تأجيل انعقاد المجلس الوطني.. أسئلة تنتظر الإجابة

تأجيل انعقاد المجلس الوطني.. أسئلة تنتظر الإجابة

جاء المؤتمر الصحفي لرئيس «المجلس الوطني الفلسطيني»، سليم الزعنون، حاملاً للشعب الفلسطيني القرار الإيجابي بتأجيل انعقاد الدورة الاستثنائية- التي كانت وراء طرحها مؤسسة رئاسة سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود، وجوقة من «الكومبارس» الذين توزعت مواقعهم ما بين فصائل «توابع الرئاسة»، وكتاب أعمدة صحفية، ومحللين، وباحثين يدورون في فلك «الرئاسة». 

 

إذا كان الإعلان عن التأجيل متوقعاً، فإن المستهجن كان ما يردده، ويصر عليه، لما قبل التأجيل بيوم واحد، أحد أبرز قيادات «فتح» والمنظمة- المكلَّف بتوجيه الاستدعاءات لحضور جلسة المجلس- بأن «التحضيرات جارية، وسيعقد المجلس دورته بمن حضر»، بلهجة من التهكم والاستخفاف بقوى سياسية، تاريخية، مناضلة.

استدعاء بواسطة الابتزاز

لم تستمر طويلاً زوبعة الغبار التي أثارتها حملة الاستقالات الملتبسة من عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، كأعضاء «النصف+ الرئيس»، من خلال تمرير الدعوة، عبر التفسير المجتزأ للمادة 14/ج من النظام الأساسي للمنظمة، واستخدامه بشكلٍ تضليلي لخدمة دوافع الدعوة، والتي تتطلب لتصبح نافذة، انعقاد دورة للمجلس، أرادها البعض استثنائية والآخر عادية، رغم ما يشوب الأولى من محاذير وخروج عن النظام الأساسي. 

ومع مرور عقدين من الزمن، مع ما حملهما من عدوان وحروب ومجازر دموية على الشعب الفلسطيني، وما تعيشه الساحة السياسية والتنظيمية من انقسام واصطفاف حول قطبي الأزمة، وارتهان لقوى فاعلة في الإقليم، لم يحرك السكون المطبق على تلك المؤسسات واللجان المرتبطة أو المنبثقة عن المنظمة والسلطة والحركة القائدة- كما هو قائم في شخص رئيسها- من أجل دعوة المجلس الوطني للانعقاد!. لهذا كان لافتاً لعدة قوى سياسية وتيارات جماهيرية واسعة، ولنظر العديد من المراقبين توقيت تلك «الحركة الرئاسية وامتداداتها الفصائلية» في تحريك اللجنة التنفيذية، من خلال الاستقالات وما يرتبط بها من دعوة لعقد جلسة للمجلس الوطني.

عوامل دفعت للتأجيل

بقرار التأجيل، يكون نهج «الفهلوية والشطارة والرعونة والتفرد» قد سقط في هذه المرحلة، ومن أجل عدم عودته للحياة مرة أخرى- وهذا مشكوك به!- فإن مواقف متجذرة وصلبة يجب أن تبادر لها وتتمسك بها القوى السياسية المناضلة والمقاتلة، المتناغمة والمؤتلفة مع تيار واسع داخل الشعب الفلسطيني- عابر للفصائل، أيضاً- بدأ يسجل حضوره في أكثر من مناسبة سياسية وميدانية، ويرفض رهانات القوى النافذة، على المفاوضات و«السلام الاقتصادي» ويندد بشدة بأشكال التنسيق مع العدو كلها، خصوصاً الأمني والمعلوماتي، هذه الكتلة الشعبية والسياسية الواضحة، تُقْدم على طرحها، شعبياً، قوى أساسية، فاعلة ومؤثرة- كـ«الجبهة الشعبية»- مدعومة بتحرك جماهيري واسع عبّر عنه بيان الألف توقيع، الداعي لانعقاد مجلس وطني وحدوي، بمواصفاتٍ توافقية وبمشتركات جماعية لا تستثني أحداً، خارج القطبية والثنائية والتفرد، وحول برنامج مقاوم، ومستنداً على حراك واسع داخل حركة «فتح»، قادته شخصيات ذات ثقل داخلي- قرأت الدعوة وإعادة التعيينات المقبلة، من زوايا شخصية وتنظيمية وسياسية، رأت فيها إعادة ترتيب لمواقع لا وجود لها فيها- وبدعمٍ من قوى شبابية داخل التنظيم في الجامعات وفي الكتائب المسلحة.

