حاوره: جهاد أسعد محمد حاوره: جهاد أسعد محمد

الشفيع الخضر لـ«قاسيون»: السودان بحاجة إلى مشروعٍ وطني ديمقراطي لكي يتفادى مخططات التمزيق

أجرت قاسيون اتصالاً هاتفياً مع د. الشفيع الخضر عضو سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، وسألته في بعض القضايا الساخنة، في السودان وجواره بشكل خاص، وكان الحوار التالي:

• كيف تنظرون في الحزب الشيوعي السوداني إلى الاتفاق الأخير بشأن دارفور الذي وقّعته الحكومة السودانية والقاضي بنشر قوات دولية في الإقليم؟...

لا ننكر أن المطلب الرئيسي لأبناء دارفور بات يتلخص في قضية نشر تلك القوات، والحقيقة أنهم ما عادوا يثقون بالحماية التي توفرها لهم قوات الحماية الحكومية، ويتهمون هذه القوات بأنها اقترفت بحقهم جرائم إبادة، وظلوا يطالبون بهذا المطلب، ومن هذا المنطلق نحن نقدّر هذا الطلب، ونتفهمه.

لكن من ناحية أخرى من غير المعقول أن نكون راضين عن اختراق السيادة الوطنية بوجود قوات أجنبية حتى لو كانت تحت المظلة الدولية، ما تم مؤخراً مقبول لدينا ولدى كل الأطراف، ويستجيب لمطالب أهلنا في دارفور،  لكنه يثير مخاوفنا، ودائماً الحذر يظل سيد الموقف.

• الاتفاق أقر أنه ستكون هناك بعثة مشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، ما دور القوات السودانية في عملية السلام بدارفور؟!

واضح أن القوات السودانية غير مقبولة في دارفور نهائياً، لأنها كانت جزءاً أساسياً من المشكلة، حتى أنها كانت تجند الميلشيات. والمواطنون في دارفور يتعاملون مع القوات السودانية على أنها قوة معادية، وهذا هو واقع الحال، الآن ليس لديها دور بقدر ما يجب عليها احترام قرارات وقف إطلاق النار وقرارات الشرعية الدولية حول هذا الموضوع.

• هل ترون أن النظام السوداني يساهم حالياً في القلاقل التي تثار في تشاد، أم أن هذه الاضطرابات لها أسباب أخرى، ومسببون آخرون؟

أعتقد أنه من غير المنطقي تبسيط المسألة في تشاد على أنها مجرد محاولة من النظام السوداني لإبعاد الأنظار عن ممارساته.. هناك صراع في تشاد بين المعارضة والحكومة، وتشاد مضطربة منذ سنوات طويلة. النظام في السودان يبحث في هذه الأزمة عما يمكن أن يعزز موقفه، أي محاصرة الحركات الدارفورية المسلحة وقمع خطوط الإمداد عنها، وتهديد خلفية الحماية لها وهي تشاد، وهناك توتر واضح بين الحكومة السودانية والحكومة التشادية حول هذا الموضوع، لأن الحكومة التشادية أيضاً تتهم الحكومة السودانية بأنها تسلح وتدعم المعارضة التشادية، هذا التوتر موجود، ومحاولات عدة جرت في السعودية أو في ليبيا لاحتواء هذا التوتر، ولكن لم تكلل بالنجاح، وهناك حقيقة تاريخية هي أن مشكلة دارفور مرتبطة بالصراع في تشاد من حيث أن هنالك تداخلاً قبلياً، ويمكن أن نسميه تداخلاً سياسياً قبلياً، فالمهزوم في تشاد من قوات المعارضة يلجأ إلى دارفور ليجمع قواه ويعود مرة أخرى إلى تشاد، وهذه القصة متكررة منذ عشرات السنوات، ومن ناحية ما يدور هناك له علاقة مباشرة في السودان، والاتجاه الذي يوحي بدعم الحكومة السودانية للمعارضة التشادية له ما يبرره في منطقه السياسي.

• الأمريكان لديهم مشروع يسمى الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، وفي هذا الإطار هم يريدون تفتيت بنى المنطقة طائفياً وعرقياً. يريدون تمزيق الكيانات الوطنية ولا شك أن السودان فيه الكثير من التناقضات على جميع المستويات. هل تؤمنون بأنكم مستهدفون بوحدتكم؟ وما هو السبيل لمواجهة مثل هذه المشاريع؟؟

أنا متفق معك حول مرامي وأهداف مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تريد الولايات المتحدة أن تبنيه فوق جماجم الوطنيين والشرفاء في المنطقة.. التصدي لكل مشاريع التمزق في السودان تبدأ بسحب البساط من مسببات وممهدات هذه المشاريع.. لكي لا تستغل من الدوائر العالمية، ويجب إعادة صياغة الدولة السودانية بحيث تستوعب أهداف وطموحات المجموعات الإثنية والسياسية، وهو مشروع يمكن أن يتفق عليه السودانيون. مثلاً قضية جنوب السودان هي قضية سياسية اقتصادية ثقافية. غذّاها الاستعمار وظل يغذي فيها. وهذا مجهود يجب أن تقوم به القوى الوطنية في البلد. نحن نطرح «السودان الموحد» على أساس جديد وبالتراضي، ويمكن عندئذ أن نقاوم هذه الهجمة الامبريالية في المنطقة وفي بلدنا.

