أسرار جديدة تتكشّف في قضية اغتيال الحريري..  الهدف ضرب المقاومة وإشعال حرب مذهبية!
تييري ميسان تييري ميسان

أسرار جديدة تتكشّف في قضية اغتيال الحريري.. الهدف ضرب المقاومة وإشعال حرب مذهبية!

في حين تعلن الصحافة الغربية الإدانة الوشيكة لقادة حزب الله على يد المحكمة الخاصة بلبنان، تشكّك مجلّة أودناكو الروسية في مجمل التحقيق الذي أجرته الأمم المتحدة. وفق تييري ميسان، اغتيل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري بسلاحٍ قدّمته ألمانيا. كما يقول ميسان إنّ الوكيل الألماني والمسؤول الأوّل عن التحقيق الأممي ديتليف ميليس قد زوّر دليلاً لإخفاء مسؤولية بلده. تربك هذه الكشوفات المحكمة وتقلب المعطيات في لبنان. لقد أصبحت النزاعات المتعددة في الشرق الأوسط تتبلور حول المحكمة الخاصة بلبنان. السلام والحرب متعلّقان بها. بالنسبة لبعضهم، يتوجّب أن تسمح هذه المحكمة بتفكيك حزب الله وإخضاع المقاومة وإقامة «السلم الأمريكي». وبالنسبة لبعضهم الآخر، هي تستخفّ بالقانون وبالحقيقة لضمان انتصار نظامٍ استعماريٍّ جديدٍ في المنطقة.

 

 

ترجمة قاسيون

إشعال الفتنة المذهبية

تمّ تأسيس المحكمة الخاصة باغتيال الحريري في أيار 2007 بموجب القرار 1757 الصادر عن مجلس الأمن لمحاكمة المسؤولين المفترضين عن عملية الاغتيال. في تلك الفترة، عنى ذلك محاكمة الرئيسين السوري واللبناني بشار الأسد وإميل لحّود، ألدّ أعداء المحافظين الجدد، لا أكثر ولا أقل. لكن تبيّن أنّ ذلك الأثر لا يستند إلى أيّ عنصرٍ متكاملٍ، وأنّه تغذّى على شهداء زور. كان بوسع المحكمة أن تختفي في حواشي البيروقراطية بعد انعدام وجود من تحاكمه حين وضعتها ضربةٌ مسرحيةٌ مجدّداً في قلب النزاعات السياسية الإقليمية. ففي الثالث والعشرين من أيار 2009، كشف الصحافي الأطلسي إيريك فولاث على موقع شبيغل أنّ الوكيل يستعدّ لتجريم مشتبهين جدد: قادةً عسكريين من حزب الله. منذ ثمانية عشر شهراً، ينادي أمين عام الحزب، حسن نصر الله ببراءة حزبه، وهو يؤكّد أنّ هذا الإجراء يهدف في الحقيقة لقطع رأس المقاومة من أجل تقديم المنطقة للجيش الإسرائيلي.

أيّاً كان الأمر، سيؤدّي اتّهام قادةٍ من الشيعة ـ وهو اتّهامٌ يجمع الجميع على أنّه وشيك ـ باغتيال قائدٍ سنّيٍّ إلى إشعال الفتنة، أي الحرب الأهلية الإسلامية، ما سيغرق المنطقة في صراعاتٍ دمويةٍ جديدة.

في رسالةٍ رسميةٍ إلى موسكو يومي 15 و16 تشرين الثاني، كرّر سعد الحريري، رئيس الوزراء الحالي وابن الراحل، أنّ تسييس المحكمة ربّما يشعل بلده مرّةً أخرى. وردّ عليه الرئيس ميدفيديف قائلاً إنّ روسيا تريد تحقيق العدالة وتستهجن كلّ جهدٍ يرمي إلى نزع الصدقية عن المحكمة أو إضعافها أو تأخير عملها.. والحال أنّ هذا الموقف سيزعزعه بالتأكيد ما كشفت عنه أودناكو.

وقائع مريبة.. وأدلة مدهشة!

