جبران الجابر جبران الجابر

عالمنا..

اء أوباما ونثر أوراق «التهدئة والسلام المباشر» في منطقتنا، كما نثر أوراق السلام القريب جدا،ً والذي ينتظر أفغانستان وغيرها، ويشمل العراق، وقرن ذلك بالتحرك نحو التفاهم وحل الخلافات بالحوار بما في ذلك النووي الإيراني.

مضى عام ونيف وأخذت تترسخ أكثر فأكثر ظاهرة أن العلاقات الدولية والإقليمية تسير نحو التوتر على الصعيد العالمي وعلى الصعيد الإقليمية، وبدا ذلك واضحاً في الإستراتيجية الأطلسية التي نصت صراحة على حق قوات الحلف في أن تتدخل في كل مكان من عالمنا، وكان غيتس واضحاً في لومه وتأنيبه للأوربيين المتراخين الذين لا يقومون «بواجباتهم» ولا يبدون الاستعدادات العسكرية اللازمة، ووصل اللوم إلى حد الإدعاء أن اللامبالاة الأوربية بالواجب تعرض السلام العالمي للخطر، وجاء ذلك متزامناً مع التحذيرات الأمريكية لإيران من أن الصبر الأميركي ينفذ بسرعة.

لقد تراكمت عوامل التوتر في العلاقات الأمريكية الصينية، فكان الطلب الأمريكي برفع سعر صرف العملة الصينية (اليوان) ثم كانت صفقة الأسلحة المتطورة لتايوان، وجاء بعدها استقبال الدالاي لاما، وأضيف إلى هذه وتلك تزايد الإنفاق العسكري الصيني وتجديد العزف على حقوق الإنسان.

ويلاحظ أن عوامل التوتر أخذت تحفر أخاديدها من جديد بعد أن جرى ترطيب العلاقات الأمريكية الروسية خلال السنة الأولى من ولاية أوباما. عادت الدرع الصاروخية بنطاقات جغرافية أكثر اتساعاً، ويلاحظ أنها ستشمل الدول التي كانت في نطاق الاتحاد السوفيتي وتزايدت الاهتمامات العسكرية بجورجيا وتسليحها ولم تنجز معاهدة جديدة بشأن الأسلحة الهجومية الذرية. كما عاد التباين والاختلاف بشأن العقوبات على إيران وعاد الموقف الروسي إلى موقف أبعاده محدودية العقوبات وجعلها مقصورة على ما يخالف الاتفاقات الدولية المرتبطة بعدم انتشار الأسلحة النووية.

أما في منطقتنا فقد ذاب الثلج بكامله وتصاعدت التهديدات الحربية العدوانية الإسرائيلية وتزايدت وتائر تهويد القدس وامتدت العنصرية التوراتية نحو الخليل ومسجدها ونحو مسجد بلال تحت إدعاءات صهيونية، وهو ما يفسر أن إسرائيل تزيد نقاط استنادها «الثقافية» كي تصل إلى أراضي يهودا والسامره كجزء من الدولة اليهودية «النقية».

ويضاف إلى ذلك الجهود الأمريكية كي تظل العلاقات العربية في وضع الأزمة واستمرار الانهيارات تحت حجة النووي الإيراني ومخاطره على الخليج وغيره. ولعل بعض الحكام العرب أدار الظهر كلياً للقضايا العربية وأخذ بنسج حبال التحالف مع «إسرائيل»، ولم تعد المسألة تتلخص في الوضع العربي والموقف من قضية فلسطين، فعامل التوتير الجديد المتنامي هو التحالف مع «إسرائيل» من بعض الحكومات العربية، وقد خرج الأمر عن كامب ديفيد وعقابيلها على حكومة مبارك وأصبح الوضع شبكة من العلاقات بين «إسرائيل» وعدداً من الحكومات العربية.

وإذا كنا قد نوهنا إلى عدد من الوقائع التي تشير إلى أن العلاقات الدولية تنعطف بوضوح نحو التوتر المتصاعد فإن ذلك لا يعتبر أمراً طارئاً أو آنياً أو رغبة فردية، إنه، في خيوطه الأخيرة، نتاج طبيعي لاستمرار الأزمة الرأسمالية التي لم تعد وقائعها مقصورة على إعلانات إفلاس البنوك وتراجع الإنتاج واستمرار تسريح العمال. إن الواقع تعدى ذلك، وبدأت ظواهر الإفلاس الوطني، كما هو حال اليونان، فيما تهتز قوائم النظم في إسبانيا وإيطاليا وغيرها.

إن هذه الأزمة مستمرة ولها خصائصها التي تميزها عن غيرها من الأزمات، إنها أزمة ترتبط باستمرار علاقات الإنتاج الرأسمالي التي دخلت كل مكان في عالمنا واستوطنت في كل البقاع الأرضية.

إنها أزمة في ظروف العولمة الإمبريالية حيث يشتد الطابع الاجتماعي للإنتاج مستنداً إلى وتائر غير مسبوقة من تركز الثروة وتمركزها وهو ما يجد مُعادِله الملموس في الشركات الاحتكارية ما فوق القومية.

إن الأزمة في ظروف العولمة الإمبريالية لا تجد حلها في التدابير الوطنية المعروفة تاريخياً، ولم تعد المشكلة تجد متنفسها في حقن المليارات في مؤسسات ومعامل الاحتكارات وفروعها.

إن الأزمة مستمرة لأن تناقضاتها عصية على الحل مع استمرار علاقات الإنتاج الرأسمالي التي تفرض في ظروف العولمة مزيداً من فقر الفقراء ومزيداً من ثراء الأثرياء. إن الإحصاءات الدولية المعتمدة في الأمم المتحدة تؤكد على زيادة عدد الفقراء في ظروف الأزمة وتضيف إليهم مئات الملايين من الفقراء الجدد، وإن مليارات البشر بين جائع وفقير وعاطل عن العمل هم خارج السوق الرأسمالية فكيف يمكن تصريف الإنتاج ومليارات البشر لا يشكلون أية قوة في الأسواق الرأسمالية؟

طبيعي أن الاقتصاديات ليست في مستوى واحد. أما الاقتصاد الأمريكي والاقتصاديات الأوربية، فإن وضعها فرض العولمة ولا يمكن لها الخروج من الأزمة دون تطوير وتفعيل العولمة. وقد بات ذلك في حكم المستحيل ولم تعد التدابير الوطنية مجدية ولم تعد علاقات الإنتاج الرأسمالي أكثر من كابح وبنوعية جديدة إزاء تطور القوى المنتجة.

إن الأزمة تدفع نحو تعمق التناقضات بين الدول الإمبريالية الكبرى من جهة وبين الدول الناهضة من جهة أخرى، وذلك بحكم فعل وتداعيات قانون التطور المتفاوت.

إن الأزمة تخيم على عقول المفكرين والسياسيين الإمبرياليين ومؤدلجيها ومحركيها وتفرض عليهم سياسات تصعيد التوتر وصولاً إلى تدابير كبح التطور الاقتصادي للبلدان الناهضة وإثارة وتنظيم وشن الحروب لأنها المنافذ التي تفرضها علاقات الإنتاج الرأسمالي والعولمة الإمبريالية، خاصة وأن الدول الناهضة لم تستنفذ دور التدابير الوطنية الاقتصادية لمواجهة الأزمة وتداعياتها.