حكومة توافق لإدارة الأزمة!

حكومة توافق لإدارة الأزمة!

بعد مرور خمسة أسابيع وبضعة أيام على إعلان “اتفاق الشاطىء”، أدت الحكومة الـ17في تاريخ تشكيل الحكومات التي نَظَم عقدها “إتفاق أوسلو” الكارثي، اليمين في مبنى مقاطعة سلطة رام الله المحتلة أمام رئيسها وقيادات الفصائل.

رئيس الحكومة القديمة – الجديدة “رامي الحمد الله” مع ثمانية وزراء من حكومته السابقة، ظهروا في تشكيلة مُطَعَمة ببعض الوزراء الجدد الذين حدد “محمود عباس” الممسك بعدد من السلطات القيادية في يديه، مواصفاتهم من خلال التزامهم الدقيق بـ”برنامجه” الذي هو برنامج الحكومة!. هذا التفرد بالسلطات دفع بمدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان “خليل أبو شمالة” لاتهام “أبو مازن بممارسة نوع من السياسة الديكتاتورية بعيدة عن روح المؤسسة، وقد بدا هذا واضحاً من خلال جملة من القرارات كان من بينها تصميمه على تحديد بعض أسماء الوزراء”. 

جاء تكليف «الحمد الله» بتشكيل الحكومة بناء على تجربته/علاقته برئيس السلطة، والتزامه الدقيق بما يقرره الأخير. حيث أن الحكومة هي «حكومة الرئيس» وبرنامجها «برنامجه». وهذا ما أكده في كلمته المتلفزة بعد أداء الحكومة للقسم إنها حكومة «ملتزمة بحل الدولتين، وتعترف بـ»دولة إسرائيل» وتنبذ العنف، وملتزمة بالتنسيق الأمني وبالاتفاقيات المبرمة وباللجنة الرباعية». برنامج عمل الحكومة المعلن على لسان عباس كان منسجماً ومتوافقاً مع ما جاء في سياق الحملة السياسية والإعلامية لرئيس سلطة المقاطعة التي  كرر فيها على الملأ مواقفه: «التنسيق الأمني ثابت مقدس... وسواء اختلفنا أو اتفقنا في السياسة فهو سيستمر. لكن العودة إلى صفد فهي ليست ثابتاً مقدساً»!. أمام الصمت «المُلتبس» لحماس ولقوى وفصائل عديدة، فقد رسمت النقاط السابقة بنود البرنامج/البيان السياسي للحكومة ولاتفاق الشاطىء.

 صُنّاع اتفاق المصالحة

جاء الاتفاق على تسمية وزراء الحكومة العتيدة، بعد عمليات شد وجذب مارسها طرفا الأزمة/الحل على امتداد الأربعين يوماً التي أعقبت إعلان إتفاق المأزومين في مخيم الشاطىء بمدينة غزة في 23 إبريل/نيسان الفائت. عشرات المقالات عالجت دوافع ذلك الإتفاق الذي تحدث في قضايا إجرائية لمعالجة ما أحدثته سنوات الانقسام السبع على أكثر من صعيد، وفي طرحه خطة عمل أشبه ما تكون «وعوداً» مستقبلية تدغدغ مشاعر المواطنين، لأن تحقيقها مرهون بدرجة عالية من الوحدة الوطنية بين «قوى سياسية وأهلية وعسكرية» تلتقي على برنامج سياسي وكفاحي يوحد الأرضية الجماهيرية ويعيد تصليبها في مواجهة قوى الغزو والاحتلال والاستسلام. كان اللافت في أحد أطراف الاتفاق، غياب حركة فتح «حزب السلطة» واستبدالها بوفد للمنظمة، يضم بالإضافة لحزب السلطة، فصيلين، يؤمنان بـ»المقاومة السلمية، اللاعنفية» مع أحد أكبر رجال الأعمال وأبرز دعاة «السلام الإقتصادي» الذي استضاف في بيته بمدينة نابلس المحتلة اجتماعاً تحت عنوان «كسر الجمود» (4 /11/ 2012) لكنه في الواقع، كان اجتماعاً لـ «كسر الصمود» كما جاء في عنوان مقال لي صدر حينها. هذا الاجتماع ضم عدداً من رجال الأعمال الصهاينة المحتلين، من ضمنهم صاحب سلسلة المتاجر في المستعمرات المقامة على الأراضي المحتلة «رامي ليفي» وعمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، ورئيس الوزراء الأردني السابق عبد السلام المجالي، ومحمد مصطفى رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني كممثل لمحمود عباس، وآخرين. كما ضم الوفد أيضاً مصطفى البرغوثي، أحد أبرز دعاة المقاومة اللاعنفية و»السلام والتعايش»!.

