الخط الروسي المصري : مصر إلى العالم الجديد

الخط الروسي المصري : مصر إلى العالم الجديد

تأتي العقوبات الغربية الأخيرة على روسيا، نتيجة لسلوك روسيا في بناء ائتلاف جديد من القوى التي استنفدت الأدوات الغربية مواردها الذاتية دونما تحقيق أي تقدم إنمائي حقيقي يحقق للناس حاجاتها الأساسية.

أما مصر فهي التي تشهد حراكاً ثورياً منذ ثلاث سنوات، ونقاشاً حول شكل العلاقات الخارجية، حتى ذهب البعض إلى أن الأمور قد حسمت بالزيارة التي قام بها الرئيس الحالي، حينما كان وزيراً للدفاع إلى روسيا.
الزيارة الثانية والآفاق المتبادلة
إن الحديث عن صفقات تسلح ما هو إلا إعلان نوايا، والتقاط جيد من الدولة المصرية بأجهزتها للتغير الحاصل في موازين القوى الدولية، وللتراجع الغربي وأدواته في الحفاظ على مستوى من التمويل يسمح باستمرار التوازن في المجتمع المصري، بحكم تراجعه الناجم عن أزمته الاقتصادية العميقة. من هذه النقطة كانت ضرورة تغيير العلاقات الخارجية.
في الزيارة الأخيرة للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى موسكو كانت المرونة التي أبداها الطرفان في التعاون المتبادل، دليلاً على فهم الطرفين ﻷهمية العلاقة المتبادلة، وضرورة تقويتها إلى أبعد حد، ونتاج طبيعي للحراك الشعبي المصري الذي يطالب بالتغيير. حيث استنفدت العلاقات مع الغرب نفسه دونما أن تحقق مصر أي تطور. ما جعل الأمور تبدو محسومة بالتوجه شرقاً.

ماذا كسر السيسي في الزيارة الحالية؟

يقول الخبراء الاقتصاديون، تعليقاً على نتائج المحادثات بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والتي جرت الثلاثاء 12 آب الحالي في مدينة سوتشي الروسية، إن إنشاء منطقة صناعية روسية في مصر سيعمل على خلق فرص عمل جديدة للمصريين، وزيادة في دخل الفرد في مصر، كما يساهم في ترويج المنتجات المصرية في الأسواق العالمية.
وستكون المنطقة الصناعية الروسية جزءاً من مشروع «محور قناة السويس» الرامية لشق قناة جديدة موازية للقناة الحالية بطول 72 كيلومتراً، والذي أطلقه الرئيس المصري في 5 آب، وتقدَّر كلفة المشروع بـ 8.39 مليار دولار.
كما ناقش الرئيسان مخططات استراتيجية أخرى، كإمكانية إبرام اتفاق بين مصر والاتحاد الجمركي الذي يضم كلاً من روسيا وبيلاروس وكازاخستان، ما من شأنه أن يسهم في زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين. وناقش الجانبان أيضاً إمكانية زيادة صادرات الحبوب الروسية إلى مصر لتبلغ على الأقل 5 إلى 5.5 مليون طن في العام الحالي.
هناك في سوتشي، المكان الذي التقى فيه الرئيسان، تفقد السيسي بعض المعدات العسكرية الروسية، من بينها ناقلة جنود مدرعة وأنظمة صواريخ ومدفعية مضادة للطائرات. «فمصر تعول على صادرات السلاح الروسية، خاصة وأنها تواجه عقبات بشأن المعونات العسكرية الأمريكية الموجهة إليها»، يؤكد ذلك الدكتور معتز سلامة، الباحث بمركز «الأهرام» للدراسات الاستراتيجية.
كانت صحف روسية عدة قد ذكرت في وقت سابق أن روسيا ومصر على وشك إبرام عقود لشراء أسلحة بقيمة تفوق ثلاثة مليارات دولار. و ذكرت صحيفة «VEDOMOSTI» الاقتصادية الروسية، أن الصفقة مكونة من طائرات قتالية من طراز «ميغ 29» وأنظمة دفاع مضادة للطيران من مختلف الأنواع، فضلاً عن مروحيات «إم أي 35» وغيرها من الأسلحة الروسية.
تم الحديث عن هذه الصفقة أثناء زيارة السيسي لموسكو في فبراير الماضي، حينما كان وزيراً للدفاع آنذاك. وبذات الأهمية تبحث روسيا عن حلفاء جدد لخلق محور قوي ومتعدد من «البريكس» حتى الاتحاد الأوراسي وصولاً إلى إفريقيا. فالعلاقة الجديدة مع مصر مدخل لكل إفريقيا. هذا إذا أخذنا بالحسبان أن درجة تأثر العالم النامي واقتدائه بمصر كبيرة جداً، وهذا ما يعرفه الروس جيداً. سيحث التحالف الذي تعلنه مصر مع روسيا الكثير من الدول، ويحسم النقاش في كثير من الأماكن، حول ضرورة الانتقال لمحور آخر من العلاقات.
في سوتشي، تحدث الرئيسان حول خطورة تنظيم «الدولة الإسلامية» على السلم العالمي، والطريقة التي يجب علاج خطر هذا التنظيم فيها. في الحقيقة، إن ملامح العالم الجديد بدأت تتكون، وعادت دولٌ من جديد لتصنع المستقبل، فهل سيقتدي الباقي من الدول بالنهج الجديد قبل أن تحرق دولها كنتاج للعلاقات غير المتكافئة مع العالم الغربي الأمريكي الذي أصبح يصح تسميته بالعالم القديم.