عوني صادق عوني صادق

الفلسطينيون وسؤال البيضة والدجاجة

يوم الثلاثاء، الموافق للخامس عشر من شهر آذار/ مارس الجاري، خرج الفلسطينيون في مظاهرات حاشدة في رام الله وغزة رافعين شعار «الشعب يريد إنهاء الانقسام». قيل إنه كان  هناك اتفاق بأن لا يرفع في المظاهرات إلا علم فلسطين، لكن حركة (حماس) لم تلتزم بالاتفاق ورفعت علمها الخاص فكانت النتيجة أن انقسم المتظاهرون. وبدلاً من أن تكون هذه المظاهرات تأكيدا على الوحدة المطلوبة، كانت تأكيدا على الانقسام.

 

لقد سبق تلك المظاهرات جدل حول الشعار الذي يجب أن يرفعه المتظاهرون: «الشعب يريد إنهاء الاحتلال» أو «الشعب يريد إنهاء الانقسام»، ووجد الفلسطينيون أنفسهم أمام السؤال القديم جداً: أيهما أسبق: البيضة أم الدجاجة؟ بعد أخذ ورد، تقرر رفع الشعارين، وبدا كأن المشكلة قد حلت. كان ذلك نظرياً، أما عملياً فظلت الأمور كما كانت، وظل الانقسام حاضراً.

من الواضح أن ما يقرر أي الشعارين له الأولوية لا يجب أن يعود إلى المزاج، بل يجب أن يعود إلى اعتبارات موضوعية تفرض أولاً، اكتشاف أصل المشكلة ومن ثم الفروع، ثم ثانياً، اكتشاف أسباب المشكلة، وثالثاً، يأتي التفكير في طرق الحل. وهو ما سنحاول إلقاء الضوء عليه باختصار. وسلفاً نقول قد نكتشف، بعد قليل، أن الشعار الصحيح الذي يبدو أن على المتظاهرين الفلسطينيين أن يرفعوه ليس أيا من الشعارين المذكورين، بل هو شعار ثالث.

لو بدأنا بشعار «الشعب يريد إنهاء الانقسام»، نكون قد افترضنا أن المشكلة تتمثل في حالة الانقسام القائمة، وأنه لتفكيك هذه المشكلة لا بد من مواجهة الأسئلة التالية: لماذا كان الانقسام، وما هي أسبابه؟ ثم، كيف يمكن التخلص من تلك الأسباب، وبالتالي التخلص من الانقسام؟

بداية نعرف جميعاً أن الانقسام في الساحة الفلسطينية جاء نتيجة لاختلاف المواقف من «اتفاق أوسلو»، ويذكر أن حركة (حماس) كانت قد رفضته، وما زالت تقول إنها ترفضه. ويرى البعض أنه عندما قررت حركة حماس أن تشارك في الانتخابات التشريعية، ثم في «حكومة الوحدة الوطنية» التي أفرزتها تلك الانتخابات، كانت في الحقيقة تؤسس لانقسام آخر من نوع جديد. وهؤلاء يقولون: لم تكن مشاركة حركة (حماس) في الانتخابات والحكومة تجاوزاً لحالة الانقسام التي أنتجها «اتفاق أوسلو»، كما يرى أنصارها، بل كان تجاوزاً لحالة الرفض التي كانت عبرت عنها تجاه الاتفاق، وصولا إلى «توافق» مع حركة (فتح) على «تقاسم» سلطة وهمية، في ظل اتفاق كان الهدف الأساسي منه تقسيم الشعب الفلسطيني وإلهاءه، وشراء الوقت لتنفيذ ما عجز الكيان الصهيوني عن تنفيذه من مخططه التوسعي بعد 1967. هذا «التجاوز» من جانب حركة (حماس) لاتفاق أوسلو، ثم «التوافق» مع حركة (فتح) على «تقاسم السلطة»، أديا إلى تحويل الصراع بين الحركة الوطنية الفلسطينية وبين الكيان الصهيوني وقوات الاحتلال، إلى صراع بين الحركتين على السلطة، وهو ما غيب الشعب، وأخرج القضية الوطنية والمقاومة، ومعهما «الاحتلال» من الصورة، وجعل المشهد صراعاً بين الفلسطينيين، وسمح للقيادات الصهيونية بالتبجح والقول بضرورة «توحيد» الموقف الفلسطيني لإنجاح جهود التوصل إلى تسوية!

الصراع على السلطة أكد وعمق الانقسام، ورفعه إلى الدرجة الثانية، وكان لا بد أن يفرز جدلاً وهمياً مضللاً جوهره «حل خلافات هذا الصراع على السلطة» بعد تغييب الصراع مع الاحتلال، فكانت جولات «الحوار الوطني» الذي لم تكن له من وظيفة غير الإلهاء والتمويه وطمس حقيقة ما يجري. هذا الحوار، رأى ويرى الكثيرون أنه سيظل محكوماً عليه بالفشل، وهم يتساءلون: كيف يمكن أن يقوم «حوار وطني» على أسس غير وطنية، ويشيرون في هذا الصدد إلى ما ينص عليه اتفاق أوسلو من وجود «تنسيق أمني» بين السلطة الفلسطينية والعدو الصهيوني. ويضيفون: كيف يمكن أن يتوصل المتحاورون إلى اتفاق ما دامت سلطة رام الله تتمسك بهذا التنسيق، ولا تقبله سلطة غزة؟ وهل يكون اتفاقاً وطنياً إذا قبلته السلطتان حسب إطار أوسلو ؟

إذن، لن يكون خطأً القول إن أسباب الانقسام الفلسطيني الراهن كانت، وما زالت، تتلخص في سببين: اتفاق أوسلو، والصراع على السلطة. ويبقى السؤال: كيف الخلاص من هذين السببين؟ نظرياً، يؤدي إسقاط الاتفاق إلى إلغاء النتائج المترتبة عليه، وأولها السلطة في رام الله، وهو ما يفتح الباب على مشاكل جديدة. مثلاً، كيف تتم مواجهة تداعيات سقوط السلطة؟ وماذا عن سلطة غزة؟ الداعون إلى إسقاط اتفاق أوسلو يقولون: هذه تساؤلات سابقة لأوانها، علينا أن نسقط أولاً اتفاق أوسلو ثم نرى كيف نواجه تداعياته. والحقيقة هي أن ما تبين من التجربة الطويلة منذ التوقيع على اتفاق أوسلو يؤكد أنه لا يمكن إنهاء الانقسام، أو التوجه لإنهاء الاحتلال، قبل إسقاط الاتفاق. ويقول دعاة إسقاط الاتفاق إن إسقاطه هو الذي سينهي الصراع على السلطة، وسينهي معه الانقسام، وسيحقق الوحدة الوطنية التي ستسمح بتوجيه كل قوى الشعب وإمكانياته لمواجهة الاحتلال، حيث يصبح إنهاؤه ممكناً. ويضيفون: إنه مهما كانت نتائج إسقاط اتفاق أوسلو مربكة، فإن الوضع، على الأقل، سيظهر على صورته الحقيقية دونما تزويق أو تزوير، وسيعيد القضية إلى واقعها المعاش: الشعب وقواه الوطنية في مواجهة الاحتلال.

الجدل سيستمر وسيظل الاختلاف حول أيهما أسبق، البيضة أم الدجاجة، قائماً حتى يسقط أوسلو. لذلك فإن منطق الأمور يفترض أن يكون شعار المتظاهرين الفلسطينيين: «الشعب يريد إسقاط أوسلو».

آخر تعديل على الإثنين, 16 أيار 2016 13:39