 قبل الإعلان عن تشكيل الحكومة، ظهرت تصريحات عن قادة حركة حماس، أشارت لاحتمال انهيار كل ما بني خلال الأسابيع الفائتة نتيجة «إنقلاب» الحمد الله على الاتفاق، كما صرح «صلاح البردويل» و»فتحي حماد» بسبب تحويل «وزارة الأسرى» إلى هيئة تخضع لإشراف وزير الزراعة والشؤون الاجتماعية. كما برزت عقبة التجديد لوزير الخارجية «رياض المالكي» التي كانت حماس ترغب في تكليف شخصية أخرى للمنصب. لكن التشدد الواضح في موقف أبو مازن، دفع بحماس للرضوخ لشروطه. لقد جاء تحويل وزراة الأسرى إلى هيئة كان استجابة لطلبات أمريكية وأوروبية، خاصة وأن بعض الدول الغربية المانحة حذرت من أنها لن تدعم حكومة تمول الفلسطينيين في السجون «الإسرائيلية». لكن اللافت أن ذلك الرضوخ والتنازل «الثنائي» تم الإعلان عنه مع أيام الإضراب المفتوح الذي يخوضه المعتقلون الإداريون في سجون العدو ومراكز توقيفه احتجاجاً على تمديد فترات اعتقالهم، هذا الإضراب الذي بدأ ينضم إليه عدة آلاف من الأسرى الأبطال.

مخرج حماس المؤقت

 لم يكن الحديث عن عملية «تعديل وزاري» لحكومة الحمد الله الأخيرة بعيداً عن الواقع. فالحكومة الحالية هي حكومة «الرئيس» كما كانت سابقتها، وقد ظهرت للمشهد السياسي، بعد التغيرات الكبرى التي نقلت حماس من ضفة إلى ضفة...»الرئيس». فما بين الانتقال من خطاب أقرب للتخوين في كلام وتصريحات قادة الحركة في غزة والخارج لسياسات سلطة رام الله المحتلة، إلى خطاب التأييد والدعم لتلك السياسات «المشبوهة» والمتواطئة مع معسكر الأعداء –كما كانت تصر الحركة- ، تكون حماس قد غادرت ليس الحكومة فقط، بل ثقافة ولغة ونهج «حركة التحرر الوطني». ليس صعباً على أي متابع معرفة الأسباب التي دفعت بحماس لتلك التراجعات السياسية والتحالفية على مدى السنوات الأربع الأخيرة. كان الارتباط بمواقف وخطط مكتب الإرشاد الدولي لجماعة الإخوان المسلمين على الفرع الفلسطينشي للجماعة، أكثر تأثيراً وفاعلية من رؤية وتوجهات جيل القساميين المقاتل. ولهذا فإن قيادة حماس وهي تحاول الهروب للأمام في طريق تقديم التنازلات الكبرى _التي رأى فيها أحد الباحثين: اتفاق أوسلو كارثي جديد_ لاعتقادها بإمكانية إنقاذها من الأزمات الحادة التي بدأت تحيط بوجودها الحركي/السياسي/ الأيديولوجي، وفي إدارتها «الفردية/ الذاتية» لقطاع غزة المحاصر صهيونياً ومن النظام العربي، فإنها ستكون مطالبة بتوفير القناعة لكوادرها المقاتلة والمجاهدة عن سهولة الانتقال للبرنامج «الآخر» الذي تتناقض «ثوابته» مع الثوابت الوطنية لشعبنا. 

