حرب بوش العالمية الثالثة

ميشيل شوسودوفسكي

23 تشرين الأول 2007

ترجمة قاسيون

■  «في إيران زعيم أعلن أنه يرغب في تدمير إسرائيل. قلت حينذاك للناس إنه لتجنب حدوث الحرب العالمية الثالثة، ينبغي أيضاً بذل الجهود لمنعه من الحصول على المعارف اللازمة لتصنيع الأسلحة النووية. أعتبر أنّ إيران المزودة بالسلاح النووي ستكون تهديداً خطيراً...» (جورج دبليو بوش، 17 تشرين الأول 2007)

تكشيرة وضحكة، «هذا هو تعبيره حين تفوه بكلمات (الحرب العالمية الثالثة)» (هوفنغتون بوست، 17 تشرين الأول 2007)..

■  «أعتقد أنّ (انزعاج ركاب الرحلة 93 المختطفة في 11 أيلول 2001) كان أول هجوم مضاد للحرب العالمية الثالثة». (جورج دبليو بوش، 6 أيار 2006)..

■  «إنّ فكرة تحضير الولايات المتحدة لنفسها للهجوم على إيران هي فكرة سخيفة... وبعد قول ذلك، فالخيارات مطروحة كافة». (جورج دبليو بوش، شباط 2005)!!

 نحن لا نعيش في عالمٍ صحيٍ وعقلاني تستند فيه القرارات الهامة جداً التي يتخذها رئيس الولايات المتحدة على فهمٍ لعواقبها المحتملة.. لم تعد حربٌ عالمية ثالثة سيناريو افتراضياً.

أثناء الحرب الباردة، جرى تطوير مفهوم «التدمير المتبادل المؤكد» (MAD باللغة الإنكليزية). وقد ساهم تصور العواقب المدمرة لحربٍ نووية مساهمةً كبيرة في تجنب اندلاع الحرب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.

اليوم، في فترة ما بعد الحرب الباردة، لم يعد هذا المعنى للتمييز قائماً. وقد أعيد شبح الإبادة النووية الذي يسكن العالم منذ نصف قرن إلى وضع «ضرر جانبي».

في عهد المحافظين الجدد، تستند السياسة الخارجية للولايات المتحدة إلى برنامج جهنمي وإجرامي. «الحرب على الإرهاب» أكذوبة؛ وإيران لا تشكّل تهديداً للأمن العالمي ـ مثلما أكّد تقرير صدر مؤخراً عن الوكالة الدولية للطاقة النووية ـ ولا تهديداً لإسرائيل.

 رئيس الولايات المتحدة كاذبٌ يصدّق أكاذيبه.

على الرغم من أنّ الأسلحة النووية غير الموجودة في إيران تعتبر تهديداً مميتاً، فالأسلحة النووية التكتيكية «المصنوعة في الولايات المتحدة» موصوفة في وثائق البنتاغون بأنها «غير ضارة للسكان المدنيين المحيطين بها».

وما يثير السخرية هو أنّ أولئك الذين يقررون استخدام الأسلحة النووية يصدقون دعايتهم، فيقدّمون هجوماً نووياً وقائياً على إيران بأنه التزامٌ إنساني حقيقي يساهم في الأمن العالمي.

والآن، يلمّح رئيس الولايات المتحدة، وهو شخصٌ فهمه محدود للسياسة الجغرافية وأقل من ذلك للجغرافية، إلى أننا ربما نضطر مرغمين لدخول سيناريو حرب عالمية ثالثة في حال لم تتخلّ إيران عن برنامجها للأسلحة النووية، غير الموجود أصلاً. لقد لمّح بوش إلى أنّه بوصفه قائداً عاماً، ربما يقرر إطلاق حربٍ على إيران، يمكن أن توصلنا إلى الحرب العالمية الثالثة.

 «الدكتور (فولامور) يظهر مجدداً»..

في منطقٍ أعوجٍ تماماً، يقدم رئيس الولايات المتحدة الحرب العالمية الثالثة بوصفها وسيلةً لمنع أضرار جانبية، وهو يزعم أنّ إيران هي التي ستطلق الحرب، بعد أن رفضت الالتزام بـ«مطالب المجتمع الدولي المعقولة». الحقيقة مزيفة لابل مقلوبة. إيران متهمة بالرغبة في إطلاق الحرب العالمية الثالثة.

 تعتيم وسائل الإعلام

تتوجه أنظار الرأي العام العالمي إلى كارثة ارتفاع حرارة الأرض. في المقابل، لا تمثل الحرب العالمية الثالثة ضمن العناوين الرئيسية للصحف. نحن نتحدث عن خسارة عشرات الآلاف من البشر لحياتهم: عواقب التخطيط العسكري الأمريكي، الذي ينوي استخدام الأسلحة النووية بصورة وقائية وملموسة جداً، مهدداً بذلك مستقبل البشرية.

