باكستان، الحراك الصعب
يبدو أن الحراك الشعبي في باكستان قد انطلق، فالواقع المأزوم هناك اقتصادياً واجتماعياً في الدولة النووية ناهيك عن الأزمة الوطنية والأمنية الكبرى الناشئة بسبب الغزو الأمريكي لأفغانستان.
يدفع إلى انفجار وطني كبير، فالأمريكي يستبيح يومياً وحتى اللحظة الأجواء والأراضي الباكستانية، وتواجه باكستان يومياً خطر تفجيرات دامية، يضاف إلى كل ذلك الصراع المستمر مع الجار الهندي.
من هذا الواقع المأزوم كلياً بدأ الحراك الباكستاني، لكن البداية التي كانت مع مظاهرات دعا إلهيا الشيخ طاهر القادري، زعيم مايسمى حركة «منهج القرآن الدولي»، لم تكن محط إجماع وطني كبير، حيث دعا أنصاره إلى مظاهرات مليونية تنطلق من لاهور لتصل إلى ميدان البرلمان في إسلام أباد، مشيراً إلى أن الثورة في باكستان قادمة على غرار ثورات ما يسمى بالربيع العربي وداعياً إلى تحويل «ميدان البرلمان» إلى ميدان تحرير جديد في باكستان.
لكن السلطات الباكستانية عمدت إلى اغلاق الطرق الرئيسية المؤدية إلى إسلام آباد بواسطة شاحنات وحاويات وغيرها من الحواجز، وذلك للحيلولة دون دخول المحتجين إلى العاصمة، فيما تجمع حوالي 20 ألف من رجال الشرطة لحفظ النظام في المدينة، بالإضافة إلى بضعة آلاف من قوات حرس الحدود والقوات الداخلية، تم نقلهم الى العاصمة لتعزيز قوات الشرطة. في حين تم ضرب طوق على ما يسمى بالمنطقة الحمراء، حيث يقع مقر الرئيس ورئيس الوزراء ووزارتي الخارجية والداخلية والبرلمان والمحكمة العليا والسلك الدبلوماسي بواسطة سلسلة من الشاحنات وقوات حفظ الأمن.
ترفض السلطات حراك القادري الذي استطاع جمع 150 ألف من أنصاره، حيث اعتبرته امتداداً لأجندات خارجية تسعى لزعزة استقرار باكستان والتشويش على الانتخابات القادمة. جاء ذلك على لسان حنا رباني خار وزيرة الخارجية الباكستانية حيث قالت :» إن الاحتجاجات التي عمت العاصمة تهدف إلى زعزعة الوضع غير المستقر أصلاً في البلاد، وإن القادري الذي عاد قبل عدة أسابيع من كندا يحمل جنسية كندية، مما يُعتبر أمراً يدعو للقلق «.
يُذكر أن طاهر القادري كان أحد المؤيدين البارزين للجنرال برويز مشرف، وشغل القادري منصباً في البرلمان الباكستاني. وترك المنصب في عام 2006 وهاجر إلى كندا، حيث قام بالدعوة في المساجد بمنطقة تورونتو.
كما أن الجهات المعارضة أيضاً لم ترتح لحراك القادري، وقال نواز شريف رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق، زعيم «الرابطة الإسلامية» أكبر أحزاب المعارضة الباكستانية أنه لا يؤيد حركة «منهاج القرآن»، كما أن حركة «تحريك إنصاف» بزعامة عمران خان لاعب الكريكيت السابق، رفضت أيضاً الانضمام إلى احتجاجات أنصار القادري. إلا أن نواز شريف طالب السلطات بتحديد فوري لموعد إجراء الانتخابات البرلمانية بشكل مبكر وتشكيل حكومة مؤقتة، وقال شريف في مؤتمر صحفي له: «لقد توصلنا إلى استنتاج بأنه ينبغي على السلطات أن تعلن فوراً عن موعد الانتخابات وتشكيل حكومة مؤقتة».
واجهت السلطات الباكستانية مظاهرات أنصارالقادري بالقوة، حيث أطلقت النار في الهواء واستخدمت الغاز المسيل للدموع في محاولة لتفريق مسيرتهم . إلا أن المحتجين منعوا القوات الحكومية من اعتقال زعيمهم ورشقوهم بالحجارة، مما اضطر عناصر الأمن إلى استخدام الغاز المسيل للدموع. وأسفرت المواجهات عن إصابة 6 أشخاص من مؤيدي القادري بجروح. وأعلن القادري في وقت لاحق توصله لاتفاق مع الحكومة الباكستانية ينص على حل البرلمان قبل موعد 16 آذار وإجراء الانتخابات خلال 90 يوماً، بالإضافة إلى إعادة تشكيل لجنة الانتخابات العامة.
في هذه الأثناء واجه رئيس الوزراء الباكستاني أمراً بالاعتقال، حيث أصدرت المحكمة العليا الباكستانية الثلاثاء 15 كانون الثاني مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء رجا برويز أشرف. وذكرت مصادر قضائية أن افتخار شودري كبير قضاة باكستان قرر اعتقال أشرف على ذمة التحقيق معه بتهم اختلاس المال العام والفساد أثناء شغله منصب وزير الطاقة.
وأمهلت المحكمة العليا المسؤولين الباكستانيين 24 ساعة لاعتقال رجا برويز أشرف وبقية الأشخاص الـ 16 المتورطين في قضية الفساد ذاتها. لكن المحكمة العليا الباكستانية قررت يوم الخميس 17 كانون الثاني تأجيل النظر في قضية رئيس الوزراء، ويأتي ذلك بعد أن رفض مكتب المساءلة الوطني اعتقال رئيس الوزراء بسبب قلة الأدلة المقدمة ضده.