«المنية ولا الدنية»..

.. قبل خمسة شهور ونصف من الاجتياح الصهيوني للبنان 1982، اتخذ الكنيست الإسرائيلي يوم 14/12/1981 قراراً «بضم» الجولان السوري المحتل إلى الكيان الصهيوني.
.. في ذلك الوقت كان عدد المواطنين السوريين الذين لم ينزحوا من أرضهم لا يتجاوز الـ13 ألف نسمة موزعين على خمس قرى هي: مجدل شمس، مسعدة، بعقاثا، عين قنيا، الغجر، من أصل 139 قرية ومدينة ومزرعة دمرها واستولى عليها الاحتلال الصهيوني أثناء عدوان حزيران 1967.
.. ولأن إرادة المواجهة لم ترتبط يوماً بكثرة العدد، أو ميزان القوى، أعلن أحرار الجولان في اليوم الثاني «لقرار الضم» عن عقد اجتماع جماهيري في مجلس مجدل شمس كبرى القرى الخمس، حضره أكثر من ثلاثة آلاف شخص وأعلنوا فيه رفضهم القاطع لقرار الكنيست الصهيوني واعتبروا يوم 14/12/1981 يوم حداد حتى تحرير الجولان وقرروا المواجهة تحت شعار: «لن نقبل قرار الضم حتى لو دفنا أحياء، هذا وطننا ونحن هون»!! كما أصدر الاجتماع قراراً بالإجماع القيام بإضراب احتجاجي شامل لمدة ثلاثة أيام.

... وعندما حاولت قوات الاحتلال فك الإضراب عبر الترهيب والقمع والاعتقالات دعا أحرار الجولان مجدداً إلى اجتماع جماهيري ثان يوم 17/12/1981 في المكان ذاته حضره أكثر من أربعة آلاف من الرجال والنساء وطلاب المدارس أصدروا فيه بياناً أكدوا فيه «أنهم عرب سوريون يرفضون الاحتلال وقراراته رفضاً مطلقاً، وأن الجولان جزء لا يتجزأ من الوطن الأم سورية، لذلك لا رضوخ للاحتلال وشعارنا هو: المنية ولا الهوية الإسرائيلية»!
وعلى إثر هذا الاجتماع اتسعت دائرة المواجهة بين أحرار الجولان العزل إلا من حب الوطن وما امتلكت أيديهم من عصي وحجارة، وبين قوات الاحتلال الذين فوجئوا بالمقاومة الشاملة والعصيان المدني لآلاف مؤلفة من السكان لم تؤثر فيهم محاولات الترغيب والترهيب التي مارسها الكيان الصهيوني ضدهم منذ حزيران 1967 حتى 14/12/1981.
... إن الصمود والمقاومة الباسلة لأحرار الجولان ساهم في قوة الموقف السوري الرسمي في مجلس الأمن الذي اجتمع يوم 17/12/1981 وأصدر قرارا ًتحت رقم (497) اعتبر فيه قرار الضم باطلاً وعديم الأثر قانونياً ويطلب من الكيان الصهيوني إلغاءه فوراً واعتبر معاهدة جنيف حول حماية المدنيين تحت الاحتلال مازالت أحكامها ساريةً على أراضي الجولان السوري المحتل.
لكن سلطات الاحتلال المدعومة من الإمبريالية الأمريكية ليس فقط لم تمثل لقرار مجلس الأمن، بل زادت من عمليات القمع والبطش ضد أحرار الجولان وقررت تنفيذ «قرار الضم» بالقوة العسكرية المباشرة خصوصاً بعد أن أعلن أحرار الجولان يوم 14/2/1981 إضراباً مفتوحاً حتى إلغاء مشروع فرض الهوية الإسرائيلية، وفي يوم 31/3/1982 استدعى جيش الاحتلال ما قوامه أكثر من فرقة عسكرية وقام بتطويق قرى مجدل شمس ومسعدة وعين قنيا، وبقعاثا، ثم قام الجنود بمداهمة البيوت محاولين إرغام الأهالي على استلام «الهوية الإسرائيلية» عبر رميها في فناء المنازل. لكن روح المقاومة كانت أقوى، وقد اعترفت بعض الصحف الصهيونية بأن «نساء الجولان يقمن بتكنيس الهويات الإسرائيلية، ويرمينها، وقد جاء في «الوثيقة الوطنية» لأحرار الجولان: «إن جنسيتنا العربية السورية لا تقررها سلطات الاحتلال، فنحن عرب منذ آلاف السنين، ومنذ أن وجد الإنسان العربي فوق هذه الأرض التي فديناها ونفديها بدمائنا»!
لقد كسب أحرار الجولان معركة رفض الهوية الإسرائيلية عبر المقاومة الشعبية الشاملة واضطرت سلطات الاحتلال إلى استبدال «الهوية» ببطاقة تعريف خالية من ذكر الجنسية.
نقول لمن لا يعرف حقيقة وحيثيات مقاومة أحرار الجولان ضد الاحتلال: إن مجموع الأحكام الصادرة عن محاكم الاحتلال ضد مواطني الجولان الصامد بلغت أكثر من ثلاثة آلاف، كما قدموا الشهداء بغير حساب وما زال للآن أحد عشر أسيراً جولانياً في سجون الاحتلال تتراوح أحكامهم بين 5 إلى 27 عاماً!
.. وإذا كان من المستحيل الإحاطة بأبرز محطات المقاومة في الجولان في خاطرة أو حتى في كتاب، فإن الدرس الأكبر الذي تعلمناه من أحرار الجولان هو أن الاحتلال لا يواجه إلاّ بالمقاومة، وأن سنوات من المفاوضات لا تستند إلى خيار المقاومة لن تحرر شبراً من الأرض المحتلة والأمثلة من حولنا كثيرة وأقربها تجربة المقاومة في لبنان، والباقي على الطريق الذي يشرفنا السير فيه حتى التحرير الكامل لتراب الجولان!