ما الذي قدمه «حزب العمال» للبرازيل؟

قام الرئيس البرازيلي الأسبق، فرناندو كاردوسو، بانتهاج سياسة عرفت باسم «محاولات كاردوسو» أو «خطة الريال» التي قامت على مبدأ دمج الاقتصاد المحلي مع الاقتصاد العالمي، والتي سببت أزمة اقتصادية حادة ضربت البرازيل عام 2002.

إعداد: آلان كرد

اتجهت محاولات كاردوسو «الإصلاحية» منحى تبني سياسات السوق الحر والاستدانة الخارجية، حيث ارتفع الدين الخارجي من 150 إلى 250 مليار دولار خلال فترة رئاسته. كما اتجهت سياسات كاردوسو أيضاً نحو طرح سندات الدين الداخلي بفوائد مرتفعة، مما شجع المستثمرين على التخلي عن الاستثمار المنتج، لمصلحة شراء السندات الحكومية حتى ارتفع الدين الداخلي بنسبة 900%، وهكذا «انحرفت» محاولاته نحو مسارها الطبيعي، أي إلى مزيد من الأعباء على الأجيال القادمة، ولم تحقق تقدماً في الإنتاج، بل تقدماً فقط في قطاع المال وزيادة في الديون وتعقيد أكبر للأزمة، وبالطبع استمرار الأوضاع الاقتصادية المتردية للطبقة الفقيرة، وانخفاض قيمة الريال البرازيلي أمام الدولار الأمريكي وحدوث نقص حاد في الكهرباء سبب أضراراً للزراعة والصناعة.

سابع اقتصاد عالمي

على إثر هذه الأزمة، صعد اليسار البرازيلي ببرنامج سياسي من أجل الخروج من الأزمة، حيث تم انتخاب لولا دا سيلفا رئيساً للبرازيل عام 2002، بعد حصوله على 60% من الأصوات، وأعيد انتخابه عام 2006 حتى 2011، حيث انتخبت ديلما روسيف رئيسة للبرازيل استمراراً للتيار اليساري ذاته المتمثل بحزب «العمال البرازيلي» الذي كان محتوى برنامجه رفع مستوى الاقتصاد الإنتاجي في البلاد.

الناتج المحلي الإجمالي للبلاد تعدى 1 ترليون دولار أمريكي «أو 1.8 تريليون دولار حسب القوة الشرائية»، ليضع البرازيل في مرتبة تاسع أكبر اقتصاد في العالم، وفي المرتبة الأولى في أمريكا اللاتينية مع متوسط ناتج محلي للفرد بلغ أكثر من 6000 دولار في عام 2007.

في عام 2007، تجاوز حجم الإنتاج القومي التوقعات، ليجعل البرازيل تقف إلى جانب العمالقة الاقتصاديين الجدد، روسيا الهند والصين، ولتصبح البرازيل سابع اقتصاد عالمي في العام 2015. وبعد أن كان صندوق النقد الدولي يعطي القروض للبرازيل حتى عام 2002، أصبح مديناً للبرازيل بـ 14 مليار دولار عام 2011.

تم توفير تسهيلات ائتمانية، حيث خُفضت ضرائب الفائدة من 13.25% إلى 8.75 % وهو ما سهل الإقراض بالنسبة للمنتجين الصغار، ومن ثم أدى ذلك إلى تسهيل إقامة المشروعات الصغيرة، وتوفير فرص عمل، ورفع مستوى الطاقة الإنتاجية والنمو، وهو ما ساهم بشكل عام في حل مشكلة الفقر جزئياً. بينما تشير الأرقام إلى أن نصف سكان البلاد زاد دخلهم خلال العقد الأخير بنسبة 68%.

جرى توسع في الزراعة واستخراج النفط والمعادن، والواقع أن البرازيل تمتلك قدرات طبيعية ضخمة من أراضي زراعية شاسعة وأنهار وأمطار بوفرة كبيرة، ومناخ جعل منها منتجة لمحاصيل زراعية متميزة عليها طلب عالمي، وغير متوفرة في بلاد أخرى مثل البن وأنواع من الفواكه، وكذلك أيضاً ثروات معدنية ونفطية هائلة.

وقد اعتمدت البرازيل على تصدير هذه المنتجات الخام في السنوات الأولى في حكم لولا دا سيلفا، وقبل الأزمة العالمية في 2008، واستفادت من ارتفاع أسعار المواد الخام في الأسواق العالمية، وهو الأمر الذي أدى بالتالي إلى سد العجز في ميزان المدفوعات الذي كان يعاني منه الاقتصاد البرازيلي قبيل عام 2003.

برنامج الإعانات الاجتماعية

هذه المعطيات والأرقام تحققت ضمن خطة الإصلاح الاقتصادي ذات التوجه اليساري التي تبناها «لولا دا سيلفا»، مضيفاً إليها شق يتعلق بالإعانات الاجتماعية ورفع مستويات الدخل. 

وقد كان في قلب هذا الجانب سياسة الإعانة البرازيلية المعروفة بـ«بولسا فاميليا»، وقد كان إجمالي الإنفاق على البرنامج يصل إلى 0.5% من إجمالي الناتج المحلي، بتكلفة تقدر بين 6 و9 مليار دولار. ويقوم البرنامج على أساس إعطاء معونات مالية للأسر الفقيرة بقصد رفع مستواها وتحسين معيشتها.

وقد كانت إنجازات هذا البرنامج باهرة خلال العقد الماضي، فقد وصل عدد المستفيدين إلى نحو 11 مليون أسرة، وهو ما يعني 64 مليون شخص بما يعادل حوالي 33% من الشعب البرازيلي.

وإذا كانت برامج «لولا» لم تقض على الفقر تماماً، إلا أنها قد حركت ملايين الأسر من منطقة الفقر إلى منطقة «الطبقة الوسطى الجديدة»، حيث تقول مؤسسة سيتيليم المتخصصة في أبحاث المستهلكين أنه قد صعد أكثر من 23 مليون شخص يتراوح دخلهم من 457 إلى 753 دولاراً شهرياً. 

كما أن دخل أفقر 10% من السكان كان يزداد سنوياً بنسبة 9% عن طريق عمليات رفع الحد الأدنى للأجور، في حين كان دخل الطبقات الغنية يزداد بنسبة 2-4% سنوياً، وهذا يعنى تقليل الفجوة بين الطبقات بصورة جزئية.