«التوافق» بين المتناقضات في مصر: إلى متى؟

«التوافق» بين المتناقضات في مصر: إلى متى؟

يصل الرئيس المصري الحالي، عبد الفتاح السيسي، إلى السلطة بطرحة لعدة مواقف لا تبدو منسجمة في الشكل، مستفيداً من حالات توازن ناشئة آنياً كانعكاس للتغيرات الدولية.

وﻷنه يعكس، بخطابه ورؤيته، موازين الداخل والخارج. وبحكم أن هذه الموازين متحركة ومتغيرة، فإن تناقضات ستحصل قريباً بين مشروعه الذي طرحه لبناء مصر، وموقفه من بعض رموز النظام السابق من جهة، والعلاقات الخارجية، خاصة مع بعض دول الخليج، على رأسها السعودية، من جهةٍ أخرى. وستضع هذه التناقضات مصر أمام طريقين: إما حسم المعركة لمصلحة الناس، بما يؤمن نهوض مصر، وإما الانتكاس والعودة للوراء. 

أعلن الرئيس السيسي في كل خطاباته أن مشروعه يستهدف تحسين وضع الفقراء، وتحسين شروط حياة المواطن المصري، وهو بذلك يعلن تحالفه مع أوسع الفئات بالمجتمع المصري لإنقاذ البلاد. لكنه بالوقت بنفسه أطلق سراح بعض رموز الفساد، العدو الرئيسي للفقراء، كفتحي سرور ورئيس جهاز أمن الدولة في عهد مبارك وبعض الرموز والشخصيات الفاسدة الأخرى، ما فتح الباب أمام معارضي السيسي لاستثمار تلك الخطوات، والترويج إلى أن ما تعيشه مصر اليوم هو استمرار للحقبة الليبرالية المنتجة في عهد السادات.

وهنا يظهر خطر الردة والرجوع للوراء، بحكم أن السيسي قدم تنازلات داخلية لكسب رأس المال المصري الداخلي، ومن ضمنه أموال الفاسدين، ومثل هذا التوافق في التمثيل بين أغنياء مصر وفاسديها لن يدوم أمام عقبة التمويل الضخمة للمشاريع الكبرى التي وعد بها السيسي، والتي على أساسها سيحمي مصر ويعزز أمنها.

هل يستوي التحالف مع الخليج ضد «الإخوان»؟

يستند حديث السيسي عن العلاقة الجيدة مع الخليجيين إلى قاعدة أساسية، يراها السيسي متمثلة بالاتفاق مع الخليج ضد الخطر المشترك، والمقصود به تنظيم «الإخوان المسلمين». لكن، وفي حال الإصرار على تطبيق برنامج السيسي، هل يمكن لمثل هذا التحالف أن يبقى؟

إذا ما أخذنا درجة التقاطع بالمصالح وعمرها وامتدادها، نجد أن خطر «الإخوان» نحو الانحسار، والفضل الأكبر بذلك للجيش المصري الذي كسر مشروع «الإخوان» في مصر. أما السعودية فتبحث عن حلول منفردة مع إيران، قياساً للتراجع الأمريكي أمام الإيراني. والخليج يريد من مصر أن تعيد التوازن مع إيران، لكن ليس أن تنهض مصر لتعيد ذاكرة الخليجيين إلى حرب اليمن ومحاولات القوميين الناصريين ابتلاع الخليج. لذلك فإن التناقض حول درجة نهوض مصر سيشكل نقطة فارقة أيضاً، وخطيرة على نجاح الثورة في مصر وتحقيق النهوض المطلوب.

تعكس الحالة المصرية حال العالم تماماً، وشكل التوازن الحاصل فيه. فما على القيادة والنخب والأحزاب وجهاز الدولة في مصر إلا الحساب الدقيق لحركة هذه الموازين، وضرورة المرونة للتقدم وتحقيق تطلعات الناس. أما الانتكاس وعدم أخذ قرارات مهمة في لحظات الانعطاف الكبرى، فسيكلف مصر وشعبها ردة عن مطالب الثورة قد تصل لاحتمالات الفوضى.