ف. وليام انغدال* ف. وليام انغدال*

سورية.. تركيا.. «إسرائيل».. وحرب الطاقة في الشرق الأوسط الأكبر

في الثالث من تشرين الأول 2012، أطلق الجيش التركي مجموعةً أخرى من قذائف الهاون داخل الأراضي السورية. كان العمل العسكري، الذي استغله الجيش التركي بصورة ملائمة لإقامة منطقة بعرض عشرة كيلومترات خالية من البشر (منطقة عازلة) داخل سورية، رداً على «قتل القوات المسلحة السورية» المزعوم لعدة مواطنين أتراك على طول الحدود بين البلدين. هنالك تخمينٌ واسع الانتشار أنّ قذيفة الهاون السورية التي قتلت خمسة مواطنين أتراك قد أطلقتها قوات المعارضة التي تدعمها تركيا بقصد منح تركيا ذريعةً للتحرك العسكري، وهي عملية ‘إشارة زائفة‘ في لغة الاستخبارات العسكرية.

وزير خارجية تركيا صديق الإخوان المسلمين، أحمد داود أوغلو الغامض، هو المهندس الحكومي الرئيس في استراتيجية الدفاع الذاتي للإطاحة بالنظام السوري. 

الإخوان في تركيا

وفقاً لتقرير يعود للعام 2006، أصبحت تركيا، بإشراف رئيس الوزراء الإسلامي رجب طيب أردوغان وحزبه المناصر للإخوان المسلمين حزب العدالة والتنمية، قطباً جديداً لجماعة الإخوان المسلمين العالمية. يروي مصدر مطلعٌ  على التقرير في اسطنبول أنّه قبل الانتخابات التركية الأخيرة، تلقى أردوغان (هبةً) مقدارها عشرة ملايين دولار من النظام الملكي السعودي، قلب السلفية الجهادية العالمية تحت عباءة الأصولية الصارمة للوهابية. منذ الخمسينيات حين أحضرت وكالة الاستخبارات المركزية أعضاء قياديين منفيين من جماعة الإخوان المصرية إلى السعودية، حصل اندماج بين العلامة التجارية السعودية للوهابية والأصولية الجهادية الهجومية للإخوان المسلمين.

إن خطر نشوب الحرب بالغ الجدية، فتركيا عضوٌ كامل العضوية في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ، كما أنّ حقيقة أنّ روسيا والصين المسلحتين نووياً جعلتا من الدفاع عن سورية أولويةً استراتيجيةً تجعل شبح اندلاع حرب عالمية ثالثة أكثر قرباً مما نتصور. 

السيناريو المفترض

في تحليل كانون الأول 2011 للقوى المتنافسة في المنطقة، قدم فيليب جيرالدي المحلل السابق في الوكالة الملاحظة المتبصرة التالية:

سبق للحلف أن انشغل بسرية بالنزاع السوري، مع تبني تركيا للقيادة كوكيل عن الولايات المتحدة. اعترف وزير الخارجية التركي علانيةً أنّ بلاده مستعدةٌ للتدخل حالما يتفق حلفاء الغرب على ذلك. سيكون التدخل قائماً على مبادئ إنسانية، للدفاع عن حماية المدنيين استناداً إلى مبدأ (مسؤولية الحماية) الذي استخدم ذريعةً للتدخل في ليبيا. تفترض المصادر التركية أنّ بداية التدخل ستكون بخلق منطقة عازلة على طول الحدود التركية السورية يتمّ توسيعها لاحقاً. ستكون حلب، أكبر المدن السورية جوهرة التاج التي تستهدفها قوات «التحرير».

هكذا، تصل طائرات الناتو الحربية بسرية إلى قواعد عسكرية تركية قريبة من اسكندرونة على الحدود السورية، ناقلةً أسلحةً من ترسانة القذافي الراحل إضافةً إلى المتطوعين من المجلس الوطني الليبي الانتقالي. كما أن اسكندرونة مركزٌ «للجيش السوري الحر»، الجناح العسكري ل»لمجلس الوطني السوري». وكذلك، يوجد مدربون من القوات الخاصة البريطانية والفرنسية على الأرض لمساعدة «المتمردين» السوريين، في حين تقوم السي آي إيه والقوات الخاصة الأمريكية بتقديم وسائل الاتصالات والمعلومات الاستخبارية لمساعدة قضية التمرد، إبلاغ المقاتلين مثلاً بمواقع تجمع الجنود السوريين لتجنبها.