• برأيكم ما الدور الأمريكي الذي يمارس حالياً في دارفور أو في جنوب السودان، وفي أفريقيا عموماً؟

السياسة الأمريكية تحركها الاحتكارات التي تتحكم بالقرار الأمريكي، وواضح أن هذه السياسة في المنطقة العربية من القارة الأفريقية تدخل في تنافس بين الأقطاب الرأسمالية ما بين الولايات المتحدة والقطب الفرنسي. أيضاً الولايات المتحدة تتخوف من النمو المتزايد للصين والنمور الآسيوية في القارة. ودائماً نحن في السودان لدينا شكوك لها ما يبررها حول الدور الأمريكي في السودان، على الرغم من أن هذا الدور مغلف بغلاف آخر، ولعبت الولايات المتحدة دوراً كبيراً في اتفاقية السلام التي تمت بين الجنوب والشمال، كذلك بدعوتها لوقف الحرب في دارفور والضغط على الحكومة السودانية لوقف التصعيد العسكري.. التحليل السطحي يوحي أن الولايات المتحدة محبة للسلام ولحقوق الإنسان، ولكن الحقيقة أن الولايات المتحدة لديها مشاريع في المنطقة ونحن نتعامل بحذر شديد مع أدائها. من ناحية أخرى وهذه نقطة مهمة جداً للقارئ العربي، من الضروري عدم الاكتفاء بالتبسيط ووصم ما يدور في دارفور وفي جنوب السودان أنه مجرد مخطط امبريالي.. هذا غير صحيح.

• بهذا المعنى كيف علينا أن نفهم جوهر القضية في دارفور؟ إعلامياً يجري الحديث كثيراً عن عن بدو وحضر، وعن عرب وغير عرب، كيف علينا أن نفهم المسألة؟

الموضوع هو صراع موارد، للأسف هذه الموارد لم تستثمر بشكل جدي، بل تستنزف وتتدهور، هنالك صراع حول الموارد المتدهورة في الإقليم، ومن أهمها الأرض الغنية بباطنها وظاهرها، والأزمة أصلاً مرتبطة بتركيبة الدولة السودانية المستقلة، الأزمة موجودة منذ فجر الاستقلال، وأنت تعرف أن السودان يقف على مساحة هائلة حوالي المليون ميل مربع، وفيه نحو 300 تركيبة قبلية وديانات عديدة، وعدم الاتفاق على نظام للحكم يلبي طموحات كل الأقاليم، وعدم الاتفاق على علاقة متوازية بين المركز وأطراف السودان حول شكل الحكم المناسب، وتوزيع الثروة.. كل ذلك ساهم في تفجّر الصراع في دارفور، وأخذ منحى أن المركز تهيمن عليه الثقافة العربية الإسلامية تاريخياً والأطراف تشكو من ذلك، وامتد الموضوع ليصبح أشبه بالصراع العرقي.. في دارفور هنالك قبائل ذات أصول أفريقية، وهي قبائل ضخمة وكبيرة، وهناك قبائل ذات أصول عربية، حصل خلاف حول التقسيم العملي الاجتماعي بين هاتين المجموعتين، فالقبائل العربية رعاة والإفريقية زرّّاع، وحصلت احتكاكات… وهي مستمرة منذ أكثر من 30 ـ 40 سنة، ولكنها كانت تحل عبر الصلح المحلي بين قادة القبائل المختلفة. النظام الحالي زاد من تفاقم هذه الأزمة عندما حاول أن يفرض تصوره الخاص حول الدولة العربية الإسلامية في السودان، ولعب دوراً في تسليح الميلشيات ذات الأصول العربية واستخدامها كدروع بشرية مقاتلة، ففاقم الأزمة وأجج الطابع العرقي في الصراع حول الموارد وشكل الحكم والتنمية غير المتوازنة والهوية. إذاً الصراع ليس إثنياً عرقياً بالمعنى الكلاسيكي للكلمة.

