العلاقات الكوبية الأمريكية وانتصار النموذج الثوري

العلاقات الكوبية الأمريكية وانتصار النموذج الثوري

«بنفس الطريقة التي لم نطالب فيها الولايات المتحدة بتغيير نظامها السياسي، نطالب باحترام نظامنا.. على أمريكا ألا تضع تغيير النظام الاشتراكي كشرط لهذه العلاقات». بهذه الكلمات، اختار الأمين الأول للحزب الشيوعي الكوبي ورئيس الدولة، راؤول كاسترو، أن يضع حدوداً لتحسن العلاقات، دبلوماسياً، بين كوبا وأمريكا.

أعلن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، فتح عهد جديد من العلاقات دون شروط مسبقة مع كوبا، معترفاً بأن حصار كوبا لمدة خمسين عاماً قد باء بالفشل، وداعياً إلى وضع مقاربات جديدة للعلاقة مع كوبا.
يعتبر التغير في الموقف الأمريكي نقطة تحول في أسلوب عمل الأمريكان بالتعامل مع شعوب ودول العالم منذ مئة عام، وهزيمةً أمريكيةً مقرة من رئيسها لأول مرة، فما الجديد الذي دعا إلى تغير الموقف الأمريكي والدعوة إلى تصحيح العلاقة مع كوبا؟
الحصار لم يؤت سوى بالنصر!
رغم العقوبات التي تعرَّض لها الشعب الكوبي، نتيجة الثورة الشعبية الديمقراطية، استطاعت كوبا الصمود بفضل الانجازات التي حققها النظام الاشتراكي على أكثر من صعيد. فضلاً عن التناقص الكبير في نسبة الفقر، أرسى الكوبيون أفضل نظام صحة وتعليم تقريباً على مستوى العالم، حتى بلغ متوسط العمر عند الوفاة ما يقارب الثمانين عاماً، أما معدل وفاة الأطفال في كوبا فهو الأقل عالمياً نتيجة للتغذية الجيدة والعناية الصحية.
أما سياسياً، فقد تحولت كوبا إلى نموذجٍ بنت عليه أمريكا اللاتينية استقلالها الكامل. حيث باتت مؤثر فاعل في تطور المجريات السياسية في كامل الساحة اللاتينية، خالقةً بذلك نموذجاً لإمكانية الصمود في وجه الإمبريالية، وإن كان لا يفصلها عن المركز الإمبريالي سوى مضيق فلوريدا، ولكنها بصمودها تحولت إلى رافعة للموقف المناهض لسياسات الهيمنة الأمريكية على أمريكا اللاتينية.
وقد لعبت سياسة الحصار التي قادتها الولايات المتحدة ضد كوبا، دوراً أساسياً في زيادة مناعة البلد من خلال انتهاج سياسة اقتصادية قائمة على تطوير النظام الاشتراكي وتعزيز دور الدولة ومركزية قرارها، ما أدى إلى العكس تماماً من الأهداف الأمريكية المرجوة من سياسة الحصار هذه.
أمريكا تتأقلم مع حجمها الجديد؟
باءت كل المحاولات الأمريكية لحرف وتجويع دول أمريكا الجنوبية بالفشل، وأصبحت الأغلبية الكاسحة من دول القارة تحكمها أحزاب يسارية أو عمالية مناوئة لأمريكا، ولا سيما منذ وصول هوغو شافيز للسلطة في فنزويلا عام 1999.
كانت كوبا تنظر للعالم ولنفسها بواقعية، فمع الأزمة الاقتصادية العالمية والتوحش الأمريكي صوب إشعال الحروب في كل مكان، قررت كوبا في العام 2008 إجراء إصلاحات سياسية واسعة، في خطوة من شأنها استباق المحاولات الأمريكية للعبث بأمن كوبا، ولا سيما عبر الثورات الملونة.
في الحقيقة، تنازلت أمريكا عن سياستها اتجاه كوبا، وانهزمت أمام النموذج اللاتيني، بفعل تغير موازين القوى الدولية. إذ يبدو أن جزءاً من الإدارة الأمريكية بات يستوعب أن الكرة الأرضية لم تعد تحكم من البيت الأبيض، وأن شكلاً جديداً من العلاقات الدولية، يتناسب مع تغيير موازين القوى بات ضرورة أمريكية بالدرجة الأولى.
تضطر الولايات المتحدة للقبول بأمريكا اللاتينية كقوة مستقلة غير تابعة، هذا ما يفرضه الواقع والمتغيرات. إن اتجاه العقلنة في أمريكا قد يكون هو الذي دفع بأمريكا لمهادنة كوبا والقارة الجنوبية. أمريكا التي تفقد نفوذها حول العالم، قد ترغب حقيقة في عقد اتفاقات هنا وهناك، بما يضمن دور متناسباً مع حجمها في عالم ما بعد «أمريكا السيدة».