ليبيا من عربية بطاغية إلى مشيخة نفطية أخرى..

ليس جديداً التأكيد مرة أخرى أن الثورات «قاطرات التاريخ»، وأن الثورة المضادة تقوم بهجومها المضاد. أمس أعلنت الذئبة المفجوعة هيلاري كلينتون من الدوحة، بأن البيت الأبيض يعلن قريباً سياسته في «الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» والسؤال: بأي حق لأمريكا «سياسة ومصالح» هنا ولماذا تُعلن أمريكا سياستها في ما تسميه الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وهي سياسة استعمارية عدوانية بالمطلق؟ كم منا ينتفض جسده حين يسمع هذه العبارة التي تعني بقصد أن المنطقة مزرعة لأمريكا! ليس شرطاً أن تكون قومياً أو شيوعياً، ولكن ليس من حقك أن لا تكون وطنياً!

الإجابة الأولية أن أمريكا  تعلن ذلك من هنا لأسباب منها «الاختراق فالتطبيع» لأن لها فيالق ممن جرى اختراقهم وسقطوا في التطبيع، فصاروا جنوداً محليين لها، ولذا عليها تحريكهم لمواجهة الثورة/ات. ولنا في الاختراق حديث طويل قادم.

من لم يرَ ولم يقرأ أن السلاح استعمل في ليبيا منذ اليوم الأول للتحرك الشعبي، هو كمن «لا يدري ولا يدري أنه لا يدري" وأضيف من عندي، «بأنه لا يريد أن يدري»! ومن لا يفصل بين النظام والوطن وبين حق الشعب في مطلق قطر عربي في تغيير ثوري، لا تغيير سلفي غربي صهيوني، تغييراً لكل شيء حتى التاريخ المقبل، من لا يفصل بين هذا وبين ما يريده العدو الخارجي وعملائه عليه أن يحاول التفكير.

منذ الأيام الأولى لأحداث ليبيا، كتبنا في هذه النشرة أن لا أفق لدور إفريقي ولا عربي في ليبيا، وكان ذلك قبيل اتضاح حضور السلاح قبل حضور الشباب أو بالتوازي معه.

إن حصول ثورة شعبية وبالسلاح في ليبيا وفي كل قطر عربي، هو أمنية تاريخية قومية وطبقية كذلك. ولكن السؤال هو وجوب قراءة ما يتم، وما هو مصدر/ مصادر التسليح وإلى من؟ فالثورة الشعبية مسلحة أو سلمية تفترض الاستعداد الكفاحي سواء بحرب المدن، وحرب الشوارع، وتفكيك مفاصل الدولة القُطرية، والإضراب العام والعصيان المدني وحرب الغوار وإبداعات أخرى. بيت القصيد أن الثورة هي من أجل التغيير، تغيير الدولة، وليس من أجل الحلول محل السلطة. على الأقل، هذا هو الفهم الاشتراكي  للثورة.

يرفض الكثيرون رؤية ما يُنشر عن ارتباطات المعارضة الليبية بالولايات المتحدة وفرنسا ومختلف بلدان الغرب حتى الدنمارك والنرويج وربما الفاتيكان، وكله رأسمالي. ويكفي من يرفض أن يرى، أنه يرفض! ولا شك انه يغرق في متعة ظلال الراية الأميركية ترفرف بين أيدي شباب يثيرون الحزن. ألا يوضح هذا الفارق بين ثورة شعبية من الداخل تغير النظام والدولة وبين استدعاء الاستعمار! من لم يفهم من المشهد العراقي... لن يفهم، الغرب والكيان يفهمان!

منذ أيامها الأولى لأحداث ليبيا كتبنا أن إفريقيا والعرب غير قادرين على لعب دور في ليبيا. والآن نؤكد أن إفريقيا والعرب يتم استخدامهم للعب دور لمصلحة السيد الإمبريالي في ليبيا.

لا يوجد جسم حتى دبلوماسي متماسك اسمه إفريقيا، ويكفي الاتحاد الإفريقي هَزَلاً وهزالاً أن مليكه هو القذافي الذي كان ينفق على الأنظمة هناك محولاً ليبيا إلى دولة/ منظمة أنجزة! فإفريقيا لم تخرج من الاستعمار، وهذا تحدٍ مجدد لمنظِّري ما بعد الاستعمار، هذه المابعدية الغيبية التي لم تحصل. باستثناء ساحل العاج وليبيا والسودان وزيمبابوي وأريتريا، فإن جميع دول إفريقيا، يُقال إنها تفوق الخمسين، إما فيها قواعد للمركز الإمبريالي، أو علاقات عسكرية أو تجري مناورات مشتركة... الخ مع الغرب. إن وحدة عسكرية غربية صغيرة، فرنسية تحديداً، كما في ساحل العاج كافية لاحتلال قصر الرئاسة في ابيدجان! هل هذه دول؟ وها قد سقطت ليبيا وساحل العاج واقتطع جنوب السودان! هل يفهم المطبعون ودُعاة عودة الاستعمار ما معنى هذا؟ لا ، لن يفهموا! نعم سيدي/ سيدتي: التطبيع يسري في دمكَِ

إفريقيا منطقة نفوذ اقتصادي لغيلان الغرب من فرنسا إلى الولايات المتحدة فبلجيكا فإيطاليا حتى الصين وروسيا. فهل هذه قارة سوى بالمعنى الجغرافي؟

هناك وساطة إفريقية اليوم، ولكنها بعد أن أخذت إذن الدخول من حاكم ليبيا وهو سلاح الجو الأطلسي؟ إذن، قرر الغرب تحريك هؤلاء للوساطة ضمن إطار يحدده هو!