في الوقت الراهن، الولايات المتحدة وقوات التحالف التي تتضمن حلف الناتو وإسرائيل في وضع التحضير المتقدم لشن هجوم على إيران. ويدرك زعماء التحالف إدراكاً كاملاً أنّ مثل هذا الفعل سيؤدي إلى سيناريو حرب عالمية ثالثة. وقد حضّر البنتاغون لسيناريوهات تصعيد عسكري وحللها منذ الآن. بل إنّ التدريبات العسكرية التي ترعاها الولايات المتحدة قد أخذت بالحسبان إمكانية تدخل روسيا والصين.

إنّ فكرة الحرب العالمية الثالثة تدور في رأس المهندسين المحافظين الجدد لسياسة الولايات المتحدة الخارجية منذ بداية عهد بوش. وهي محتواة في وثيقة نشرها في أيلول 2000 «مشروع القرن الأمريكي الجديد».

تتضمن الأهداف المعلنة لهذا المشروع «حرباً طويلة الأمد»، حرباً عالميةً دون حدود:

- «الدفاع» عن الوطن الأمريكي..

- القتال بصورة متزامنة على مسارح الحرب الكبرى وتحقيق انتصارات عديدة حاسمة.

- لعب دور الشرطي لخلق بيئة أمنية في المناطق الحرجة.

- تحويل القوات المسلحة الأمريكية لاستثمار «ثورة الأعمال العسكرية».

وقد قاد نائب وزير الدفاع الأسبق «بول فولفويتز» ووزير الدفاع الأسبق «دونالد رامسفيلد» ونائب الرئيس «ديك تشيني» خطة القرن الأمريكي الجديد قبل الانتخابات الرئاسية للعام 2000. وترسم هذه الخطة خريطة طريق للانتصار.

يدعم العقيدة النووية الوقائية المتضمنة في «مراجعة الموقف النووي» الحزب الجمهوري ومراكز الأبحاث المحافظة في واشنطن.

جورج دبليو بوش أداة في أيدي المصالح الاقتصادية القوية. وينال سيناريو الحرب الوقائية على إيران دعماً كبيراً من الكونغرس في الولايات المتحدة. كما يدعمه شركاء الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون. وقد عبّر القادة الجمهوريون عن دعمهم لسيناريو حربٍ عالميةٍ ثالثة وقائية. ففي مقابلةٍ أجريت في العام 2006، في ذروة القصف الإسرائيلي على لبنان (16 تموز 2006)، اعترف الرئيس السابق للبرلمان نويت جينغريتش بسذاجةٍ قائلاً:

«نحن في المراحل الأولى لما قد أصفه بأنه الحرب العالمية الثالثة. وبصراحة، فإنّ رد فعل إدارتنا ليس سريعاً بما يكفي وموقفنا ليس هو الموقف الصحيح. إنها السنة الثامنة والخمسون للحرب الهادفة لتدمير إسرائيل، وبصراحة، للإسرائيليين كل الحق في التصميم على إزالة الصواريخ الموجودة جنوبي لبنان. يجب على الولايات المتحدة مساعدة الحكومة اللبنانية كي تتمكن من تصفية حزب الله بوصفه قوةً عسكرية جنوبي لبنان ـ لكن ليس كقوةٍ سياسية في البرلمان».

تبنت إدارة بوش سياسة ضربةٍ نوويةٍ أولى «وقائية» حظيت الآن بتأييد الكونغرس. لم تعد الأسلحة النووية سلاح الملجأ الأخير كما كانت عليه الحال أثناء الحرب الباردة.

في تقرير سري للبنتاغون (مراجعة الموقف النووي) جرى تقديمه لمجلس الشيوخ في مطلع العام 2002، وضعت إدارة بوش خططاً من أجل «هجومٍ أول» باستخدام أسلحة نووية، ليس ضد «محور الشر»: (العراق وإيران وليبيا وسورية وكوريا الشمالية) وحسب، بل كذلك ضد روسيا والصين.

■■

* ميشيل شوسودوفسكي: مؤلف كتاب عولمة الفقر الذي سجل أكبر المبيعات على المستوى الدولي، ونشر بإحدى عشرة لغة. وهو أستاذ الاقتصاد في جامعة أوتاوا، كندا، ومدير مركز أبحاث العولمة. كما يشارك في الموسوعة البريطانية. آخر كتبه بعنوان: حرب أمريكا على الإرهاب، 2005. وهو مؤلف كتاب: الحرب والعولمة، الحقيقة وراء 11 أيلول.