تظهر العناصر التي اكتشفناها أثراً جديداً نتساءل لماذا لم يتمّ تحرّيه حتّى الآن. أثناء تحقيقنا الطويل، التقينا فرقاء عديدين، بحيث انكشفت أبحاثنا وأثارت الذعر لدى أولئك الذين يعدّون استهداف المقاومة المسلّحة اللبنانية نعمةً. وفي محاولة إخافتنا، أطلقت صحيفة جيروزاليم بوست هجوماً وقائياً يوم الثامن عشر من تشرين الأول على شكل مقالٍ طويلٍ مكرّسٍ لعملنا. وبأسلوبٍ تشهيريٍّ محض، اتّهمت الصحيفة فيه كاتب هذا المقال بأنّه قبض من إيران مليون دولار لتبرئة حزب الله.

لنذهب إلى الوقائع. تمّت مهاجمة موكب رفيق الحريري في بيروت يوم 14/2/2005. أدّى الاغتيال إلى سقوط ثلاثةٍ وعشرين قتيلاً ونحو مائة جريح. وقد أشار تقريرٌ أوّليٌّ متسرّعٌ لمجلس الأمن إلى ردود الفعل المفتقرة إلى الحرَفية لدى رجال الشرطة والمحقّقين اللبنانيين. ولتخفيفه، أرسل المجلس محقّقيه الخاصين وزوّدهم بوسائل شديدة الأهمّية لا يمتلكها لبنان. منذ بداية هذه التحقيقات، تمّ الإقرار بأنّ الاغتيال قد قام به انتحاريٌّ كان يقود شاحنةً صغيرةً مليئةً بالمتفجّرات، وبما أنّ لجنة الأمم المتحدة قد أنشئت لتقديم الاحترافية التي كان يفتقدها اللبنانيون، فإنّنا نتوقّع أن تتّبع بصرامةٍ الإجراءات الجنائية التقليدية. والحال أنّ الأمر مغايرٌ تماماً. لم يتمّ بالتفصيل تحليل ساحة الجريمة استناداً إلى طبوغرافيتها السليمة وإلى صور ذلك اليوم ومقاطع الفيديو. لم يتمّ استخراج الجثث وتشريحها. لزمنٍ طويل، لم يقم أحدٌ بشيءٍ للتأكّد من أسلوب العمل. بعد استبعاد فرضية قنبلةٍ مدفونةٍ في الأرض، اعتبر المحقّقون حكاية الشاحنة أكيدةً من دون التأكّد منها.

لكنّ هذه الحكاية مستحيلة: يستطيع كلّ امرئٍ أن يلاحظ في ساحة الجريمة حفرةً عميقةً وواسعةً لا يمكن أن يتسبّب بها انفجارٌ سطحي. أمام إصرار الخبراء السويسريين الذين رفضوا المصادقة على الحكاية الرسمية، أعادت المحكمة الخاصة بلبنان تشكيل ساحة الجريمة في مكانٍ مغلق، يوم التاسع عشر من تشرين الأول المنصرم. لم يجرِ ذلك في لبنان، ولا حتّى في هولندا، مقرّ المحكمة الخاصة بلبنان، بل في فرنسا، أحد البلدان الرئيسية المموّلة للمحكمة. أعيد بناء مباني ساحة الجريمة ونُقل إليها تراب بيروت. أعيد تشكيل الموكب، بما في ذلك مع سيارةٍ مصفّحة. يهدف ذلك إلى البرهنة على أنّ ارتفاع المباني الخرسانية قد أغلق الانفجار، بحيث أمكن أن يحفر الحفرة. لم يتمّ نشر نتائج هذه التجربة المكلفة.

اللافت في الصور ومقاطع الفيديو التي التقطت بعيد الاعتداء هو الحريق أولاً. سياراتٌ وأشياء متنوّعة تحترق في كلّ مكان. ثمّ أجساد الضحايا: متفحّمة من جانب وسليمة من الجانب الآخر. هذا مثيرٌ للدهشة وليست له علاقةٌ بما تتسبّب فيه متفجّرات كلاسيكية.

