إبراهيم البدراوي إبراهيم البدراوي

لننتقل من الدفاع إلى الهجوم

تأسس مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بمؤسسة الأهرام بعد عدوان 1967 بناء على أمر من الرئيس جمال عبد الناصر، وكان الهدف الرئيسي من تأسيسه؛ إجراء دراسات عن العدو الصهيوني الذي ثبت أننا كنا نجهل عنه الكثير، وتوالى على إدارة المركز العديد من أعلام الثقافة والفكر في مصر، إلى أن تولى إدارته «عبد المنعم سعيد» منذ أكثر من عقد في غمرة التحولات الفكرية صوب الليبرالية الجديدة وبالتوازي مع التحولات التي قامت بها السلطة باتجاه اليمين.

وبالرغم من وجود كثير من الباحثين الوطنيين التقدميين الذين تعلو قاماتهم الفكرية والثقافية على قامة هذا المدير، إلا أن عصر الهوان الذي نعيشه قد أملى تعيينه.
كتب المذكور مقالاً في جريدة الأهرام 12/11/2007 عن «الأمن القومي المصري»، وكان مدخله مضحكاً ـ مبكياً في آن، إذ يهاجم برنامجاً تليفزيونياً مصرياً لأن مقدمه قام بتعنيف (مغنٍ) مصري قام بدوره بالغناء في حفل أقيم بالمعبد اليهودي بمناسبة تجديده بحضور السفير الإسرائيلي، مستنكراً في نفس المقال الهجوم الذي تعرض له مخرج مصري عرض فيلماً في إسرائيل، ومدافعاً عن التطبيع مع العدو بلا حياء. ولم يخجل هذا الشخص من الدفاع عن العار الذي يسببه الاحتفال على أرض القاهرة بتجديد المعبد اليهودي وبحضور سفير العدو، في حين أن الآلاف من منازل العرب في فلسطين ولبنان يتم تدميرها فوق رؤوس ساكنيها بمدافع وقنابل هذا العدو، ومئات الآلاف من البيوت والمؤسسات والمصانع والمساجد تهدمت وتتهدم على رؤوس العراقيين والأفغان بيد العدو الصهيو-أميركي نفسه.

الطامة الكبرى

الطامة الكبرى، أن هذا الشخص جعل من هجومه على مقاومة التطبيع مجرد مدخل لموضوع أكبر، هو تزييف صريح لمعنى الوطنية والانتماء تحت حجة زائفة هي الحرص على الأمن القومي المصري، وأنه يحتمي بما صدر عن مؤتمر الجماعة الحاكمة (الحزب الوطني) في مؤتمرها الأخير، حول ربط السلام بالتنمية وضرورة الاستقرار... الخ،  فيقول: «إن المصلحة الوطنية المصرية هي الجوهر والفيصل، وإزاءها فإنَّ التطبيع لا يزيد عن كونه وسيلة من وسائل تحقيقها، وفي تطبيقه تشجيع على تعظيم المصالح، وحجبه أو تبريده أو تجميده يحمل درجات متنوعة من العقاب»، ويستطرد في موقع آخر «... ما يقرب من ثمانين مليوناً من المصريين يتحرقون شوقاً لكي يخرجوا من الفقر والحاجة، بانتظار المعونات الدولية... الكل يعلم أنه لا تنمية بدون سلام واستقرار إقليمي، ولا تنمية ولا تقدم مع عنتريات لغوية يكون للكلمات فيها جرس وصوت، ولكن ليس فيها معنى أو فاعلية».
لكنه ينتقل إلى مستوى أكثر انحطاطاً حينما يقول: «70% من تجارتنا الخارجية مع أوروبا والولايات المتحدة، وأكثر من هذه النسبة بكثير، تأتي تكنولوجيا وسلاح وعلم واتصالات، فان الحديث عن عداء أو خصام مع هؤلاء بعيد تماماً عن الحكمة، ومن حق بعضنا بالطبع أن يطالب بالتحالف مع إيران وسورية وجماعة خالد مشعل في دمشق وحزب الله في لبنان، من أجل تمريغ أنف أمريكا وإسرائيل في التراب، لكن هؤلاء عليهم أن يقولوا لنا كيف سوف يكون حال المصالح المصرية والشعب المصري في هذه الحالة...» الخ.
كل ما قاله هذا الشخص لا يحتاج لتوضيح، لأنه واضح بما فيه الكفاية وأكثر، وخلط الأوراق بين السلام والرخاء مفضوح ومكشوف، لأن مصر على مدى ثلاثة عقود من سلام العار (الذي ليس في حقيقته وفي الوجدان الشعبي المصري ـ باستثناء الطبقة الحاكمة ـ بل وفي اعتقاد العدو ذاته، ليس أكثر من هدنة لابد وأن تنتهي) لم تلمس هذا السلام، ولم تر الرخاء الذي انزاح وينزاح بعيداً كل يوم عن الغالبية الساحقة من شعبنا.
إننا لا نهوى ولا نعشق الحرب، ولكن الكيان المعادي لشعوبنا هو بذاته حالة حرب.
إن جريمة «عبد المنعم سعيد» تتمثل في إنكاره لجوهر الأمن القومي المصري، المرتبط بطريقة لا يمكن فصمها عن الأمن القومي العربي وامتداداته الإسلامية، والذي يشكل الضمان الوحيد لوجود واستمرار شعوبنا في عصر التوحش الامبريالي عموماً، والصهيو-أميركي على وجه الخصوص.
مهام عاجلة ومصيرية
المهمة الأولى هي إلحاق الهزيمة بهذا التيار السياسي الفكري الذي يتمثل بجماعات وظيفية جديدة (عربية هذه المرة) هم بالدقة عبيد لأساطين المال الغربيين الصهيو-أميركيين خصوصاً، وهم – طبقياً وفكرياً وسياسياً – امتداد للكيان المعادي وللجماعة الوظيفية من عبيد ملوك أوروبا وأمراء الإقطاع فيها، الذين صعدوا الآن ليصبحوا شركاء للملوك الجدد (طواغيت المال) الامبرياليين، والانتصار للمقاومة وثقافتها ونهجها بلا أدنى مساومة.
الثانية هي أن تنهض القوى الشريفة بالعمل على إحياء فكرة وحدة هذا الإقليم (نواته مصر وسورية) على أسس شعبية ديمقراطية وتحررية وتقدمية تراعي تنوعه القومي والعرقي والديني والمذهبي، باعتبارنا نمثل حضارة واحدة متعددة الروافد والمنابع، تفاعلت فتطورت وارتقت، وبالتالي فإن العمل المنسق والموحد للقوى الشعبية الشريفة على مستوى الإقليم هو الخطوة الأولى لصياغة إستراتيجية علمية للمقاومة والنهوض ولحماية أمننا القومي، ولتأمين التوحد كطريق للبقاء والاستمرار.