العراق بعد عقد من الاحتلال

العراق بعد عقد من الاحتلال

لم يكن خيار إسقاط صدام بطريقة الاحتلال الأمريكي خيار الطيف الواسع من الشعب العراقي، فالدول الرأسمالية الكبرى المأزومة وشركاتها المتعطشة للربح لا تأخذ في حسبانها خيارات شعب بسيط، ولا يعنيها شيئاً أن تحل الدمار في أرض احتضنت أعرق الحضارات.

رأت قوى الهيمنة الدولية في العراق أرضاً تطوف على مناجم من النفط والغاز، تستطيع بالسيطرة عليها أن تؤجل انفجار أزمتها الاقتصادية من خلال ضمان استمرار تسعير النفط بالدولار كهدف بعيد المدى، وتأمين تشغيل المجمع العسكري وتحقيق أرباح عالية للشركات النفطية والأمنية، فاستطاعت في سبيل تلك الأهداف ومن خلال منظومتها المالية والإعلامية والسياسية أن تبرر خطواتها، وأن تخلق أتباعاً لها من المعارضة العراقية غير الوطنية لتهلل لدخولها . 

فاتورة الاحتلال

دفع العراقيون ثمناً باهظاً لدخول الأمريكان إلى بلادهم حيث قُتل حوالي مليون عراقي، ونزح حوالي 4.5 مليون شخص بينهم الكثير من أصحاب المهارات والكفاءات العلمية .

وبقي العراق تحت وطأة مخلفات الاحتلال على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

- سياسياً: خلف الاحتلال نظاماً سياسياً قائماً على التحاصص الطائفي، يضم وجوهاً طائفية وقوى فساد ليس لديها برنامج سياسي جدي، بل جاءت كمحصلة لتوافقات بين الأمريكيين والقوى الإقليمية في المنطقة، بالإضافة إلى مؤسسات دولة متهاوية فاسدة، وقوات عسكرية وأمنية غير قادرة على إحلال الاستقرار.

- اقتصادياً: أصبح العراق بلداً مثقلاً بأعباء القروض والفوائد، حيث خصصت الحكومة من موازنة عام 2013 مبلغ 1.445 مليار دولار لتسديد الديون الخارجية، وتدل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية اليوم على تدهور الأوضاع المعيشية للعراقيين فأكثر من 40% يعيشون تحت خط الفقر وأكثر من 33% يعانون من البطالة، وذلك على الرغم من أن العراق يعتبر ثالث أكبر احتياطي للنفط في العالم .

الثورة أم الفوضى؟

لم يستطع النظام السياسي الحالي وكنتيجة لتركيبته الطائفية والتوافقية، أن يرمم ما خلفه الاحتلال، وهذا ما شكل الأساس الموضوعي للاحتجاجات العراقية الحالية ضد حكومة المالكي مما يضع العراق اليوم أما سيناريوهين:

فإما أن تستجيب الحكومة والقوى السياسية للمطالب الشعبية وتبدأ تغييرات حقيقية تطال النظام السياسي الحالي الطائفي، بالإضافة إلى برنامج اقتصادي يعيد الدور الفاعل للدولة ويحد من نصيب الشركات الأجنبية والفاسدين المستفيدين من عائدات الثروات العراقية. آخذة بعين الاعتبار التغيرات التي تطال خارطة التوازنات الدولية مع تراجع النفوذ الأمريكي وصعود دور روسيا وغيرها من الدول الإقليمية، وتضمن بالتالي إعادة توحيد العراقيين الذين سئموا الطائفية مما يخلق نموذجاً قد يمتد إلى الدول المجاورة وتحديداً سورية.

وإما أن تعيد تكرار أخطاء المشهد الثوري العربي، لتفتح الباب أمام المزيد من التدخلات الخارجية للقوى التي لها مصلحة باستمرار بقاء العراق ضعيفاً يسهل استمرار نهبه وأن يبقى كذلك شعلة لصراعات طائفية ومذهبية قد تمتد إلى المنطقة برمتها .

يقف العراق اليوم بعد عشر سنوات على الاحتلال أمام مفترق طرق فإما أن تصبح سنوات الاحتلال تلك بويلاتها حافزاً لثورة تعيد التماسك  للمجتمع العراقي وتشكل له انطلاقة نحو إعادة الثروات لمستحقيها من أبناء الوطن، وإما نحو المزيد من دوامة العنف والطائفية، وعندها سيبقى المحتل هو المستفيد الوحيد.