كما لا تفسّر نظرية خليطٍ من الـRDX والـPETN والـTNT في شاحنة الانتحاري هذه الأضرار.

إذا تفحّصنا عن قربٍ صور جثمان رفيق الحريري، نلاحظ تفاصيل غريبة: ساعة يده الثمينة المصنوعة من الذهب ذابت على معصمه، في حين بقيت قبّة قميصه الفاخر المصنوع من القماش سليمةً حول رقبته.

ما الذي جرى؟ لقد أطلق الانفجار هبّة حرارةٍ استثنائيةً في شدّتها واستثنائيةً في قصرها. هكذا، تفحّم اللحم المعرّض للهبّة على الفور، في حين لم يحترق الجانب الآخر من الأجساد. امتصّت الأشياء ذات الكثافة العالية (كالساعة الذهبية) تلك الحرارة وتدمّرت. وعلى العكس من ذلك، لم يتسنّ الوقت للأشياء ذات الكثافة المنخفضة (كقماش قبّة القميص) لتمتصّ الحرارة وبالتالي لم تمسّ.

اليورانيوم في موقع الجريمة!

في مقاطع الفيديو، تظهر أعضاء بعض الجثث وقد تقطّعت بسبب الانفجار. واللافت أنّ أماكن القطع جليّة، كما لو أنّ الأمر يتعلّق بتماثيل كلسية. لا نرى عظاماً مكسورة وناتئة، ولا لحماً مقتلعاً. ذلك لأنّ الانفجار قد امتصّ الأوكسيجين ونزع الماء من الأجساد التي أصبحت هشّة. وقد تحدّث عدّة شهودٍ كانوا قريبين من مكان الاغتيال عن اضطراباتٍ تنفّسية في الساعات التالية. وقد أخطأت السلطات حين فسّرت ذلك بأنّه عرَضٌ نفسي.

هذه الملاحظات هي ألف باء أيّ تحقيقٍ جنائي. كان ينبغي البدء بذلك، لكنّها لا توجد في تقارير «محترفي» مجلس الأمن.

سألنا متخصّصين عسكريين: ما هي المتفجّرات التي يمكن أن تتسبّب بهذه الأضرار؟ فذكروا نمطاً جديداً من الأسلحة يجمع بين المعارف النووية والتقنيات الدقيقة، يخلق انفجاراً يمكن التحكّم بقوّته تحكّماً دقيقاً. يبرمَج السلاح كي يدمّر كلّ شيءٍ في محيطٍ معيّن، يمكن حسابه بدقّة كبيرة، كما يولّد ضغطاً قوياً على منطقة الانفجار. وحين ينتهي الانفجار، تنقذف الأشياء الأثقل نحو الأعلى. هكذا، ارتفعت السيارات في الهواء.

هنالك تفصيلٌ لا يضلّل: يستخدم هذا السلاح كميّةً ضئيلةً من يورانيوم مخصّب يمكن قياس إشعاعاته. والحال أنّ أحد ركّاب سيّارة رفيق الحريري المصفّحة قد نجا، وهو الوزير الأسبق باسل فليحان الذي نُقل إلى مستشفى عسكري فرنسي مرموق ليعالج هناك. وقد لاحظ الأطباء بدهشةٍ أنّه تعرّض للتماسّ باليورانيوم المخصّب. لم يربط أحدٌ ذلك بالاعتداء. تقنياً، يتّخذ هذا السلاح شكل صاروخٍ صغيرٍ يبلغ طوله بضع عشراتٍ من السنتيمترات، وينبغي أن يتمّ إطلاقه من طائرةٍ من دون طيار. وبالفعل، أكّد شهودٌ كثرٌ أنّهم سمعوا طائرةً تحلّق فوق ساحة الجريمة. لهذا طلب المحقّقون من الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين تمتلكان أقمار مراقبة متموضعة على نحوٍ دائمٍ إعطاءهم اللقطات المتوافرة لديهما. كما أنّ الولايات المتحدة قد أرسلت طائرات أواكس فوق لبنان ذلك اليوم. غير أنّ واشنطن وتل أبيب اللتين تطالبان باستمرار بتعاون الجميع قضائياً مع المحكمة الخاصة بلبنان، رفضتا تقديم هذه الخدمة.