 كان البارز إلى حد ما حقيقة أنه في اليوم نفسه الذي أطلقت فيه تركيا ردها المفرط نسبياً والذي اتخذ هيئة هجوم عسكري على منطقة سورية، يتواصل حتى لحظة كتابة المقال، شرعت القوات «الإسرائيلية» بعمل من الواضح أنه لتحويل انتباه سورية عن تركيا ولخلق سيناريو الرعب من خوض حرب على جبهتين كذاك الذي واجهته ألمانيا في حربين عالميتين. قامت القوات «الإسرائيلية» بتعزيز ملفت لقواتها في مرتفعات الجولان المحتل الاستراتيجية.

إعداد المخطط

يتابع الطور الجديد المتكشف للتدخل العسكري التركي المباشر، الذي يدعمه واقعياً نظام نتنياهو اليميني في «إسرائيل»، حرفياً سيناريو وضع خطوطه العريضة معهد بروكينغز، مركز الأبحاث البارز في واشنطن والذي يشرف عليه المحافظون الجدد. في وثيقته الاستراتيجية البيضاء، إنقاذ سورية: تقييم خيارات تغيير النظام، الصادرة في آذار 2012، وضع استراتيجيو بروكينغز الجيوسياسيون خطة لإساءة استخدام ما يدعى القلق الإنساني على وفيات المدنيين، مثل ليبيا في 2011، لتسويغ تدخل عسكري عدواني في سورية، في سابقة لم تحدث قبل ذلك.

يتضمن تقرير بروكينغز السيناريو التالي:

يمكن أن تضع «إسرائيل» قواتها في مرتفعات الجولان أو قربها وبفعل ذلك، تحوّل القوات السورية عن وجهة الصراع مع المسلحين. قد يستثير هذا التموضع الخوف في النظام السوري من حرب على أكثر من جبهة، بخاصة إذا أرادت تركيا القيام بالأمر نفسه على حدودها وإذا تزود المسلحون بدفق محسوب من الأسلحة والتدريب.

هذا ما يتكشف على ما يبدو في الأيام الأولى من تشرين الأول 2012. يرتبط مؤلفو التقرير ببعض أبرز صقور المحافظين الجدد الذين وقفوا وراء حرب بوش - تشيني في العراق. يتضمن راعيهم، مركز سبان لسياسات الشرق الأوسط، مستشاري السياسة الخارجية الحاليين لمرشح اليمين الجمهوري ميت رومني، المرشح المفضل صراحة ل»إسرائيل» نتنياهو.

مركز سبان الذي أصدر التقرير هو وليد منحة كبيرة قدمها حاييم سبان، وهو ملياردير إعلامي أمريكي -صهيوني يمتلك أيضاً العملاق الإعلامي الألماني الهائل برو7. لا يخفي سبان هدفه في تعزيز مصالح «إسرائيلية» بعينها عبر مؤسسته الخيرية. أطلقت النيويورك تايمز يوماً على سبان تسمية «مشجع إسرائيل الذي لا يعرف الكلل». كما أنّ سبان قال للصحيفة نفسها في مقابلة أجريت العام 2004، «أنا رجل قضية واحدة، وقضيتي إسرائيل».

لباحثي المركز، فضلاً عن مجلس إدارته، ميول المحافظين الجدد وحزب الليكود. ومن بينهم، في الماضي والحاضر، شلومو ياناي، مدير سابق للتخطيط العسكري في القوات «الإسرائيلية»، ومارتن إنديك، سفير واشنطن السابق في «إسرائيل» ومؤسس معهد سياسات الشرق الأوسط في واشنطن (WINEP) الموالي ل»إسرائيل»، لوبي الليكود السياسي الرئيس في واشنطن. ومن بين الأعضاء الزائرين، آفي دكتر، رئيس سابق لجهاز الشين بيت «الإسرائيلي»، يوسف كوبرفاسر، رئيس سابق لقسم البحوث في مديرية الاستخبارات العسكرية للجيش «الإسرائيلي». ومن بين الباحثين المقيمين، بروس ريدل، خبير الشرق الأوسط في السي آي إيه لثلاثة عقود ومستشار أوباما للشؤون الأفغانية،وكينيث بولاك، الخبير السابق أيضاً في السي آي إيه لشؤون الشرق الأوسط والمتهم بفضيحة التجسس «الإسرائيلية» حين كان مسؤول الأمن القومي في إدارة بوش.