أما جامعة الدول العربية، فكانت الأسرع في تنفيذ إرادة الغرب الرأسمالي، فهي التي نفذت الطلب سريعاً، بأن تستدعي الغرب لاحتلال ليبيا. كم واحد/ة منا تنبه أن عمرو موسى باع ليبيا لتسمح له الولايات المتحدة بوصول كرسي الرئاسة في مصر نصف الثائرة! ألم يكن الصمت بالنسبة للجامعة العربية هو أروع ما يُقال! لا لشيء إلا على الأقل لأن ليس بمقدورها فعل أي شيء. فالوضع الطبيعي في حالة ليبيا أن تحل مصر الأمر لو كانت مصر هي مصر. ستصبح وهذا ما نتمناه.

ليبيا خاصرة مصر كمركز الوطن العربي ويجب أن تكون إما جزءاً من مصر أو ضمن مداها الحيوي النظيف والمضمون. كان نظام مبارك على علاقة «سلمية» مع خاصرتي مصر، أي مع الكيان ومع ليبيا، لذا لم تكن مصر مصراً.  بينما كانت مصر منذ «تحتمس» حتى عبد الناصر ترى ليبيا وبلاد الشام والسودان مدياتها الحيوية. ومصر اليوم، ما تزال مباركية في الكثير. فالجيش بقيادة أمريكية، يعمل كشركة اقتصادية «شركة الجيش»، ورأس المال في مصر ما زال يحكم. كم منا يحاول قراءة معنى أن يحكم في مصر رأس المال الطفيلي والكمبرادوري، بل في كل الوطن العربي؟ وما معنى أية ثورة إن لم تُطل رأس رأس المال هذا، وليس رأس النظام وأولاده وكأن من هدم مصر هذا الرجل ونجلاه... فقط!

ولأن الجامعة العربية هذه حالها، قادتها قطر والسعودية وبرزت الإمارات كـ«سيف الغرب المسلول»! ولم يبق إلا أن ترسل سلطة أوسلو- ستان بعض الطيارين. ألم ترسل يوم حريق غابات الكرمل رجال إطفاء رفض الكيان تكريمهم؟ لا بأس سيقول المطبعون: ليتنا معهم فقد رأوا حيفا!!! نعم لكل خطيئة مبرروها.

إدارة سداسية لضياع ليبيا

الفريق الأول: خلال أربعة عقود جهز العقيد بلاده للتفكك، وقد تكون قمة المأساة أن التفاوض الآن ليس مع «شيء» اسمه النظام الليبي بل مع أسرة العقيد!

الفريق الثاني: وخلال أربعة عقود أنشأت الإمبريالية معارضة ليبية من طراز المعارضة العراقية: أعطونا السلطة وخذوا ليبيا. ظاهرة «التعاقد» هذه موجودة ولو دفينة في مختلف القطريات العربية التي بُنيت منذ 1916، أما في العقود الأخيرة فقد بدأت تُعلَن؟ أليس الاعتراف بالكيان اخطر التعاقدات!

الفريق الثالث: الغرب الرأسمالي وهو واسطة العقد.

الفريق الرابع: جامعة الدول العربية، الموافقون على استدعاء العدو والرافضون، لأنهم بقوا في هذه الجامعة!

الفريق الخامس: الكيان الصهيوني

الفريق السادس: مثقفو الاختراق والتطبيع.

ما نتيجة هذا كله ولمصلحة من؟ لمصلحة الغرب تماماً. فما يتم الآن من:

• تخفيف الضغط على قوات القذافي

• صراخ الـ«ثوار» بعد تعب أيديهم من حمل الرايات،

• إرسال الوسطاء،

هذا يشير إلى أن الغرب يدرس الأمور بكل الراحة، لا تعجُّل لديه، سوف يهندسها ويعيد هندستها من أجل أمر واحد: كل ليبيا لنا، كيف نتقاسم الكعكة!

قد يقول البعض بأن ليبيا سوف تقسَّم إلى محميتين أو ثلاث. ربما. ولكن حتى لو لم تُقسَّم، فإن ليبيا قد انتهت. لن يكون في ليبيا حاكم عربي، بل سيُنصَّب عليها من يحكم بإرادة الأنظمة الغربية، بل حتى الشركات النفطية. نموذج آخر لمحميات الخليج، وأبعد. ليبيا المغدورة ستقوم بدور لمشاغلة مصر الجديدة، إن تواصلت الثورة، لتخفيف ضغط مصر على الكيان!

12 نيسان 2011

■  عن نشرة كنعان الالكترونية