أثناء مؤتمرٍ صحفي يوم العاشر من آب المنصرم، عرض حسن نصر الله تسجيلات فيديو لطائراتٍ إسرائيليةً من دون طيّار صوّرتها وقامت منظّمته باعتراضها. وفق هذه التسجيلات، راقبت الطائرات تنقّلات رفيق الحريري قبل أن تركّز مراقبتها على المنعطف الذي حدث فيه الاغتيال. إذاً، قامت تل أبيب بالاستدلالات السابقة للاغتيال. وهذا لا يعني، كما شدّد السيد نصر الله، أنّها هي التي ارتكبته.

الصاروخ.. وألمانيا.. وميليس

وفق الخبراء العسكريين، في العام 2005، وحدها ألمانيا كانت قد توصّلت إلى إتقان هذه التقنية الجديدة. إذاً برلين هي التي قدّمت سلاح الجريمة وبرمجته.

بالتالي، نفهم على نحوٍ أفضل لماذا حرص المحقق البرليني الأسبق ديتليف ميليس، وهو قاضٍ مثار جدلٍ كبيرٍ في إطار مهنته، على ترؤّس لجنة التحقيق الأممية. فهو مرتبطٌ بالأجهزة السرّية الألمانية والأمريكية. وحين كلِّف في العام 1986 بكشف الاعتداء على الملهى البرليني لابيل، أخفى التورّط الإسرائيلي والأمريكي، ليتّهم كذباً ليبيا ويبرّر قصف القوات الجوّية الأمريكية لقصر معمّر القذّافي. وفي مطلع الألفية الثالثة، نال السيد ميليس أجراً دسماً بوصفه باحثاً من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى (مركز أبحاث الآيباك، اللوبي المناصر لإسرائيل) ومن هيئة راند (مركز أبحاث المجمع العسكري الصناعي الأمريكي)..

كان المفوّض جيرار ليمان مساعداً لميليس. وهذا الضابط هو أيضاً عميلٌ بارزٌ للاستخبارات الألمانية والأمريكية. لقد روّج كلٌّ من ميليس وليمان لأطروحة الانتحاري وشاحنته المليئة بالمتفجّرات بهدف إبعاد أيّ تحقيقٍ عن السلاح الألماني الذي استُخدم في ارتكاب الجريمة.

بناءً على تعليماتهما، تمّ استخراج نماذج من التربة من ساحة الجريمة. وبعد مزجها، قسِمت إلى ثلاثة أوعيةٍ وأرسِلت إلى ثلاثة مختبراتٍ مختلفة. لم يجد التحليلان الأوّلان أيّ أثرٍ للمتفجّرات، أمّا الوعاء الثالث، فقد أرسله ميليس وليمان بمعرفتهما إلى المختبر الثالث الذي وجد فيه آثار المتفجّرات المبحوث عنها. من حيث المبدأ، إذا قرّر المرء اللجوء إلى ثلاثة خبراءٍ قضائيين، فينبغي اعتماد رأي الأغلبية في حال عدم اتّفاقهم. يا له من إنكار! لقد انتهك ميليس وليمان البروتوكولات المتعارف عليها. اعتبرا أنّ وعاءهما وحده ذا صدقيّةٍ وقادا مجلس الأمن في طريقٍ خاطئة.

لم يعد هنالك حاجةٌ للبرهنة على الطابع غير النزيه حقّاً لتحقيقات الثنائي ميليس ليمان. وقد اعترف بذلك من حلّوا مكانهم اعترافاً منقوصاً، وألغوا جوانب إجرائيةً كاملة.