ذلك كله أدى، على الصعيد الوطني/ المحلي، للذهاب نحو التأجيل، خاصة، أنه ترافق مع أجواء ووجهات نظر- تقرأ: ضغوطات- مارستها عواصم إقليمية ذات وزن وتأثير متفاوت على أكثر من صعيد: مالي، وسياسي، وجيواستراتيجي. إقليمياً: الدوحة، عمّان، القاهرة، ودولياً: الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.

عن الممثل الشرعي

يبرز، في خضم تلك الاهتزازات التي شهدتها الساحة السياسية الفلسطينية على مدى الأسابيع الأخيرة، خاصة مع اعتماد قرار التأجيل، دور مؤسسة الرئاسة في تمرير القرار واعتماده. فمن المؤكد أن رئيس السلطة، قرأ تداعيات الدعوة وملابساتها، وردود الفعل عليها، بدءاً من الدائرة الدولية إلى الإقليمية، وصولاً للمحلية. خصوصاً، أن صعوده لمنبر هيئة الأمم المتحدة بعد أيام قليلة، كممثل للشعب الفلسطيني «منظمة وسلطة» وهو يعاني- في حال التأم المجلس بصفته التمثيلية الناقصة- من تشققات في الجسد السياسي، ناهيك عن التمزقات في الجغرافيا الفلسطينية، سيضعف من وزنه السياسي. إن من يريد أن يتحدث باسم الشعب والقضية من على أهم منصة دولية يجب أن يكون الشعب بغالبية قواه، متحد خلفه. 

إن وصول المؤسسة للقناعة بصوابية تأجيل الانعقاد، لموعد يحدد بموعد أقصاه ثلاثة أشهر، قد استجاب للحالة الداخلية في «فتح»، ولرفض قوى مؤسسة للمنظمة (الجبهة الشعبية، والجبهة الشعبية- القيادة العامة، ومنظمة طلائع حرب التحرير الشعبية- الصاعقة)، وحركتين أساسيتين في الواقع السياسي والقتالي الميداني (الجهاد الإسلامي وحماس)، ولمئات الأعضاء في المجلس، ولآلاف عدة من النشطاء والأكاديميين وصنّاع الرأي العام، المطالبين بضرورة العمل على صياغة رؤية وطنية مشتركة لمجالات النضال الوطني ومؤسساته كافة، بعد عقود من الشلل والتهميش- سياسة رسمية لإعادة صياغة الولاء- لهيئات ونقابات (الاتحادات والمؤسسات الشعبية)، ناهيك عن الخروج، من اللغو الموسمي والثرثرة المتكررة التي نجدها في الخطاب والبيان، عن إعادة تفعيل منظمة التحرير وإحياء دورها!

لتبادر قوى المقاومة للفعل المباشر

إن المواقف الانتظارية التي يسعى البعض لإبقاء السياسة الفلسطينية أسيرة لها، انسجاماً وتماهياً مع نهج «المفاوضات حياة» و«التنسيق الأمني المقدس» و«السلام الاقتصادي.. المزيف»، بما أشاعه من أوهام كاذبة عن «الرفاهية والتنمية» من خلال قروض بنكية، جعلت، ليس دخل مئات الآلاف من المواطنين، رهناً للبنوك فحسب، بل حياتهم بكاملها، مما وفر بيئة استهلاكية، رخوة، شكلت عوامل إضعاف للتحركات النضالية الوطنية أو المطلبية.

إن إصرار البعض على دعوة الإطار القيادي المؤقت للاجتماع، على افتراض قدرته على انتشال الحالة المحزنة للمنظمة ومؤسساتها، هو نوع من التمنيات، لأن إحياء وتفعيل ذلك الإطار، يتطلب توسعته، بإشراك قيادات من التحرك الشبابي الميداني المستقل، في القدس والضفة وغزة، ومن نشطاء التجمعات في مناطق اللجوء والاغتراب، وفتح الملفات الأساسية الراهنة بعد ممارسة النقد للمرحلة السابقة من أجل رسم خطة طريق، تشاركية، تلزم كل الأطراف التي تشارك في صياغتها ورسمها، من خلال الاتفاق على عدد أعضاء المجلس الحالي ودعوتهم لعقد آخر دورة له، تمهيداً لإقرار آلية جديدة لتشكيل المجلس الجديد.