البعد الجيوسياسي

ما يحظى حتى الآن بالتقدير الكامل في التقديرات الجيوسياسية للشرق الأوسط هو الأهمية المتصاعدة على نحو مفاجئ للسيطرة على الغاز الطبيعي ليس لمستقبل البلدان المنتجة للغاز في الشرق الأوسط فقط، بل كذلك للاتحاد الأوروبي وأوراسيا التي تضم روسيا بوصفها منتجاً والصين بوصفها مستهلكاً.

 سرعان ما أصبح الغاز الطاقة المطلوبة للاتحاد الأوروبي، أكبر أسواق الغاز الناشئة في العالم.

اكتشافات مصادر الغاز الهائلة في «إسرائيل» وقطر وسورية بالإضافة إلى صعود الاتحاد الأوروبي كأكبر مستهلك محتمل للغاز الطبيعي، اجتمعت لإيجاد بذور الاصطدام الجيوسياسي الراهن على سورية. 

أنبوب غاز سورية ـ إيران ـ العراق

في تموز 2011، حين كانت عمليات زعزعة الاستقرار التي وضعتها دول الخليج والناتو لمواجهة الأسد في سورية في طور تحول كامل، وقّعت حكومات سورية والعراق وإيران اتفاقيةً تاريخيةً لإنشاء أنبوب لنقل الغاز لم يلاحظها الإعلام وسط تقارير ال CNN عن «الانتفاضة السورية». سيمتد أنبوب الغاز، الذي يفترض أن يكلف عشرة مليارات دولار ويحتاج ثلاثة أعوام لتنفيذه، من ميناء السلاويه قرب حقل غاز بارس الجنوبي في الخليج الفارسي، إلى دمشق في سورية عبر الأراضي العراقية.

 يعتقد أن بارس الجنوبي، الذي تكمن احتياطاته من الغاز في حقل هائل مقسوم بين إيران وقطر في الخليج، سيكون أكبر حقل غاز في العالم. سيكون أنبوب الغاز بحكم الأمر الواقع أنبوباً تتحكم به إيران عبر تحالفها مع الحكومة العراقية الحالية وصولاً إلى سورية الحليف التاريخي لإيران.

يضاف إلى الدراما الجيوسياسية حقيقة أن غاز بارس الجنوبي يتمدد في منتصف الحد الفاصل في الخليج بين إيران وقطر.

لا مصلحة لقطر في نجاح مشروع أنبوب غاز إيران العراق سورية، الذي سيكون مستقلاً بالكامل عن خطوط النقل التركية أو القطرية المتجهة نحو أسواق الاتحاد الأوروبي المفتوحة. إنها تقوم، في الحقيقة، بكل ما هو ممكن لتخريبه، وصولاً إلى تسليح مقاتلي «المعارضة» السورية المبعثرة، كثير منهم جهاديون أرسلوا من بلدان أخرى من بينها السعودية وباكستان وليبيا.

يضاف أيضاً إلى تصميم قطر على تدمير التعاون الإيراني السوري العراقي المتعلق بالغاز اكتشاف شركات الاستكشاف السورية في آب 2011 حقل غاز ضخم جديد في قارة قرب الحدود مع لبنان وقرب الميناء البحري الذي تستأجره روسيا في طرطوس على شاطئ المتوسط. وفقاً لمصادر جزائرية مطلعة، يعتقد أن مكتشفات الغاز السورية الجديدة، على الرغم من أن حكومة دمشق قللت من شأنها، تساوي أو تفوق تلك المكتشفة في قطر.

وكما أشار بيب أسكوبار، محلل آسيا تايمز حسن الاطلاع، في مقال حديث، تدعو خطة قطر إلى تصدير احتياطاتها الهائلة من الغاز عبر خليج العقبة في الأردن، وهو بلد يهدد منه الإخوان المسلمون ديكتاتورية الملك. من الواضح أن أمير قطر اختصر اتفاقية مع الإخوان المسلمين يدعم فيها توسعهم الدولي مقابل معاهدة سلام في الوطن في قطر. سيغير نظام للإخوان المسلمين في الأردن، وفي سورية أيضاً، كامل الجغرافية السياسية لسوق الغاز العالمي فجأةً ولمصلحة قطر قطعاً وضد مصالح روسيا وإيران وسورية والعراق. وسيكون ذلك أيضاً ضربة قاصمة للصين.

