«إسرائيل» تبحث عن حرب..!

بعدما أظهرت «قمة سرت» في ليبيا مدى عجز النظام الرسمي العربي عن وقف الاستيطان اليهودي الزاحف في القدس، ولا حتى مجرد التهديد بسحب «المبادرة العربية»، ناهيك عن عدم تقديم دولار واحد من نصف مليار دولار موعود للمقدسيين حاولت من خلالها ستر عورتها، أدرك قادة الكيان الصهيوني أن «ثبات» التحالف الامبريالي- الصهيوني والرجعي العربي يقدم لهم إغراءً قوياً للبحث عن حرب عدوانية جديدة في المنطقة تعيد من خلالها الاعتبار لنظرية الردع الإسرائيلية التي تزعزعت بعد حربي تموز وغزة الفاشلتين.

إن المتتبع لتصريحات قادة الكيان عشية وبعد انتهاء «القمة» يدرك أن حكومة الاحتلال برؤوسها الثلاثة (نتنياهو، باراك، ليبرمان) تعتبر نفسها «قادرة» على تغيير قواعد اللعبة في المنطقة لجهة تغيير الواقع الإقليمي لمصلحتها اعتماداً على المعطيات التالية:

• لدى الكيان فائض عسكري جديد أمنته واشنطن في أعقاب الفشل في حربي تموز وغزة، يضاف إلى ذلك محاولة الاستفادة من المناورات العسكرية الواسعة والمتعددة، الأمريكية- الإسرائيلية في العامين الأخيرين والتي استخدمت فيها أكثر المعدات العسكرية تطوراً.

• تكرار التعهدات الأمريكية الرسمية (أوباما، بايدن، كلينتون) بالتزام الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني واعتباره جزءاً لا يتجزأ من الأمن الأمريكي.

• عجز القيادة الفلسطينية الرسمية في رام الله عن أية مقاومة، ومن أي نوع للضغوط الأمريكية- الإسرائيلية الرامية إلى قبول تلك السلطة باستمرار الانخراط في المساومة والتنازلات المتتالية على حساب الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني. لذلك نلاحظ عودة الحديث الإسرائيلي عن شن الحرب على غزة مجدداً، طالما أن دول الاعتلال العربي تغض الطرف عن الحصار وبعضها يشارك في تشديده على القطاع وسكانه.

• تبرع دول الاعتلال العربي بتعظيم «الخطر الإيراني» بالتوازي والتقاطع مع الموقف الأمريكي- الإسرائيلي لكي يبرروا إدارة ظهرهم لفلسطين وعداءهم الصريح لخيار المقاومة والممانعة وبالتالي تشديد القبضة على شعوبهم ومنعها بالحديد والنار من الانخراط في خيار المقاومة. وهنا أصبح واضحاً أن صمود المقاومة في لبنان وفلسطين يأكل من رصيد النظام الرسمي العربي ويحطم هيبته المتداعية أمام الملأ.

• يضيق التحالف الامبريالي الصهيوني ذرعاً بتنامي الموقف التركي المناهض للكيان الصهيوني ومشاريعه التوسعية والعدوانية ومخاطرها على أمن المنطقة واستقرارها ووحدة أراضي دولها. لذلك يعتقد قادة الكيان بأن «حرباً ناجحة» ضد محور المقاومة والممانعة في المنطقة ستوقف من اندفاعة الموقف التركي نحو هذا المحور إضافة إلى احتمالات التغير المضاد في الداخل التركي نفسه.

• إن الصيغة التي أعلنت في العقيدة النووية الأمريكية الجديدة والتي تستثني إيران وكوريا الديمقراطية من الاستخدام الأمريكي للسلاح النووي ضد الدول التي لا تملكه، توسع هامش المناورة أمام الكيان الصهيوني والاستمرار بالتهديد والتصعيد العسكري في المنطقة، وخصوصاً ضد إيران وسورية ولبنان وفلسطين.

ويبدو أن قادة التحالف الإمبريالي- الصهيوني- الرجعي العربي، لم يقتنعوا بعد أن الولايات المتحدة لم تعد اللاعب الوحيد الذي يرسم مسار الأحداث في المنطقة، كما كانت عليه الحال منذ أواسط التسعينيات من القرن الماضي، وحتى عام 2003 تاريخ احتلال العراق...

فالأزمة الرأسمالية العالمية، وفي الداخل الأمريكي خصوصاً، والتي سرعت من شن الحروب في الخارج كمخرج من المأزق، تتعمق الآن أكثر من أي وقت مضى، كما أن تعثّر المشروع الأمريكي- الأطلسي في أفغانستان والعراق، وفشل محاولات احتواء إيران بالترغيب والترهيب، كل ذلك لن يفاقم من الأزمة الرأسمالية العالمية فقط، بل سيجعل من هزيمة التحالف الأمريكي- الصهيوني عسكرياً أمراً واقعياً أمام حالة النهوض الشعبي العالمي ضد الإمبريالية العالمية وعميلتها «إسرائيل الصهيونية»، خصوصاً بعد أن تحول خيار المقاومة إلى الشعار الأكثر تداولاً على ألسنة الشعوب من أمريكا اللاتينية إلى شعوب هذا الشرق العظيم.

وبالعودة إلى احتمال إقدام قادة الكيان الصهيوني على شن حرب عدوانية جديدة في المنطقة، نؤكد أن رهان تل أبيب على دول الاعتلال العربي في تهيئة المناخ للانتصار في الحرب القادمة، سيكون رهاناً فاشلاً أكثر مما كان إبان حرب تموز عام 2006، لأن شرعية دول الاعتلال العربي تتهاوى، وتتعاظم حالة التناقض بينها وبين شعوب منطقتنا وطنياً واجتماعياً وعلى كل الصعد. كما أن تزايد تبعية النظام الرسمي العربي للتحالف الإمبريالي – الصهيوني، وتزايد عدائه للمقاومة سيقصّر من آجال وجوده على الخريطة السياسية.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.