إمارات الإخوان
مراد جادالله مراد جادالله

إمارات الإخوان

يُسَلّط الضوء مجدداً على قضية التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وهذه المرة على خلفية اعتقال خلية مكونة من 11 شخصاً في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومن ثم تم الإعلان عن استدعاء قيادات التنظيم النسائي للاستجواب. 

 

تأتي هذه الإجراءات رغم إيفاد محمد مرسي لوفد من رئاسة الجمهورية المصرية لمتابعة هذه التطورات، ضمّ الوفد كلاً من عصام الحداد مساعد رئيس الجمهورية للشؤون الخارجية والتعاون الدولي، وخالد القزاز سكرتير رئيس الجمهورية.

يقول البعض أن محاولة الاحتواء التي بادر إليها الرئيس مرسي والتي خضعت لانتقادات شديدة كونها تَدَخلاً لرئيس مصر لمصلحة تنظيمه وليس للشأن العام، فشلت، فالعلاقة بين التنظيم ودولة الإمارات وتناقضاتها هي صراع قديم جديد ولما ينته بعد.

العلاقة التاريخية

بدأت  العلاقة بين الإخوان والإمارات مع أوائل ستينيات القرن الماضي حين عاد مجموعة من الطلبة الإماراتيين من دراستهم في الكويت ومصر متبنين نهج الإخوان، وبدؤوا نشاطهم في إطار جمعية الإصلاح وهي الجمعية التي تعتبر التنظيم الإخواني الناشط على أرض الإمارات، ويقول الباحث في مركز المسبار الإماراتي منصور النقيدان في بحثه المنشور باسم «الإخوان المسلمون في الإمارات التمدد والانحسار» حول هذه النشأة :« وفي عام 1974 تقدمت مجموعة من رجال الأعمال والوجهاء وشيوخ الدين والدعاة -ومنهم الإخوان القدامى مثل سلطان بن كايد القاسمي، ومحمد بن عبدالله العجلان،وعبد الرحمن البكر وحمد حسن رقيط آل علي، وحسن الدقي، وسعيد عبد الله حارب المهيري- تقدمت هذه المجموعة بطلب إلى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائب رئيس الدولة حاكم دبي بإشهار الجمعية. تولى الشيخ محمد بن خليفة آل مكتوم منصب أول رئيس لمجلس إدارة الجمعية. وتبرع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم بإنشاء المقر الرئيسي بدبي، تلاه إنشاء فرعين للجمعية في إمارتي رأس الخيمة والفجيرة، وقد تبرع الشيخ راشد آل مكتوم أيضاً بتكاليف إنشائهما، ويقال إن رئيس الدولة الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان تبرع بأرض لإنشاء فرع للجمعية في أبوظبي نهاية السبعينيات، ولكن قرار  إنشاء الفرع جُمّد لاحقاً، أما إمارة الشارقة فقد أغلقت الباب في وجه الإخوان».

وصلت هذه العلاقات إلى أوجها في عقد السبعينيات من القرن الماضي حيث نجحوا في الوصول إلى ثلاث وزارت في ذاك العقد. لكن وفي أواخر عقد الثمانينيات جاءت أولى الضربات للتنظيم، حيث  توقفت مجلة «الإصلاح» التي تصدرها جمعية الإصلاح عن الصدور مدة ستة شهور في عام 1989 ومن ثم قامت الحكومة  في عام 1994 بحل مجلس إدارة الجمعية، وتعرضت فروعها، في دبي والفجيرة ورأس الخيمة إضافة إلى جمعية الإرشاد في عجمان، لتقليص أنشطتها ، وقامت الحكومة بإسناد الإشراف عليها إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، ماعدا فرع رأس الخيمة الذي كان يتمتع باستقلالية تحت حماية وتعاطف حاكمها الشيخ صقر القاسمي، وذلك وفقاً لما جاء في دراسة النقيدان.

إن هذه العلاقة المتلبدة استمرت بالمد والجزر طوال الفترة الممتدة من 2000 وحتى هذه اللحظة، وفي عام 2003 توقع البعض انفراج ما بين الإخوان وحكومة الإمارات. فجاءت سلسلة لقاءات بين قيادي الإخوان و نائب ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حيث رحب بهم وأبدى استعداد الحكومة لدمجهم في مسيرة «التنمية» ومؤسسات الحكومة والاستفادة من خبراتهم، إذا ماقررت الجماعة حل تنظيمها. سرعان ماباءت هذه المفاوضات بالفشل وصولاً إلى سلسلة التصريحات النارية التي أطلقها ضاحي خلفان ، قائد شرطة دبي، في أواخر العام الماضي 2012.

