محمود عبد الكريم محمود عبد الكريم

«مؤتمر.. 14 شباط»

* ..مرة أخرى يعود (أعضاء) حركة 14 شباط في لبنان إلى إقناعنا بأنه: لا فائدة.. فقد قرروا في مؤتمرهم (14 آذار 2008) أن المقاومة اللبنانية: ليست مقاومة.. لأنها مرتهنة.. وقرارها في دمشق وطهران وهي تدافع عن نظامين معاديين.. وهي تقدم الإعانات لمنكوبي لبنان جرّاء الهمجية الصهيونية..

هذا في بيروت.. يصرخ بطل الاستقلال الفذ فارس سعيد: هذه ليست مقاومة.

* ..أما في واشنطن، فالديمقراطي المخملي الذي استقبل في البيت الأبيض والكونغرس والخارجية الأمريكية.. فكان يشيد بسياسة البوارج الأمريكية ويدعوها علناً (لتأديب) أخصامه: في شرق المتوسط.. وبالصدفة كان هؤلاء الأخصام هم أخصام إسرائيل الألداء: حماس- حزب الله- سورية- إيران.. وبالطبع سيكون (الحكيم) أي سمير جعجع سعيداً لو أن تلك الأساطيل لا تبقي على أحد.. كي يتوّج ملكاً على الخراب...

* ..في بيروت وواشنطن صراخ واحد مؤداه: اذبحوا المقاومة.. ولم ينسَ الطرفان (في بيروت وواشنطن) إملاء الشروط على دمشق كي تنعم بإمكانية الحديث معها أو مجرد الالتفات إليها.. باعتبارهم قوة عظمى (ونيّال من له مرقد عنزة في صيرتهم).

*..نباح يتلوه نباح.. حتى خجلت الكلاب.. ولنبدأ: من السيد سعد الحريري الفتى الملياردير الذي ما أن بدأت ملايين والده المرحوم ترد إلى لبنان منذ أواخر السبعينات حتى سالت الدماء أنهاراً.. وارتفع التوحش المذهبي إلى حدٍ لم يعرفه لبنان في أكثر لحظاته ظلاماً.. وفي كل مرة يطل بطلعته البهية.. يهدد بالويل والثبور مطلقاً قطعانه للاعتداء على من يفترض أنهم مواطنوه.. في وقت اتهمه شقيقه (بهاء) بأنه يريد إحراق لبنان إرضاءً لإسرائيل...

*..وليد بيك جنبلاط.. (الزعيم التقدمي الاشتراكي) الذي منذ تسلمه المهام بعد استشهاد الكبير (كمال جنبلاط) سلّ حربته وانهمك في عملية ذبح طالت كل من خالفه فكانت الحصيلة عشرات آلاف القتلى على الأقل ومئات آلاف البيوت المهدمة ومئات آلاف المهجرين الممنوعين من العودة لقراهم حتى هذه اللحظة رغم أن بعضهم حلفاؤه في (عيد الفلانتين أي 14 شباط)...

وبسرعة البرق.. تحول من نصير (كاذب للمقاومة) إلى عدو لدود لها، فرماها بأقذع الصفات وأكثرها لؤماً وتآمر عليها في السر والعلن مع تل أبيب وواشنطن والرياض وقصر القبة في القاهرة وقصر غمدان في عمان وكل من طلب منه ذلك، ودعا لاحتلال سورية وسحق إيران.. وتفوه بنذالة غير مسبوقة.. واصفاً الهجوم الشجاع على قطعان المدرسة التلمودية (بالاعتداء) في انتهاك غير مسبوق لقدس الأقداس الفلسطينية (أي مقاومة الاحتلال) بينما صمت مثل كلب أصيب بالشاهوق أمام ذبح مائة وثلاثين طفلاً وامرأة وشيخاً في غزة قبل سبعة أيام فقط من تاريخه (هذا البيك ليس إهانة للبنان فقط.. ليس إهانة للعرب فقط.. بل هو إلى جانب ذلك بصقة موصوفة في وجه مستقبليه من الملوك والرؤساء السعداء بالسعار المهووس الذي يثيره في إطلالاته الممجوجة)- مذهبياً وأخلاقياً وسياسياً.

*... ولعل أجمل ما في الصف الأول جلوساً (مروان حمادة) الموصوف- أو بالأحرى الممسوك باليد متخابراً مع العدو أثناء عدوان تموز ليدلهم على السيد حسن نصر الله فكانت النتيجة (تدمير الضاحية.. وهو لكي لا تقرفوا الموصوف باسم: الشهيد الحي.. أية إهانة أن يشترك بذات التسمية مع شهداء الجنوب وفلسطين؟.. هذه مجزرة وليست إهانة فحسب).

*..وفي الصف ذاته يجلس إلياس عطا الله الذي انتقل من التنظير للاشتراكية العلمية الماركسية اللينينية.. إلى التنظير للديمقراطية الأمريكية بنسختها البوشية.. وليته بشرنا بديمقراطية (سويدية مثلاً أو حتى إسبانية أو سويسرية.. لكنا فهمنا عليه هذا الانتقال.. أما أن ينتقل من «هوشي منه» ودفعة واحدة إلى قنبلة هيروشيما فهذه من علامات القيامة).

*..وبالقرب كان يجلس جورج عدوان وأمين الجميل بطل السبت الأسود.. وليس بعيداً عنهم أنطوان زهرا زعيم حاجز البربارة الذي قضى عنده آلاف اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين في جريمة مرئية لكل أعضاء المؤتمر وبعضهم كان أبناؤهم من الضحايا ومع هذا صار في الأحضان والقبلات.. و... فهمكم كاف.