أشهر تلاعباتهما هي قضيّة شهود الزور. فقد زعم خمسة أشخاصٍ أنّهم شهدوا تحضير الاعتداء وشكّكوا في الرئيسين بشار الأسد وإميل لحّود. وفي حين كانت تلك المزاعم تدقّ طبول الحرب، أظهر محاموهما كذب الشهود وتلاشى الاتّهام.

لقد انتهك رئيس لجنة التحقيق الأممية ديتليف ميليس قواعد الإجراءات الجنائية واختلق أدلّةً كاذبةً واستخدم شهادات زور لتبرئة ألمانيا واتّهام سورية.

على أساس شهادات الزور هذه، اعتقل ديتليف ميليس باسم المجتمع الدولي أربعة جنرالات لبنانيين وسجنهم لمدّة أربع سنوات. دخل مع رجال الكاوبوي الخاصّين به مسكن كلٍّ منهم من دون مذكّرةٍ من القضاء اللبناني، كما استدعى المقرّبين منهم. مع مساعديه ـ الذين يتحدّثون فيما بينهم بالعبرية ـ حاول التلاعب بالعائلات. هكذا، وباسم المجتمع الدولي، قدّم صوراً مزيّفة لزوجة أحد الضبّاط لإقناعها بأنّ زوجها لم يكن يخفي عنها تورّطه في الاغتيال فحسب، بل كان يخونها أيضاً. وفي الوقت نفسه، جرّب مناورةً مماثلة مع ابن «المشتبه»، لكن هذه المرّة لمحاولة إقناعه بأنّ أمّه امرأةٌ غير محترمةٍ وبأنّ أباه غرق بسبب يأسه في نوعٍ من الجنون القاتل. كان الهدف التحريض على جريمة شرفٍ في الأسرة وتسويد صورة الناس المحترمين.

بل هنالك ما هو أدهى وأمرّ، فقد اقترح ليمان على أحد الضبّاط الأربعة المسجونين إطلاق سراحه إذا قبل بتقديم شهادة زورٍ ضدّ أحد القادة السوريين. من جانبٍ آخر، أظهر الصحافي الألماني «كولبل» تفصيلاً يثير الاضطراب: كان مستحيلاً استثارة الانفجار بالتحكّم عن بعد أو استخدام معلمٍ على الهدف إلاّ بعد تعطيل نظام التشويش القويّ الذي كان موكب رفيق الحريري مجهّزاً به، وهو من أكثر الأنظمة تطوّراً في العالم، صنع... في إسرائيل.

ينبغي الإشارة إلى دور ألمانيا في الشرق الأدنى الذي لم يُنتبه إليه. أرسلت المستشارة أنجيلا ميركل مجموعةً عسكريةً كبيرةً إلى لبنان للمشاركة في قوات الأمم المتحدة في لبنان (فينول) بعد الحرب التي شنّتها إسرائيل على بلاد الأرز عام 2006، كما يسيطر الجنود الألمان الذين يبلغ عددهم 2400 جندي على تجهيزاتٍ بحريةٍ لمنع تزويد المقاومة بالسلاح عبر البحر الأبيض المتوسط. بهذه المناسبة، أعلنت السيدة ميركل أنّ مهمّة الجيش الألماني تتمثّل في الدفاع عن إسرائيل. واستثار هذا الخطاب تمرّداً في صفوف الضبّاط، فكتب مئاتٌ منهم لها لتذكيرها بأنّهم قد التزموا بالدفاع عن وطنهم لا عن دولةٍ أجنبية، حتّى لو كانت تلك الدولة حليفةً.

وفي حدثٍ غير مسبوق، يومي 17 آذار 2008 في القدس و18 كانون الثاني 2010 في برلين، عقدت الحكومتان الألمانية والإسرائيلية مجلساً مشتركاً للوزراء، تبنّتا فيه برامج مختلفة، ولاسيّما في مجال الدفاع. إذاً، لم يعد هنالك أسرارٌ كثيرةً بين الجيشين الإسرائيلي والألماني.