أسباب واهية

يسودالسؤال اليوم عن سر الصراع المتصاعد بين هذين الطرفين، الحركة التي تبناها الغرب تاريخياً، وبين نظام عربي يُعتبر أحد أهم حلفاء الغرب والأمريكيين في المنطقة، ويرجح البعض أن أرضية الخلاف الحالي، رغم جذورها التاريخية الواضحة، تعود إلى الصراع القطري_الإماراتي على قناة السويس. فقطر _التي قبل الإخوان المسلمين حل تنظيمهم فيها في أواخر التسعينيات، خلافاً لموقف الإخوان الإماراتيين _ تسعى اليوم جاهدة إلى التمدمد وذلك بتوسيع نفوذها الإقليمي عبر الهيمنة على الاقتصاد المصري، بينما تعاني حكومة دبي التي تعد أهم المراكز التجارية والمالية في المنطقة، من تبعات أزمة الاقتصاد الرأسمالي العالمي. يبدو هذا التفسير سطحياً فالدور القطري كما الإماراتي هو دور مرسوم ومهيمن عليه من واشنطن، ولامجال للحديث عن أي استقلال -اقتصادوي المنشأ- في مواقف هذين البلدين ينتج عنه هكذا تناقض في السلوك. إن الفوائض البترولية في أبو ظبي وفوائض الغاز في الدوحة، والتي ظلت تمول كل تنظيمات الإسلام السياسي المرتبطة بالغرب لعقود، كافية لاستمرار الازدهار في هاتين البقعتين،  طبعاً مقابل أن يبقى دور هذه الأنظمة وهذه الحركات أداة أمريكية طيعة. 

يروح البعض للكلام عن مشاكل انبثقت مع إسقاط مبارك، حيث لجأ جزء من رجال الأعمال والساسة المحسوبين على مبارك إلى دولة الإمارات، ومنهم أحمد شفيق مرشح الرئاسة الذي حل ثانياً بعد محمد مرسي. يقول المساعد السابق لوزير الخارجية المصري هاني خلاف في هذا السياق:«يضاف إلى ذلك تأثير متراكم من رفض الحكومات المتعاقبة بعد الثورة لعروض من نظام الإمارات لدفع فدية مالية ضخمة قد تُقدّر بالمليارات، مقابل العفو عن حسني مبارك أو الإفراج عنه والإبقاء عليه قيد الإقامة الجبرية ». 

حقيقة الصراع

لايمكن فهم التناقض الحالي دون الإنطلاق من فهم طبيعة تنظيم الإخوان كتنظيم «أممي» إن جاز التعبير، فهو قائم على الفكر الديني العابر للقوميات والدول القطرية، وإن أي انتشار لهذا التنظيم في أي دولة يعتبر تهديداً للنخب الحاكمة فيها مالم تتبنى الفكر ذاته. لقد اعتمد الغرب تاريخياً في إطار عملية الهيمنة والنهب على نخب حاكمة فاسدة وعميلة في معظم بلدان العالم الثالث، واستخدم في الوقت ذاته تنظيمات سياسية معارضة لهذه النخب، لتكون جزءاً من ثنائية وهمية (نظام-معارضة). خضعت الشعوب لعقود طويلة لمنطق هذه الثنائية، وواجهت الجماهير في كل لحظة قوى سياسية عميلة وناهبة ومتطابقة من حيث الجوهرـ إلا أنها متعارضة من حيث الظاهر، كانت إحداها في السلطة والأخرى تدعي المعارضة، و اُستخدمت هذه الثنائية بشكل واضح في معظم الجمهوريات العربية التي كانت تحوي قوى وطنية وتقدمية.

 ضمن الغرب بهذه الطريقة ضرب أي مشروع تقدمي، فالأنظمة العميلة كانت تقمع الحريات تحت ذريعة خطر التنظيمات المتطرفة كالإخوان وغيرهم، وعندما جاء وقت التغيير دُفعت هذه القوى التي مُوّلت تاريخياً بأموال هائلة من دول الخليج، للواجهة بعد دعاية مطولة عن تاريخها في «المعارضة» وتعرضها «للظلم الشديد».

إن موقع الإخوان السابق كقوى معارضة كان بمثابة الأداة التي يستخدمها حكام الخليج في وجه الدول التي حوت قوى وطنية وتقدمية، كان ذلك في إطار تفعيل أدوات الهيمنة الأمريكية في المرحلة السابقة التي كانت فيها الولايات المتحدة قطباً أوحد. إلا أن التراجع الأمريكي اليوم فرض تلك التنازلات حيث اضطر الأمريكيين إلى استبدال بعض الأدوات المهترئة، و تؤَمن هذه القوى ببرامجها وسلوكها الهيمنة السابقة ذاتها، وإن بكفائة أقل نتيجة مقاومة الشعوب حتى اللحظة. إن هذا التراجع الأمريكي جعل الدور الإخواني ينتقل من دور أداة أمريكية بيد دول الخليج (كأداة غير مباشرة في معظم الأحيان)، إلى أداة مباشرة عبر وصولها إلى السلطة وتطبيقها ذات البرامج السابقة التي استخدمتها الأنظمة العميلة.

بطبيعة الحال إن انتقال الإخوان هذا  يجعل من تنظيم الإخوان العابر للدول القطرية متناقضاً  من حيث المصلحة الذاتية مع العديد من مصالح النخب الحاكمة المعتمدة تاريخياً من أمريكا وهو مايخيفها اليوم في دول مثل الإمارات والسعودية المحسوبتين تاريخياً على الغرب. إن تنظيم الإخوان الأممي الذي فُتح له الباب ولو مؤقتاً قادر على لعب أفضل أداة أمريكية في وقت التراجع، فهو من  حيث الشكل تعبير عن تغيير ما، أما من حيث المضمون فهو استمرار لبرامج النهب والعمالة. أما التخوف الخليجي فهو يعكس مأزق الأنظمة الرجعية ورُعبها من أي تغيير ، كما يعكس بالوقت ذاته عمق الأزمة الأمريكية، حيث لم تعد القوى العربية تستطيع حماية كل أدواتها، والكلام سينطبق أيضاً على قوى الإخوان التي سارت ولازالت تسير على نهج الارتهان للغرب.