وكما يشير إسكوبار، «من الجلي أن ما ترمي إليه قطر: القضاء على أنبوب غاز إيران العراق سورية بكلفة عشرة مليارات دولار، وهي صفقة حسمت أثناء حدوث «الانتفاضة السورية» ـ ستكون الأمور أكثر سهولة بلغة أنابيب نقل الطاقة. إن نظاماً للإخوان المسلمين، وهو مرجحٌ بقوة بعد النظام الحالي، سيكون أكثر ترحيباً بالأنبوب القطري. وسيجعل ذلك التوسع نحو تركيا أكثر سهولة».

ورطة الغاز «الإسرائيلية»

ما يزيد الصورة الكلية تعقيداً الاكتشاف الحديث لمصادر هائلة للغاز الطبيعي خارج الشواطئ «الإسرائيلية».

من المتوقع أن يبدأ حقل الغاز الطبيعي تمار الواقع على مبعدة من ساحل «إسرائيل» الشمالي بإنتاج الغاز للاستخدام «الإسرائيلي» في نهاية العام 2012. ما غير اللعبة كان اكتشافاً مفاجئاً أواخر العام 2010 لحقل غاز هائل خارج شاطئ «إسرائيل» يطلق عليه الجيولوجيون حوض الشرق أو الحوض المشرقي. في تشرين الأول 2010، اكتشفت «إسرائيل» حقلاً ضخماً «أكثر من عملاق» بعيداً عن الشاطئ فيما أطلقت عليه تسمية منطقة اقتصادية حصرية.

تبعد اللقية حوالي 84 ميلاً غرب مرفأ حيفا وعلى عمق ثلاثة أميال. أطلقوا عليه اسم اللويثان وهو وحش البحر التوراتي. أعلنت ثلاث شركات طاقة «إسرائيلية» بالتعاون مع شركة هوستون تكساس نوبل إنيرجي أن التقديرات الأولية لمخزون الحقل تعادل 16 تريليون قدم مكعب من الغاز ـ ما يجعله أكبر مستودع للغاز تحت الماء في العالم خلال عقد. ولتوضيح أبعاد الرقم، فإن حقل غاز واحد، اللويثان، يحتوي ما يكفي من الاحتياطات لتغطية حاجات «إسرائيل» من الغاز لمدة مائة عام.

اكتشفت نوبل إنيرجي شريك «إسرائيل» في الاستكشاف حقل تمار في حوض الشرق حوالي 50 ميلاً غرب مرفأ حيفا، الذي تقدر احتياطاته بـ 8.3 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي عالي الجودة. كان تمار أكبر اكتشافات الغاز في العام 2009.

في ذلك الوقت، قدرت احتياطات «إسرائيل» من الغاز بـ 1.5 تريليون قدم مكعب فقط. كانت التقديرات الحكومية أن حقل «إسرائيل» الوحيد العامل، يام تيثيس، الذي يزود «إسرائيل» بحوالي 70% من حاجتها سينضب في غضون ثلاث سنوات. أما مع تمار، فقد بدأت الإمكانيات أفضل بكثير. ثم بعد عام من تمار، حققت نوبل إنيرجي أكبر اكتشافات الغاز خلال عملها لعقود في حوض الشرق الجيولوجي. التقديرات الراهنة لمخزون حقل اللويثان هي 17 تريليون قدم مكعب من الغاز غلى الأقل. في غضون أشهر، تحولت «إسرائيل» من المجاعة إلى الوفرة بالنسبة إلى الغاز.

تواجه «إسرائيل» حالياً ورطة استراتيجية بالغة الخطورة. إذ إنها ليست شديدة الحماس لرؤية سورية، المرتبطة بقوس إيران العراق لبنان المعادي لـ«إسرائيل»، تخرج صادرات الغاز «الإسرائيلي» إلى أسواق الاتحاد الأوروبي من المنافسة. 

يدعم البيت الأبيض والخارجية الأمريكية صراحةً نظام الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط. فقد كان لقاء كلينتون وداود أوغلو في آب من هذا العام يهدف كما قيل إلى دفع تركيا لتسريع تدخلها العسكري في سورية.

