«زيطة وزمبليطة» نووية.. بصمة أوباما «الأخلاقية»!

«الحرب على الإرهاب» مع إضافة «النووي» أصبحت بعد «قمة الأمن النووي» في واشنطن مؤخراً النقلة النوعية الأمريكية الجديدة بالنكهة الأوبامية في مصطلح جورج بوش الابن، البائد كصاحبه، حيث يراد للمصطلح المفبرك، أي «الإرهاب النووي»، فيما يبدو أن يصبغ العلاقات الدولية على المدى المنظور ليسوِّق معه جملة من التفاعلات والتداعيات على المشهد الدولي، ودائماً في سياق الأزمة الرأسمالية المستعصية، ولاسيما في مركزها الإمبريالي الأبرز، الولايات المتحدة.

وبغض النظر عما تستدعيه ضرورات هذا التسويق المسرحي من حضور القوى المالكة للسلاح النووي وتقنياته إلى جانب «عرائس»، بعضها من عالمنا العربي، ممن لا تملك ربما حتى المعلومات النظرية المعرفية عن التكنولوجيا النووية، فإن الأسئلة البديهية التي تفرض نفسها تذهب مباشرة إلى: من يملك السلاح والتكنولوجيا النووية العسكرية وما مخزونه من ذلك؟ ومن ينتج وأين يوظف؟ ومن يراقب الإنتاج النووي ولديه إمكانيات ذلك، من أقمار صناعية وأدوات وأجهزة الكشف والرصد والمراقبة الأخرى، تقنياً وبشرياً؟ ومن يستخدم السلاح النووي وكيف؟ وربما كان السؤال الأهم هو هل لدى أوباما وهو سليل الحكومة الوحيدة في العالم التي استخدمت القنابل النووية الضخمة في هيروشيما وناغازاكي أدنى سلطة أخلاقية للحديث عن الإرهاب النووي، لتتبعها الحكومات الأمريكية من التسعينيات حتى الأمس القريب في استخدام القنابل النووية الصغيرة والفراغية والعنقودية والانشطارية وقذائف اليورانيوم المنضب– وكلها تكنولوجيات نووية- في الحروب والضربات المتتالية على العراق، من أم القصر جنوباً إلى أربيل والسليمانية شمالاً مروراً ببغداد والفلوجة والموصل وديالى، بوصفها حقل تجارب نووياً أمريكياً مفتوحاً حتى اليوم، مثله مثل أفغانستان وجبال تورا بورا فيها؟ ومن تغاضى عن استخدام إسرائيل لقنابل «الدايم» والفوسفور الأبيض والقنابل الانشطارية في غزة وغيّب حضور قادة الكيان إلى قمة واشنطن كيلا تتحول منبراً لمحاسبتهم كونها المكان غير الملائم لذلك حسب، ويا للمفارقة، أحمد أبو الغيط، «الملكي أكثر من الأمريكيين» في محاباة إسرائيل؟

وفي الحقيقة فإن مقدمات هذه «الزيطة والزمبليطة» ظهرت على مراحل خلال العقدين الماضيين، أولاً عند الحديث عن مخاوف انتقال الأسلحة والتقنية النووية الروسية بعد فوضى تفكيك الاتحاد السوفييتي في السوق السوداء لتجار السلاح والموت بحثاً عن النفوذ والمقايضات لدى المافيات الدولية المشبكة مع أمريكا، وثانياً عند الحديث الذي تجدد في بيان قمة واشنطن ذاتها حول المخاوف من سعي «القاعدة» والتنظيمات المرتبطة للحصول على الأسلحة والمواد النووية، وكأن القصة بهذه البساطة!! فلا الإجابات عن الأسئلة آنفة الذكر توحي بذلك، ولا «السوق النووية» تسمح «بتهريب» مفتوح، إلا إذا كان مدروساً ولخدمة أهداف محددة، علماً بأن هذا الاحتمال وارد فقط ويدور حصراً حول كميات «ميكروية» ضئيلة وليس عن نقل وتهريب «ســــلاح وعتـــاد نوويين» حقيقيين، لأن الأمر، استطراداً، ليس «فيلماً هوليودياً»، وإنما يرتبط بطرق النقل والمراقبة والتخزين وإمكانيات التشغيل والاستهداف وحساب الأبعاد والأمدية والخسائر، وسلسلة لا متناهية من المعطيات التي تمتلكها فقط حفنة من الكفاءات العلمية والعسكرية والأمنية والاستخبارية لدى القوى النووية الفعلية، أي «اللاعبين الكبار» وليس «الهواة» أو أية «فزاعات» يراد استخدامها «شماعات» لتبرير سياسات أخرى، قد لا تكون نووية بالمطلق..