*..مشهد لا مثيل له ولا سابقة له.. رفع السقوف إلى درجة غير معهودة يمكن تلخيصها بما يلي:

1 ـ إعلان المؤتمرين أنهم رأس حربة الهجوم الأمريكي الصهيوني على المشرق العربي وبحماس منقطع النظير..

2 ـ الاستعداد لتفجير لبنان بحرب مذهبية (تحرق الأخضر واليابس) كما تفوه وليد بك.. وطبقها نصاً وروحاً.

3 ـ التسعير الفاحش على المقاومة اللبنانية والتجييش المذهبي ضدها.. والاستعانة عليها علناً (بجيش الدفاع الإسرائيلي وحليفه الأمريكي حتى لو تحول لبنان إلى مقبرة).

4 ـ إعلان العداء لسورية دولة وشعباً.. ودفع أمريكا لتطبيق الحالة العراقية عليها..

..كل هذا.. باحتضان عرب الاعتدال.. في القاهرة وعمان والرياض... دون أن ينسى المؤتمرون بند: تجديد العروبة الحضارية؟؟؟

ونسألهم:

ـ هل تقبل حليفتهم أمريكا أن تحتلها كندا... دون أن يرف لها جفن..؟ وإذا ما قاومت.. فهي إرهابية ومعادية للديمقراطية.. وماذا لو كانت الأساطيل الأمريكية التي يصفقون لها قبالة جدة مهددة الرياض مثلاً..؟

* ... في نهاية هذا العرض.. وبأعمال بعض الفكر تأتي الأسئلة:

(كيف يمكن لقتلة ومرتكبي عمليات قتل بدم بادر كان ضحيتها مئات الآلاف.. ومهجري شعبهم وهادمي بيوتهم أن يكونوا رسلاً للديمقراطية والسلام والوحدة..؟)

يبدو الأمر غريباً وعصياً على الفهم.. لكنه في الواقع مفهوم بشيء من التبصر:

«إن ما حاق بهذه الأمة من فظائع الخارج الأوروبي الأمريكي الصهيوني منذ أكثر من قرن.. بلغ من التوحش حداً لا مثيل له في التاريخ.. ووصل في العقد الأخير إلى لحظة انفجار هائلة تمثلت بالاجتياح المجرم للعراق وذبح شعبه ونهب ثرواته كلها.. وكان عرب الاعتدال ذاتهم القاعدة لهذا الذبح.. ووصلت الحالة إلى أحد أمرين لا ثالث لهما: إما رفض المشروع الأمريكي الصهيوني (أي الذبح الجماعي لسكان المنطقة) ومقاومته مهما كان الثمن، أو الانصياع لهذا المشروع والالتحاق به بكل توحشه وهمجيته وفظاعته.. فاختار هؤلاء السادة الصغار طريق (كبارهم) من عرب الاعتدال بالسير خلف أسطول (هيروشيما) إلى النهاية.. ولكن الالتحاق بالمشروع الأمريكي هذا لا يكفي معه الموافقة.. (فجورج بوش يخاطب الله سبحانه في عليائه) وهو لا يقبل بحلفاء خجولين أو مترددين.. بل يريدهم عقائديين في تأييده..

وهكذا.. خلعوا.. عباءاتهم وسراويلهم وألبستهم الداخلية كلها.. وراحوا يرقصون أمام التاريخ (وتيار المستقبل) عراة.. من كل شيء.. بصقوا في وجه تاريخهم الشخصي.. في وجه شعوبهم.. في وجه الحقيقة والوثيقة والحق والعدالة والحرية والسيادة والاستقلال..  ورفعوا شعار الديمقراطية.

*..الغريب.. أن حلفاء أمريكا لا يجدون إلا هذه الكلمة (الديمقراطية) حتى تحولت على أيديهم إلى (ماخور).. يؤمه من يرغب بانتهاكها..

* ..يريدون: السيادة والاستقلال والحرية..

ولا يرون سبيلاً للوصول إليها.. إلا بذبح المقاومة.. وتفجير الحرب الأهلية.. التي قد تجهز على ما تبقى من شعب لبنان.. إضافة إلى تقسيم إلى ما لا يقل عن خمس دويلات.. يهددون شعوب المنطقة بالويل والثبور والاجتياحات والذبح.. ولا يجدون كلمة طيبة واحدة يقولونها لجيرانهم وأبناء جلدتهم.. عن الجيرة والعدالة وحق العودة وحق الصراخ من سكاكين حلفائهم.. ويدعون إلى الوحدة المجتمعية وليسوا مستعدين لمشاركة 70 % من الشعب اللبناني بثلث الحكومة التي اغتصبوها.. والدولة التي داسوا على كل قيمها واعتباراتها ومفاهيمها... ومع هذا فهم (الديمقراطيون)... وثمة من كان يطبل لهم ويزمر  ويصفق.. ويهدد..  والويل ثم الويل لمن يناقشهم بكلمة أو مفهوم أو حرف، فيشعلون في وجهه الحرب المذهبية والأهلية ويستدعون الأساطيل الأمريكية والأطلسية والجيوش الصهيونية والأموال السعودية وكل أنواع المخابرات لاغتيال المخالف: فرداً كان أم شعباً.. فقد فعلوها مراراً وهم جاهزون لتكرارها عند أول إشارة..

* أحياناً يخطر على بالي هذا التساؤل:

«..إلى متى يصمت الوطنيون اللبنانيون على هذه الجريمة المفتوحة والموصوفة بأشخاصها وخونتها ولصوصها وقتلتها.. تحت هذا البند المضحك: المشاركة...؟؟؟

عن أية مشاركة.. ومع من.. ولماذا؟؟

.. هل هذا تكتيك..؟؟ إن كان كذلك فهو غير مفهوم».