اتهم عدة ممثلين جمهوريين في الكونغرس هوما أبدين، رئيس موظفي نائب وزير الخاجية، بارتباطات مع منظمات يسيطر عليها الإخوان المسلمون. كذلك ترتبط داليا مجاهد، التي عينها أوباما في المجلس الاستشاري للشراكات القائمة على الإيمان والجوار، وعضو المجلس الاستشاري لوزارة الأمن الداخلي، علناً بالإخوان المسلمين. يبدو من دون ريب أن واشنطن أوباما ستدعم حصان الإخوان المسلمين في سباق السيطرة على الغاز المتدفق في الشرق الأوسط. 

الدور الروسي

تمشي واشنطن على حبل مؤقتاً بأمل إضعاف سورية بينما لا تبدو متدخلةً على نحو مباشر. وتلعب روسيا من جانبها لعبة موت أو حياة من أجل مستقبل رافعتها الجيوسياسية الأكثر تأثيراً ـ دورها كمزود رائد للاتحاد الأوروبي بالغاز الطبيعي. فقد بدأت هذا العام شركة غازبروم التي تملكها الدولة الروسية بنقل الغاز الروسي إلى شمال ألمانيا عبر أنبوب الغاز نورد ستريم الذي يمر تحت بحر البلطيق من ميناء قرب بطرسبرغ. ما هو حيوي بالنسبة لمستقبل الدور الروسي كمزود للاتحاد الأوروبي بالغاز، هو قدرة روسيا على لعب دور استراتيجي في استغلال موارد الغاز المكتشفة حديثاً في سورية. انشغلت موسكو منذ زمن بالترويج لأنبوب الغاز ساوث ستريم في أوروبا كبديل لخط أنابيب واشنطن نابوكو المصمم لجعل موسكو منبوذة.

تعد غاز بروم مزود الاتحاد الأوروبي الأكبر بالغاز الطبيعي. وهي تخطط بخط أنابيب نورد ستريم والخطوط الأخرى لزيادة إمدادها لأوروبا بالغاز هذا العام بنسبة 12 بالمائة إلى 155 مليار متر مكعب. وهي تتحكم حالياً بـ 25 بالمائة من كامل سوق الغاز الأوروبي وتهدف إلى بلوغ نسبة 30 بالمائة مع إكمال ساوث ستريم ومشاريع أخرى.

المعركة المتواصلة بين ساوث ستريم الروسي ونابوكو الذي تدعمه واشنطن هي معركة جيوسياسية إلى أبعد الحدود. سيحوز الرابح أفضلية كبرى في التضاريس السياسية لأوروبا المستقبل.

ظهر الآن خيار رئيسٌ جديد هو سورية بوصفها سبباً رئيساً لتدفق الغاز إلى أوروبا بإدارة روسيا. إذا نجت سورية، ستكون روسيا في موقع منقذ سيلعب دوراً حاسماً في تطوير الغاز السوري واستغلاله. أما تركيا، وهي منغمسة حالياً في معركة داخلية بين داود أوغلو والرئيس غول من جهة وأردوغان من جهة أخرى، فإنها تعتمد على غازبروم لتزويد صناعتها بنحو 40 بالمائة من الغاز الذي تحتاجه. وفي حال هزيمة داود أوغلو وفصيله، تستطيع تركيا لعب دور بناء أكثر في المنطقة كبلد عبور للغاز السوري والإيراني.

تقع معركة السيطرة على سورية في المستقبل في القلب من هذه الحرب الجيوسياسية الهائلة وهذا الصراع العنيف. سيكون لحلها عواقب هائلة: إما سلام عالمي أو حرب ونزاع ومذبحة لا نهاية لها. تلعب تركيا، العضو في الناتو، بالنار وكذلك أمير قطر، إلى جانب نتنياهو وعضوي الناتو فرنسا وأمريكا. الغاز الطبيعي هو مكون سريع الاشتعال يغذي هذا المزيج المجنون من أجل الطاقة في المنطقة.

10 تشرين الأول 2012

* ف. وليام انغدال مؤلف كتاب «أساطير وأكاذيب وحروب النفط». يمكن التواصل معه على العنوان الإلكتروني: 

www.williamengdahl.com