وعلى ذكر الأفلام الهوليودية، صادف مؤخراً أن كنت أقلب بعض المحطات التلفزيونية ليلاً فاستوقفني عند زاوية الشاشة عنوان فيلم أمريكي في جزئه الثالث Mission Impossible III وكان في ثلثه الأخير على الأرجح، فتابعته.

وبغض النظر عن الحبكة المهلهلة في الفيلم، ولاسيما لجهة الانتقال الزماني والمكاني العجيب أو كالعادة وجود البطل الأمريكي الذي لا يموت وشبه كلي القدرة والمنقذ لحبيبته، فإن ما لفتني هو ذاك الجزء من الحوار بين «البطل الخيّر»، الضابط في وحدة المهمات المستحيلة، ومن يكتشف أنه غريمه «الشرير» الأساسي، وهو «للمفاجأة» زميل له يثق به ويساعده في الدائرة ذاتها، حول غاية الحصول على عينة نووية بعد سرقتها من «الصين» (من باب المصادفة!!) حيث يقول «الشرير» إن هناك زبوناً لها في «الشرق الأوسط» (من باب المصادفة أيضاً)، وحال وصولها إلى ذاك «الزبون» ستتشكل الذريعة لبقية «الخلطة» الأمريكية من ناحية «التدخل» لمنع تطويرها، وبالمعية أيضاً، نشر «الديمقراطية» و«الليبرالية» الخ..!

وإذا كان ذلك «خيالاً» هوليودياً «محضاً»، فهل ما فعلته أبريل كلاسبي (السفيرة الأمريكية في بغداد) مع الأحمق صدام حسين، وما فعله كولن باول عندما كان رئيساً للأركان مع المسؤولين السعوديين البلهاء حول تهديد الأسلحة والصواريخ العراقية، خلال التحضير الأمريكي لحرب الخليج الثانية، يخرجان عن هذه الحبكة الهوليودية، ولكن بعد إخراجها في الواقع الذي تدفع المنطقة العربية وشعوبه ثمنه حتى الآن..

لا يوجد إذاً «إرهاب نووي»، بل ثمة «إرهاب دولة نووي» تقوده وترعاه واشنطن في التاريخ المعاصر، ولكن أوباما يريد إيجاد المبرر «الأخلاقي» لأية مغامرة عسكرية جديدة في المنطقة، وتحديداً ضد إيران التي ذُكرت بالاسم واستحوذت على القسم الأكبر من هذا الذكر التحريضي في مداولات المؤتمرين في واشنطن، إلى جانب كوريا الديمقراطية... و«القاعدة».. 

ليس بالضرورة أن يجري استخدام السلاح النووي على نطاق واسع في المواجهة المنشودة أمريكياً– إسرائيلياً، فهو ليس بلعبة، ولكن يمكن تحضير الرأي العام الأمريكي والإقليمي والعالمي لقبول الذرائع و«مشروعية» الحرب بسبب «عدالة قضيتها»، وهي العدالة التي ينبغي أن تأخذ وجهتها الصحيحة نحو تفكيك منظومة «إرهاب الدولة»، بشقيه التقليدي والنووي..

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.