محكمة غير شرعية

لم يغرق تحقيق ميليس في سخف شهود الزور فحسب، بل كذلك في لاشرعية توقيف الضبّاط الأربعة.. والآن، صدقية المحكمة مرهونةٌ بقدرتها على قمع جميع من حاولوا إخفاء الحقيقة واتهام الرئيسين بشار الأسد وإميل لحّود زوراً لاستثارة الحرب. لكن المحكمة ترفض محاكمة شهود الزور، مقدّمةً الانطباع بأنّها تغطّي تلاعبات فترة ميليس وتلاحق أهدافاً سياسيةً مماثلة..

كان كوفي أنان يتمنّى ألاّ تكون المحكمة الخاصة بلبنان قضاءً دولياً، بل محكمةً لبنانيةً ذات طابع دولي. وكانت في تلك الحال ستكون تحت حكم القانون اللبناني ومؤلّفةً بنسبة النصف من قضاةٍ دوليين. لم يكن ذلك ممكناً لأنّ التفاوض انتهى من دون نتيجة. بالأحرى، تمّ عقد اتفاقٍ مع الحكومة اللبنانية آنذاك برئاسة فؤاد السنيورة، مدير أعمال شركات الحريري سابقاً، لكن لا البرلمان ولا رئيس الجمهورية صادقا عليه، فأيّده مجلس الأمن من جانبٍ واحد (القرار 1757- 30/5/2007). بالتالي، المحكمة الخاصة بلبنان هجينةٌ وهشّة.

وأوضح كوفي أنان، بأنه لا يمكن اعتبار المحكمة الخاصة بلبنان محكمةً حقيقية، بل مجرّد لجنةٍ تأديبيةٍ مشتركةٍ بين الهيئتين التنفيذيتين اللبنانية والأممية. وأيّاً كانت قراراتها، ستكون بالتالي موضع شكّ.

بل أسوأ، ففي أيّة لحظة، تستطيع أيّة حكومةٍ لبنانيةٍ أن تنهيها، بما أنّ الاتفاق لم يصادق عليه ولم يلزم إلاّ الحكومة السابقة. وبما أنّ المصائب لا تأتي فرادى، فقد أصبح الشكّ الآن من نصيب رئيس المحكمة أنطونيو كاسيسي، الذي يرى فيما يرى، أنه ينبغي أن توصف المقاومة المسلّحة في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان بأنّها «إرهاب». ففي نظره، الإرهاب هو حصراً فعل أفرادٍ أو مجموعاتٍ خاصة، ولا يكون أبداً من فعل دول. في السياق المحلّي، ينتمي هذا الموقف الحقوقي إلى النسق الاستعماري ويسقط صلاحية المحكمة الخاصة بلبنان. كما أنّ مناهج المحكمة الخاصة لا تختلف إطلاقاً عن مناهج لجنة ميليس. فقد جمع محقّقوها ملفّاتٍ عامة: حول الطلاب اللبنانيين والمستفيدين من الضمان الاجتماعي والمشتركين في شركة كهرباء لبنان وفي مصلحة المياه. بل إنّهم حاولوا في السابع والعشرين من تشرين الأول الاستيلاء بالقوة على ملفّاتٍ طبية من عيادةٍ نسائية ترتادها زوجات أعضاء حزب الله، بغياب القضاة اللبنانيين. ليست لهذه التحقيقات أيّة صلةٍ باغتيال رفيق الحريري. كلّ شيءٍ يحمل اللبنانيين على الاعتقاد بأنّ هذه المعلومات مكرّسةٌ لإسرائيل، وبأنّ المحكمة ليست في نظرهم إلاّ تابعةً لها.

الحقيقة تظهر شيئاً فشيئاً. تُظهر مقاطع الفيديو التي اعترضها حزب الله وصوّرتها الطائرات الإسرائيلية من دون طيّارٍ تحضيراً إسرائيلياً للجريمة. وتُظهر الأحداث التي كشفتها أودناكو استخدام سلاحٍ ألمانيٍّ متطوّر. اللغز على وشك الحلّ.

تييري ميسان: محلل سياسي فرنسي، رئيس شبكة فولتير.

النص كاملاً منشور على موقع قاسيون..