لماذا «يقلق» بان كي مون؟
علاء أبوفراج علاء أبوفراج

لماذا «يقلق» بان كي مون؟

تبدو التصريحات ذات الطابع الدبلوماسي «غير مفهومة»- أو «غير مجدية» للكثيرين، خصوصاً تلك التي تصدر عن الأمم المتحدة، من شاكلة «الإعراب عن كذا أو كذا.. بخصوص حدث ما..».

غالباً ما تظهر تلك العبارات وكأنها «خارج السياق»، وأدنى من «المستوى المطلوب». وفيما شغلت السخرية الحيز الأكبر من ردود الفعل، نالت المفردات التي يراها البعض غير كافية، كـ«التأكيد، والقلق، والرفض، والترحيب»، الحصة الأكبر من هذه السخرية.
في الواقع، إن التوازنات الدولية بين القوى الكبرى هي العامل الحاسم في حل القضايا الدولية فعلياً. أما الأمم المتحدة، فما هي إلا تلك الواجهة التي تعلن بواسطتها مخرجات هذه التوازنات. إذ توضع القرارات والتصريحات الصادرة عن الأمم المتحدة على «ميزان الذهب»، لتخرج متوافقة مع التوازن الدولي السائد.
السياسات بحسب المرحلة
بالنظر إلى دور الأمم المتحدة، المنحصرة حدوده في أداء هذه المهمة، من الممكن تلمس أدوارً متناقضة لعبتها المنظمة على مر السنوات. ففي 16/2/1946، كان الاتحاد السوفيتي قادراً، على سبيل المثال، أن يفرض صدور قرار استقلال سورية، دون أن يبقى جندي فرنسي واحد على أرضها. إلا الأمور اختلفت بعد تفكك المعسكر السوفييتي، وسيادة القطب الإمبريالي الأمريكي، الذي استخدم منبر الأمم المتحدة ذاته، ليغطي حروبه التي شنها ضد دول ذات سيادة، والتي كان آخرها القرار «1973» الذي نص على فرض حظر جوي فوق ليبيا في عام 2011، وقبل ذلك الحرب الكورية، وحرب الخليج الأولى، وحرب الكونغو. إلخ.
نشهد اليوم تحولاً كبيراً في الميزان الدولي، وعنوانه العريض: «عالم متعدد الأقطاب». حيث كان يجري في السنوات الخمس الماضية التحول من عالم يحكمه قطب إمبريالي واحد، إلى عالم متعدد الأقطاب، يبرز فيه وزن ودور كل من روسيا والصين كقطب جديد. إذ شهدنا فترة كانت فيها محصلة التوازن الدولي صفرية، والتي تعني عدم قدرة أي من الدول العظمى فرض إرادتها بالمطلق في معظم القضايا الدولية، وهذا يعني بالضرورة ردع الدول الأخرى المنافسة من فرض إرادتها المطلقة أيضاً.
في هذه الفترة بالذات، أي فترة التوازن الصفري، بدأ الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، بان كي مون، «يشعر بالقلق»، فلم تعد محصلة القوى الدولية تسمح باتخاذ قرارات حاسمة في القضايا الدولية العالقة. وبالتالي، انخفض تأثير وفاعلية الدور الوظيفي السابق للأمم المتحدة خلال مرحلة الهيمنة الأمريكية، وبدأت بالتكون معالم دور وظيفي جديد مستمد من التوازن الجديد.
إعادة هيكلة.. وتأريض
مع ترسخ الميزان الدولي الجديد أكثر فأكثر، وميله المتجه خلافاً للمصالح الأمريكية، أصبحت آثاره سهلة الرصد نسبياً، في حين بدا أن نشاطاً وفاعلية من نوع مختلف يطفوان داخل أروقة المنظمة الدولية وعلى ألسنة مسؤوليها ومبعوثيها، الذين باتوا يدعون لاجتماعات ولجان.. إلخ.
وهذا يعني أن مهمة إعادة هيكلة منظمات دولية قديمة باتت تنفتح كخيار متاح أمام القطب الصاعد، فيما سيجري تقزيم أدوار منظمات دولية أخرى تجذرت في تمثيل المصالح الأمريكية.
من خلال العديد من التصريحات، أكد القطب الصاعد ضرورة «الحفاظ على الأمم المتحدة»، بوصفها أداة ضرورية في المرحلة المقبلة، ولكنها، قد تحتاج لإعادة هيكلة كتلك التي خضعت لها «عصبة الأمم» في مرحلة تاريخية محددة. وعلى الأغلب، سيعمل القطب نفسه جاهداً على تأريض دور منظمات أخرى، مثل صندوق النقد الدولي، الذي لم يعد وجوده- بدوره الوظيفي الحالي- مبرراً، بعد التغيرات الكبيرة التي تجري في الأوزان الدولية.