«انتظروا.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية ستفعل المستحيل..!»
سعد خطّار سعد خطّار

«انتظروا.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية ستفعل المستحيل..!»

تكاد لا تخلو مقالة صحفية أو تصريح سياسي صادر عن أحد الكتاب أو السياسيين الدائرين في فلك واشنطن، من الغمز، بهذا الشكل أو ذاك، إلى أننا أمام «انقلاب مفاجئ» في اللوحة الدولية، أو في التوازنات التي تحكم المشهد العالمي، تحت تأثير العنوان العريض: «الانتخابات الرئاسية الأمريكية».

 

في الواقع، ينقسم مستخدمو عصا «الانتخابات الأمريكية» إلى نوعين من الكتاب والسياسيين: يمسك الأول- وهو الغريق في بحر التراجع الحاصل في الوزن النوعي الأمريكي- بأول «قشة» يجدها أمامه، ويحاول تبعاً لذلك أن يبني آمالاً على «إدارة أمريكية جديدة» من شأنها أن تقلب المعادلات كلياً. بينما يبدو واضحاً أن الثاني مقتنع بأن لا تغييراً حقيقياً في الإدارة الأمريكية يلوح في الأفق، لكن لا بأس بالنسبة له من استخدام ذريعة «الانشغال الأمريكي في الاستحقاق الانتخابي»، لتبرير ما يراه «تقاعساً أمريكياً» عن نجدة الحلفاء في ذروة الترتيبات السياسية الإقليمية الجارية.

أي صراع يتحكم بالمشهد؟

هل نحن أمام تغيير جدي في السياسة الأمريكية؟ أو بالأحرى: هل يمكن للسياسات الأمريكية أن تنقلب بين ليلة وضحاها تبعاً لانتخابات رئاسية؟ ثم هل حقاً يرجع «التقاعس الأمريكي» إلى الانشغال في «العرس الديمقراطي»؟

حقيقة، إن أقل ما يقال في من يعتقد بأن الانتخابات و«أصوات الناس» هي الحاكم الفعلي والممسك بدفة التوجهات الاستراتيجية الأمريكية، هو أنه لا يفقه شيئاً (أو ربما لا يريد أن يفقه شيئاً) في الآلية التي يتخذ فيها القرار داخل الإدارة الأمريكية، ولا في الحاكم الحقيقي والموجه الأساسي لاستراتيجية واشنطن وسياستها الداخلية والخارجية. ولتفنيد مثل تلك النظرات لا بد من الإشارة إلى:

أولاً: إن الصراع السياسي العميق الجاري في الأروقة الأمريكية هو ليس ذلك «الصراع» ما بين «الحزب الديمقراطي» و«الحزب الجمهوري»، كما تزخر وسائل الإعلام الغربية والعربية بذلك. بل هو صراع جدي وقاسي وقديم بين «التيار الفاشي» المرتبط ارتباطاً وثيقاً بقوى رأس المال المالي العالمي الإجرامي والمعبر عن مصالحها السياسية، و«التيار العقلاني» الذي يحاول الاستفادة من «الشطحات» التي يقوم بها الأول، وتوظيفها في إطار ما يمكن أن يسمى التراجع المنتظم. أما القرار داخل الإدارة الأمريكية فهو محصلة حتمية لهذا الصراع، ولنا القول بأنه سيبقى كذلك، مهما تغيرت الوجوه و«الطرابيش» التي تتصدر الشاشة.

التعددية القطبية تأخذ بالاتساع

ثانياً: على أرضية ما سبق، لا بد لتغيير جذري في السياسة الأمريكية أن يكون مرهوناً بتغيير أكثر شمولية يطال الموازين الدولية، ومدى قدرة «الأمريكي» على التفرد والسيادة في العالم، وإن كان ذلك مؤمناً بشكل واسع له في العقد الأخير من القرن الماضي، فإنه مع بداية هذا العقد يواجه خصوماً استراتيجيين، متمثلين في محور «بريكس» ومنظمة «شنغهاي»، وهي قوى دولية صعدت إلى المسرح الدولي، لتؤسس الطريق أولياً لنظام التعددية القطبية في العالم، وصولاً إلى قصم ظهر العالم القديم «عالم الهيمنة والسيادة والتفرد الأمريكي».

الإدارات تتغير.. وتبقى السقوف

ثالثاً: في إطار الصراع المذكور آنفاً بين التيارين اللذين أطلقنا عليهما مسميات «الفاشي- العقلاني» اصطلاحاً، لا يوجد ما يبرر تغييرات جذرية في السياسة الأمريكية إلا على طريق التراجع، ذلك أنه من الممكن أن تتغير الإدارات والوجوه، من الممكن أن يأتي المرشح دونالد ترامب، أو المرشحة هيلاري كلينتون، رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، لكن هل ذلك يعني قدرة هذا أو تلك على قلب السياسات الأمريكية في الاتجاه «الحربجي»، كما يشتهي بعض أيتام القوة الأمريكية في منطقتنا؟

إذا وضعنا ترامب جانباً (وهو الذي يدعو إلى الانغلاق على الولايات المتحدة، أي الانكفاء نحو الداخل)، ما الذي يمكن تحقيقه إذا وصلت كلينتون إلى سدة الرئاسة الأمريكية؟ فعلياً، إن السقوف التي وضعت في وجه الإدارة الأمريكية السابقة وضعت قسراً وبفعل القوى الصاعدة عالمياً، أي أن خيار «التقاعس الأمريكي» المفترض، ليس قائماً على رغبة اجتاحت الإدارة الأمريكية الحالية بشكل مفاجئ، بقدر ما هي أمر واقع فُرض على الإدارة الحالية الالتزام به، كما سيفرض على أية إدارة لاحقة الالتزام به بفعل موازين القوى الدولية.

فهم اللوحة.. أو الخروج من المشهد

بناءً على ما سبق، لا يبقى أمام من «يرهبنا» بتغيير مفاجئ في الإدارة الأمريكية إلا أن يفهم الواقع باكراً، ويعمل على أساسه، مع ما يتطلبه ذلك من استدارات قد تكون استنفدت مهلتها الزمنية بالنسبة إلى بعض القوى والتيارات السياسية، وإما الخروج الكامل من المشهد السياسي، والاحتساب في عداد الخسائر التي ذهبت ضحية عدم فهم الموازين الدولية والواقع العالمي الجديد بشكل صحيح.

آخر تعديل على السبت, 20 آب/أغسطس 2016 14:49