عقلية التفرد والإقصاء

وضع اتفاق الشاطىء لحكومة «التكنوقراط» القديمة/الجديدة فترة انتقالية مدتها ستة أشهر لإنجاز عدة خطوات منها: دمج الوزارات وفي القلب منها «وزارة الداخلية» وصلاحية وزيرها _الذي هو رئيس الوزارة_ وقدرته على توحيد أجهزة الأمن في الضفة والقطاع. بالإضافة لمعالجة قضية أكثر من أربعين ألف موظف في قطاع غزة تطالب حماس بضمهم لجيش الموظفين عند سلطة رام الله الذي يقارب 160 ألفاً، وهو ما ترفضه حركة فتح. وكذلك العمل على إطلاق سراح المعتقلين لدى الحكومتين، وفتح معبر رفح، والتحضير للانتخابات، والتخفيف من الأزمات المعيشية والاقتصادية للمواطنين داخل القطاع المحاصر. وفتح حوار جاد ومسؤول حول وضع المنظمة وهيئاتها والإطار القيادي المؤقت. على الرغم من أن أكثر من فصيل _رغم عضويته بلجنتها التنفيذية ومجلسها المركزي_ كان قد أعلن عن انتهاج قيادة السلطة لسياسة الإقصاء والتهميش والإهمال في كل الحوارات التي أفضت لولادة الحكومة الجديدة التي بادر «الجميع» للتهنئة بإعلانها!.

كيان العدو و...الحكومة

رغم صخب ردود فعل بعض أحزاب حكومة العدو الصهيوني، فإن الغبار المؤقت الذي افتعله نتيناهو وليبرمان وبينيت حول رفض التعامل مع حكومة الحمد الله، سيهدأ رويداً رويداً بعد القرار الأمريكي والأوروبي بالتعامل مع الحكومة الجديدة التي ستكون فاتحة زيارتها الدولية، الذهاب لواشنطن . لقد قرأ كل من «ليبد وليفني» المواقف الدولية وطبيعة برنامج حكومة التوافق ووجدوا في كل ذلك فرصة مشجعة على الاستمرار بالتواصل مع الحكومة الجديدة. وقد عبّرت افتتاحية صحيفة «هآرتس» في الثاني من الشهر الحالي عن رفضها لسياسة التهديد بالعقاب التي تحدث عنها نتنياهو وبعض وزرائه،  بالقول «في مجرد التهديد يكمن التناقض: إذا كان رئيس الوزراء مستعداً لمواصلة التنسيق الأمني مع حكومة فلسطين، أفليس في ذلك اعترافاً بالحكومة التي يرغب في مقاطعتها؟ غير أنه ليس هذا التناقض وحده ما يثير العجب. فالحكومة الفلسطينية التي ستقوم هي نتيجة المصالحة بين حماس وفتح وتعكس اعتراف حماس بالسلطة الفلسطينية التي هي نفسها ولدت في أعقاب اتفاقات أوسلو التي عارضتها حماس بكل قوتها».

استنتاج

في ظل المشهد الذي أحدثه الاتفاق على «إنهاء الانقسام» بما يتطلبه من توفير بيئة وطنية تعمل بعقلية جماعية، تم الإعلان في المقاطعة عن مجموعة إجراءات «عقابية» من طرف واحد يتفرد بالقرار والمال ضد موقف سياسي ووطني، اتخذه فصيل مؤسس وتاريخي في النضال الوطني والقومي «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» في الجلسة الختامية لاجتماعات المجلس المركزي برام الله المحتلة. يضاف لتلك الإجراءات ما تقوم به أجهزة التنسيق «التنفيذ» الأمني في عدد من مدن وبلدات وقرى الضفة المحتلة، باعتقالات وحملات قمع بحق مناضلين من حركة الجهاد الإسلامي. إن هذا النهج القديم/الجديد الذي كانت تتفرد فيه سلطة المقاطعة، سيستمر في ظل اتفاق الشاطىء الثنائي، انطلاقاً من» ثوابت» الرئيس وحكومته. عندها يصبح التساؤل عن مكامن الفرق بين الإنقسام والمصالحة _حتى لا نقول الوحدة_ منطلقاً من علاقة كل ذلك التوصيف ببرنامج المواجهة والمقاومة مع العدو وإدامة الاشتباك مع أدوات الغزو والاحتلال والتفريط.

آخر تعديل على الأحد, 08 حزيران/يونيو 2014 00:32