عندما «تلوي» السلطة الفلسطينية ذراع الاحتلال
لم تتعلم السلطة الفلسطينية من درس نهاية السنة الماضية..! بعدما رمى «المجتمع الدولي» بآمالها المتضعضعة من نافذة مجلس الأمن، تأمل سلطة «أوسلو» أن يفتح الباب لها مجدداً بعدما قدمت إذعانات جديدة في بنود المبادرة المقدَّمة.
هكذا، «يتعهد» رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بالعودة إلى مجلس الأمن الدولي لتقديم مشروع قرار الاعتراف بدولة فلسطين، وإنهاء الاحتلال الصهيوني للأراضي المحتلة عام 1967. فمن دون سقف زمني، وفي استهتار واضح برسائل باقي فصائل المقاومة الفلسطينية الداعية إلى وقف نهج التنازلات لدى السلطة الفلسطينية، يعلن أبو مازن: «مستمرون في الذهاب إلى مجلس الأمن حتى يعترف بحقوقنا كاملة. ومصممون على الانضمام للهيئات الدولية رغم الضغوط».
في حديث عباس عن «ضغوطٍ» تتعرض لها السلطة في سعيها الأخير للانضمام إلى «محكمة الجنايات الدولية»، يريد الرجل تصوير الأمر وكأن فرائص الكيان باتت ترتعد من شدة الهلع. في وقت لم تر فيه «إسرائيل» ضيراً في تحدي «الشرعية الدولية» عندما زاوجت في تصريحات "قادتها" بين رفضها المطلق مثول جنودها أمام المحكمة الجنائية الدولية، وبين التلويح إلى محاكمة أبو مازن نفسه بتهمة «الشراكة مع حماس»!
لا تنام السلطة على ضيم؛ بعدما أخذت حكومة العدو قرارها بـ«فرك أذن» السلطة الفلسطينية عبر تجميد تحويل عائدات الضرائب للسلطة، والبالغة 127 مليون دولار شهرياً، فتأهب كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، إلى ليّ ذراع العدو بجسارة، مهدداً حكومة الكيان الغاصب باحتمال دعوة السلطة الفلسطينية رئيسَ حكومة الكيان، بنيامين نتنياهو، إلى «تحمل المسؤولية الكاملة عن الأراضي المحتلة». بكلمة أخرى، تهدِّد السلطةُ الفلسطينية كيانَ العدو بحلِّ نفسها وتسليمه كامل «مسؤولياتها»! حيث أن عريقات- المفجوع لأن «المجتمع «الإسرائيلي» لا يرانا، بعد أن نجح نتنياهو في تخريب السلطة»- يدرك جيداً الدور الوظيفي الذي خُلقِت للعبه سلطةً فلسطينيةً راكمت فشلها ولا تزال تراكمه.
وعلى أي حال، لم تفلح تهديدات السلطة الفلسطينية، فمع أول تلويح للسلطة بحل نفسها، خرجت حكومة العدو لتعلن أنها في طور البحث عن بدائل جاهزة فيما لو حلَّت سلطة أبو مازن نفسها.
يبقى أمام السلطة فرصة وحيدة للحفاظ على ماء وجهها، تتمثل بالجلوس مع باقي الفصائل الفلسطينية، لتوحيد الجهود وصياغة برنامج عمل وطني مشترك أساسه المقاومة، ينهي حالة الانقسام التي أنهكت كافة القوى الفلسطينية، وفتحت الثغرات التي تسللت من خلالها القوى الانتهازية إلى داخل الحركة الفلسطينية.
وفي هذا السياق، تتبين خطورة ذهاب السلطة الفلسطينية إلى الاستفراد بتوجهها نحو المؤسسات الدولية، التابعة بشكل أو بآخر إلى المشروع الأمريكي في العالم، لا سيما أن نهج الاستفراد هذا يلزم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، ولو شكلاً، بالمزيد من التنازلات التي ستذهب، وذهبت، سلطة أوسلو إلى تقديمها مجاناً إلى العدو الإسرائيلي والإمبريالية الأمريكية.
هل من الممكن أن تشهد المرحلة اللاحقة تجميعاً للفصائل الفلسطينية على أساس مشروع المقاومة؟ ترتهن الإجابة على هذا السؤال إلى معرفة متغيرات المنطقة والعالم، وطبيعتها، وإلى القدرة على استشرافها قبل حدوثها. حيث تبرهن التحولات على الصعيد الدولي إلى زمنٍ جديد ليست الإمبريالية الأمريكية فيه هي الحاكمة، مما يجعل الطيف السياسي الفلسطيني، الراغب باجتياز مرحلة الموت التي تصيب القوى المترهلة مع ولادة كل مرحلة جديدة، مجبراً على العودة إلى بيته الداخلي، والاحتكام إلى وزنه الداخلي الذي بطبيعة الأحوال لن يبنى إلا على أساس التزامه بالمبادئ الوطنية الفلسطينية، وثبات الشعب الفلسطيني على بوصلة تحرير فلسطين.