لماذا تستعجل واشنطن ولندن التفاهم مع طالبان؟

نوه عدد من كبار المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين، عشية انعقاد المؤتمر العالمي حول أفغانستان في لندن أواخر الشهر الماضي، إلى المزيد من الانفتاح نحو التوصل إلى تسوية سياسية مع بعض عناصر طالبان أكثر من أي وقت مضى منذ أن أطاحت الولايات المتحدة بحكم طالبان منذ تسع سنوات.

والسؤال المطروح هو ما إذا كان هذا التنويه نابعاً عن التزام أمريكي بريطاني حقيقي بالتوصل إلى مثل هذه التسوية، أو عن حاجتهما لإظهار مرونة جديدة بغية ضمان المزيد من الالتزام من جانب حلفاء واشنطن في حلف شمال الأطلسي أثناء مؤتمر لندن.
هذا المؤتمر الذي عقد برئاسة الرئيس الأفغاني حميد كرزاي ورئيس الوزراء البريطاني غوردون براوان، وشارك فيه مسؤولون رفيعو المستوى من الدول المشاركة في قوة (إيساف)، والبلدان المجاورة لأفغانستان، والجهات المانحة والأمم المتحدة، تداول في حزمة من القضايا منها الأمن والحكم الرشيد والتنمية والعلاقات الإقليمية.
وكان وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند صرح في جلسة للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي في واشنطن في 21 الشهر الماضي أن أكبر نتيجة مأمولة لهذا المؤتمر هي أن يتفهم 70 وزير خارجية، والرأي العام، طابع التماسك والوضوح الذي تتسم به خطة مستقبل أفغانستان.
وكان المبعوث الخاص الأمريكي لباكستان وأفغانستان ريتشارد هولبروك قد رافقه في هذه الجلسة، حيث سعى إلى طمأنة الشيوخ القلقين إلى أن واشنطن وحلفاءها يحققون تقدماً ثابتاً نحو وقف زحف طالبان في الأعوام الأخيرة بل وعكسه.
وقال هولبروك إن «الطفرة المدنية» التي صاحبت التصعيد العسكري الأمريكي في الشهور العشرة الأخيرة، هي جزء من خطة واشنطن، التي زادت من عدد خبراء المساعدة المدنيين الأمريكيين في أفغانستان بمعدل ثلاثة أضعاف حتى الآن. هؤلاء الخبراء يعملون مع الوحدات العسكرية في محافظة هلمند الجنوبية حيث تحرك المتمردون بحرية في الأشهر الأخيرة حسب قوله.
جاءت هذه التصريحات وسط آمال بأن يبدي زعماء الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي استعدادهم لتقديم المزيد من الموارد العسكرية والمدنية للخطة الأمريكية في أفغانستان.
ويذكر أن الدول الـ43 المشاركة في قوات إيساف حشدت 85 ألف جندي في أفغانستان حتى الآن، منهم 70 ألفاً من الولايات المتحدة وحدها، تليها بريطانيا بنحو 10 آلاف جندي.
يضاف إلى ذلك قرار الرئيس باراك أوباما برفع عدد القوات الأمريكية في أفغانستان إلى 100 ألف جندي بحلول منتصف العام القادم. كما تعمل واشنطن وحلفاؤها على بناء جيش وطني وقوات شرطة وطنية في أفغانستان بما يبلغ 134 ألف جندي 82 ألف ضابط بحلول سنة 2011، مع تكثيف عمليات التنمية.
هذا وتأمل واشنطن ولندن أن تشجع هذه الخطط كبار المانحين، خاصة المترددين في إرسال قوات، على زيادة التزامهم بتمويل المساعدات المدنية في أفغانستان، خاصة وأن الخطة، بعنصريها العسكري والمدني، تهدف في المقام الأول إلى عكس الإحساس السائد- والواضح على ضوء الارتفاع غير المسبوق في عدد ضحايا القوات الغربية في العام الماضي- بأن طالبان تكسب حرب أفغانستان.
في هذا الشأن، قال مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى إنه لو تم إقناع قادة طالبان بعدم إمكانهم كسب هذه الحرب، فمن المقدر أن يقبلوا بالدخول في محادثات سلام جادة مع حكومة كرزاي. وشددوا على أن الغاية هي التركيز على محادثات السلام والتوصل إلى تسوية سياسية تشمل طالبان.
بدوره أقر وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس في زيارته الأخيرة لباكستان بعدم إمكان هزم طالبان عسكرياً لكونهم جزءاً من «النسيج السياسي» الأفغاني.
وصرح غيتس لوسائل الإعلام الباكستانية «السؤال هو ما إذا كانت طالبان في مرحلة ما على استعداد للمساعدة في بناء أفغانستان القرن الواحد والعشرين، أم أنها ما زالت تريد قتل الناس». وأضاف «المصالحة السياسية يجب أن تشكل جزءً من تسوية النزاع».
وردد القائد الأمريكي في أفغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال أقوالاً مشابهة في هذا الاتجاه في حين أعرب رئيس الأركان الأمريكي الجنرال ديفيد بتريوس عن رضاه عن غاية التوصل إلى تسوية سياسية مع عناصر من طالبان.
كما صرح وزير الخارجية البريطاني في مقابلة مع «بي بي سي» في 24 الماضي أنه يؤيد محادثات بين الحكومة الأفغانية وعلى الأقل بعض العناصر في قيادة طالبان.
وأخيراً، تتزامن كل هذه التصريحات التوافقية مع نداء رئيس بعثة الأمم المتحدة في كابول كاي اييد في 24 الماضي، بحذف بعض قادة طالبان من قائمة الإرهابيين في الأمم المتحدة، ما يمهد السبيل لمحادثات سلام معهم.