• تاريخياً للفرنسيين دور ما يقومون به في السودان، هل تراجع هذا الدور حالياً، وما رأيكم بإمكانية دور عربي في دارفور؟

الدور الفرنسي تراجع في السودان، نتيجة صراعات الاحتكارات الدولية.. الآن من ناحية التوزيع الاقتصادي بالنسبة للدول الامبريالية، يمكن القول إن حصة الأسد عند الولايات المتحدة وحلفائها. أعتقد أن القضية المتفجرة الآن في تشاد ستجعل فرنسا لاعباً شئنا أم أبينا، وبالتالي ستطل مرة أخرى من بوابات أخرى، إضافة إلى دور الاحتكارات البترولية الفرنسية المشهورة والتي كان لها نصيب وافر، هذه الاحتكارات لديها برامج وتشريعات مع قوى سياسية مختلفة. وبالنسبة للدور العربي.. هذه قضية رئيسية، ولا بد من الإشارة إلى أن الدور العربي بالنسبة للشعب السوداني يُنظر إليه نظرة مخيبة، لأن الدور العربي هو دور رسمي بروتوكولي لا ينظر إلى القضية بعمق، وإنما يحاول أن يردد فقط الجمل الرسمية أن تقولها وزارة الخارجية السودانية وهذا شيء مؤسف، الدور العربي لا يتوسع ليتسع لما تقوله القوى السياسية الأخرى التي ليست في الحكم، في دارفور أو شرق السودان أو منظمات وقوى المجتمع، وهذا ما جعل المواطن السوداني لا يثق كثيراً بالدور العربي الرسمي. الدور العربي الجديد يجب أن يقوم في المقام الأول بتنشيط مبادرة شعبية عربية، على المستوى السياسي والمنظمات غير الحكومية بحيث تتعامل مع القضية ليست من منظور أن هنالك مؤامرة وهي ضد النظام الحاكم.. أو أن النظام الحاكم هو النظام العربي الأصيل وما عداه هو مجرد مجموعات خارجة عن القانون. تغيير هذه النظرة تقع على عاتق الحركة السياسية الشريفة الموجودة في البلدان العربية.. سنوات طويلة طلبنا من العرب الرسميين أن يساهموا في التنمية في الجنوب مثلاً كي يرى الجنوبيون أن هؤلاء عرب يقيمون مدارس في الجنوب.. ومصانع في الجنوب. لكن كانت أصواتنا لاتلقى أية استجابة.

• أمام هذه الخارطة المعقدة، ما موقف الحزب الشيوعي السوداني من كل ما يجري على الساحة السودانية، وحولها؟

الحزب ظل يتحدث على أننا صحيح نلنا استقلالنا عام 1956، ولكن المشروع الوطني لبناء الدولة السودانية الحديثة المستقلة لم ينجز بعد، ودون إنجازه في أولوياته وصياغاته الأولى ستبقى المشاكل.. ونحن نتحدث على أنه لا بد من الإجابة على أسئلة رئيسية متعلقة بهذا المشروع. أولاً: شكل الحكم، وثانياً مشروع تنموي متفق عليه، ثالثاً قضية الهوية، لابد أن نناقش كل ذلك في إطار التعايش والتسامح.. نلنا استقلالنا عام 56 وحتى هذه اللحظة لا يوجد دستور دائم في البلد. كلما تأتي مجموعة إلى الحكم تضع دستوراً تقول إنه دائم ويسحب الدستور مع رحيل هذه المجموعة.. نحن نطرح مشروعاً وطنياً ديمقراطياً، ويمكن أن يستوعب كل المجموعات السودانية الإثنية والسياسية والقبلية، ولابد أن يتوافق عليه السودانيون في إطار برنامج للإجماع الوطني.. خاصة أنا توصلنا إليه مع قوى كبيرة، قوى علمانية ودينية وقوى تحمل السلاح في إطار التجمع الديمقراطي في الـ95.

 • الشعب السوداني يعاني من صعوبات اقتصادية جمة سواء في الأماكن المتفجرة، أو في سواها.. كيف تقيمون الوضع الاقتصادي في السودان؟

من يزور السودان يصاب بالدهشة، إذ سيجد مظاهر ثراء غريبة: عمارات شاهقة، ومظاهر بذخ كبيرة. وستجد أيضاً أن هنالك جوعاً وفقراً خاصة في المناطق الريفية خارج خط المدن، إن هناك تراكماً وتمركزاً للثروة، ولكن في الوقت نفسه لا يوجد تعامل مع هذه الثروة بشكل يتيح أن يكون توزيعها عادلاً للمواطن العادي والبسيط والمنتج للثروة.. تنتج الثروة هنا وتوزع بعيداً عن منتجي الثروة الحقيقيين..