لقاء القاهرة الرابع والمراوحة في المكان!

جاء انعقاد جلسة الحوار الفتحاوي/ الحمساوي في القاهرة، على وقع تطورات ميدانية، مهدت لاستشعار النتائج التي يمكن التنبؤ بها، والتي لن تكون أفضل مما انتهت إليه الجلسات الثلاث السابقة،  خاصة وأنها تنعقد في ظل أجواء «عدم الثقة» بين الطرفين. 

إذ شهدت الأيام الأخيرة التي سبقت سفر وفدي الحركتين للقاهرة، تصعيداً خطيراً في حملة الاعتقالات التي طالت العشرات من الأعضاء والمناصرين لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في الضفة الفلسطينية المحتلة، كان أحد فصولها اعتقال الأكاديمي الوطني الدكتور عبد الستار قاسم لبضعة أيام، وأكثر حلقاتها بشاعة، إصابة أحد قادة حركة حماس في نابلس بشظايا عيار ناري أطلقه أحد عناصر أجهزة السلطة الأمنية باتجاه الشيخ «البيتاوي». لم تتأخر حماس بالرد، وأقدمت الأجهزة الأمنية في قطاع غزة على شن حملة اعتقالات استهدفت العديد من أعضاء فتح، في خطوة فسرها العديد من المراقبين على أنها «رد الصاع صاعين»!

 

أثناء التئام جلسات اللقاء بالقاهرة، كان رئيس السلطة في رام الله المحتلة، يتحدث خلال لقائه أعضاء اللجان التحضيرية لبرلمان الشباب الفلسطيني بـ(أن الحكومة المقبلة يجب أن تلتزم بما التزمت به منظمة التحرير وإن المهمة الأساسية لهذه الحكومة هي الإشراف على إعادة إعمار قطاع غزة، داعيا أطراف الحوار الوطني إلى الاتفاق على تشكيل هذه الحكومة الجديدة). ولايحتاج القارئ للبحث عن دلالات هذا الكلام وفي هذا الوقت بالذات! المخاوف التي لازمت المتفائلين من نجاح الحوار، جاء ليؤكدها أحد قادة حماس «أسامة حمدان»: (أعتقد أن أبو مازن في خطابه نعى الحوار الفلسطيني قبل أن يبدأ) مؤكداً على أن (أفكاره غير جديرةٍ بالاهتمام). كما أن بعض التصريحات لقادة آخرين من الحركة، ركزت على ضرورة (أن تتحرر فتح من الإشتراطات والضغوط الخارجية لنتمكن من تحقيق النجاح). على الجانب الآخر، أشار رئيس كتلة فتح البرلمانية، عضو وفد الحركة إلى الحوار، عزام الأحمد إلى (أن حماس لا تزال أسيرة الخلافات العربيةـ العربية). في ظل أجواء التراشق الإعلامي، تتلاشى الآمال على تحقيق تقدم ملموس على صعيد القضايا الشائكة بين الطرفين، والتي يأتي في مقدمتها، برنامج الحكومة، ومنظمة التحرير الفلسطينية.

مع انقضاء ساعات اليوم الأول من اللقاء- الذي يتوقع أن يمتد لثلاثة أيام- حملت الأنباء المتسربة من داخل غرفة الاجتماع، أن هناك اتفاقاً قد تحقق حول «المرجعية الوطنية المؤقتة»، التي ستقوم بمهام القيادة، دون «الانتقاص» من دور اللجنة التنفيذية الحالية، حتى تحقيق الإنتخابات المقررة في الشهر الأول من العام القادم. ويبدو أن الوصول إلى مثل اتفاق هكذا، يعني الهروب للأمام عبر وضع آلية «ثنائية» تعمل على ترحيل قضايا الخلاف لهيئة جديدة تحمل من «أزمات وعلل» العقلية القيادية، كما تظهر في تنفيذية المنظمة وهيئاتها الأخرى عوامل موتها. وإذا صحت الأنباء التي تحمل قدراً كبيراً من التفاؤل على إنجاز هذه الخطوة، فإن هناك عدة تساؤلات تتطلب إجابات واضحة وصريحة، خاصة وأن هناك أنباء عن تليين في مواقف «حماس»، فرضتها استحقاقات الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة نتيجة العدوان الوحشي الأخير، والذي وجد تعبيراته في الكلمة التي وجهها خالد مشعل لأعضاء مجلس العموم البريطاني، بعد الإجتماعات المتكررة لأكثر من وفد أوربي مع قيادة الحركة في دمشق. كما أن حرارة وحدة الموقف الأمريكي الذي تحدثت به وزيرة الخارجية مؤخراً، حول الحكومة الفلسطينية القادمة، بدأت تميل تدريجياً نحو التبريد والتليين أيضاً. فقد نشرت صحيفة «لوس انجلوس تايمز»، يوم الاثنين 27/4/2009 (أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما طلبت من الكونجرس أن يسمح بمواصلة تقديم المساعدة للفلسطينيين حتى إذا انضم مسؤولون مرتبطون بحركة «حماس» للحكومة). والدعم هو جزء من خطة الإدارة الأمريكية، التي طالبت به كجزء من مشروع قانون الإنفاق الإضافي البالغة قيمته 4،83 مليار دولار، المتضمن تقديم 840 مليون دولار للسلطة وكذلك لإعادة اعمار قطاع غزة. وعلى الرغم من تأكيد بعض المسؤولين الأمريكيين على (أن الاقتراح لايعني الاعتراف بـ«حماس» أو مساعدتها)، إلاّ أن مضمون الموقف الجديد، يسمح بملاحظة «انفراج» بسيط في عقدة التعامل مع الحكومة القادمة، فيما لو كان بين أعضائها من هو محسوب على حماس وقوى المقاومة المسلحة.

إن الحالة الشعبية العربية، وفي مقدمتها، الجماهير الفلسطينية، تتابع بـ«تشاؤل»_ حتى لانّهم بالتشاؤم_ أجواء لقاءات القاهرة، استناداً على المعرفة الدقيقة بمواقف الطرفين تجاه كل القضايا الأساسية. فالاعتقالات والملاحقات المستمرة للمقاومين على يد الأجهزة الأمنية، عكستها تطمينات رئيس السلطة، لقادة حكومة العدو (لقد قمنا بما علينا في الموضوع الأمني)، وفي تأكيده على (أن السلطة الفلسطينية تريد استئناف المفاوضات في ظل الحكومة «الإسرائيلية» الجديدة) مضيفاً (هذه المفاوضات يجب أن تقوم على أساس المبادرة العربية للسلام ورؤية الدولتين ومبادئ خريطة الطريق الأميركية).

في ظل هذه الرؤية السياسية للواقع الراهن، كما عبّر عنها رئيس السلطة، كيف يمكن لنا أن نراهن على نتائج الحوارات، التي وصفها أحد قادة المقاومة، في لقاء جمعنا به قبل أيام، حين أجاب على سؤال له عن رأيه في اللقاء الرابع للحوار (إنها طبخة حصى!). تبقى المراهنة فقط على الشعب الفلسطيني المتمسك بكامل حقوقه الوطنية، وبقواه المقاتلة، القابضة على جمر الصراع المتوهج.

آخر تعديل على الأربعاء, 27 تموز/يوليو 2016 23:44