«الربيع» العربي والقضية الفلسطينية

«الربيع» العربي والقضية الفلسطينية


◄ محمد الجندي

ثمة نقطة هامة بالنسبة للقضية الفلسطينية، وهي أن القضية باقية ما دام هناك فلسطينيون، وبرسم الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية، منطقة الشرق الأوسط لن تصفى، ولن تصبح بحيرة أمريكية لقرون، مادام هناك شعوب يهمها أن تعيش حرة في بلدانها، ولن تستطيع الإدارات العربية، ومن الجملة الفلسطينية، أن تساعد في تصفية شعوبها، وهي التي تصفى، لا الشعوب.

الإدارات الاستعمارية هي التي ترسم منذ القرن التاسع عشر إلى اليوم مصائر شعوب العالم الثالث، ومن الجملة شعوب الشرق الأوسط، بطموحاتها وإيديولوجياتها وتحركاتها السياسية والشعبية واقتصاداتها.. الخ، وهذا مستمر.

وتعمل الإدارات الاستعمارية على قاعدة أن الشعوب المذكورة غير موجودة، إنما هي تتألف من كائنات بدائية للترويض، لا لأخذها في الاعتبار. إن الطرح الإسرائيلي، أن فلسطين هي أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، لم يكن طرحاً صهيونياً فقط، وإنما هو طرح استعماري شامل: العالم الثالث، أو المستعمرات السابقة هي أرض بلا شعب وهي ملك للقوى الاستعمارية بشراً وأرضاً وثروات.

الفلسطينيون عانوا من كل ذلك: استيطان بدأ منذ أوائل القرن الماضي، بل وقبل ذلك، وتضمن تهجيراً تدريجياً للفلسطينيين، ثم كثافة استيطان في 1946، برعاية الإدارة الأمريكية، وترافق بتهويش دولي وإقليمي، انتهى بإقامة إسرائيل في 1948، وطرد جميع الفلسطينيين تقريباً من بلدهم. واستمر التهويش الدولي والإقليمي ، والترويض، الذي انتهى باتفاقات أوسلو، بداية النكبة الثانية. الآن التحرك الاستعماري (الأمريكي- الأطلسي)، لا حول تصفية القضية الفلسطينية وحدها، وإنما تصفية المنطقة.

ومن هنا «الربيع» العربي الهادف أولاً، إلى إقامة الشرق الأوسط الجديد، بما في ذلك من مآس ونكبات، وإلى التغلغل في آسيا الوسطى لتوجيه ضربات تدريجية لروسيا، ثانياً.

الإدارات العربية تساعد على تنفيذ ذلك المخطط القذر، مضحية ببلدانها وبنفسها أيضاً، ففي الشرق الأوسط الجديد، لإمكان لطواقم الأمس.

«الربيع» العربي، أو الأمريكي- الأطلسي، هو عنوان لمسرحية كبرى دموية، تضم الإدارة الأمريكية والإدارات الأوروبية والعربية الحليفة، إضافة إلى مجلس الأمن لتخريب بلدان الشرق الأوسط، عبر تثبيت مقولات جديدة منها، وأخطرها، أن الاحتلال يحمل الديمقراطية إلى البلد، ومنها أن كل طائفة لها الحق ببناء كيان سياسي خاص بها، ومنها أن الطائفيين يستطيعون الضحك على الإدارة الأمريكية، فيحصلون على دعمها، ويبنون مشيخاتهم أو إماراتهم. عملياً تضحك الإدارة الأمريكية عليهم، وتسخرهم، أو تستأجر زعماءهم ضد مجتمعاتهم وضد شعوبهم، ومنها أن مقاومة الأمريكيين (لا مقاومة الإدارة الأمريكية) تكون بالعودة إلى الطائفة، ومنها أن أمريكا هي نصيرة هذه الطائفة أو تلك، الخ.

الكومبارس للمسرحية موجود، زعماء طائفيون، يتبارون في إرضاء الإدارة الأمريكية، و«ديمقراطيون» يغردون للأب الروحي للديمقراطية وهي الإدارة الأمريكية، ويدعونها لاحتلال بلدانهم، أو لحل مشكلاتهم الداخلية.

«من تمنطق تزندق» المقولة، التي تعود للغزالي، تعني ببساطة أن كل من يستعمل المنطق، أي العقل هو زنديق، وربما هذا ما جعل «المؤمنين» (طبعاً زعماء المؤمنين) يتركون العقل لغيرهم، فبلاد «الإيمان» تخلفت، وبلاد «العقل» تطورت إلى الانجازات العظيمة التي نراها اليوم.

وما يزال الطائفيون إلى اليوم يدعون إلى التجهيل «حفاظاً على الإيمان الذي يرونه هم، وربما لا يعتقدون به»، بينما المفروض أنهم إذا كانوا مخلصين لدينهم، أن يعودوا إلى العقل، وأن ينادوا به، لكي يبنوا بلدهم ومجتمعهم، لكي يبنوا دنياهم، فالدين من دون دنيا هو غير صحيح، أياً تكن النوايا، سليمة أم لا: ألم يقل الخليفة عمر بن الخطاب، «إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً»؟

الكومبارس الفلسطيني موجود، والحمد لله، ويعرفه الفلسطينيون. إن الفلسطينيين بالآلام الشخصية والوطنية، التي يعانونها، مطلوب منهم أن يكون لهم دور أكبر بكثير من دور غيرهم في إحباط المخططات الأمريكيةــ الأطلسية.

التهويش المتعلق بقضيتهم ليس مؤذيا لهم، لبلدهم، ولحياتهم ولسجنائهم فحسب، وإنما أيضاً لمستقبلهم.

في ظل الاحتلال، الاستيطان طبيعي، والسور طبيعي، والعدوان اليومي على الناس طبيعي، والجحيم، الذي يعانيه الخليليون والمقدسيون طبيعي، وأيضاً الذي يعانيه المعتقلون طبيعي. الاحتلال معناه كل ذلك، والخلاص منه يتطلب الخلاص من الاحتلال. أما الالتصاق بالإدارة الأمريكية فهو تأبيد للاحتلال، وسيفهم الفلسطينيون ذلك آجلاً أم عاجلاً.

«الربيع» الأمريكي- الأطلسي يؤلف خطراً يهدد كل بلدان المنطقة، ويهدد المنطقة ككل.

نتمنى أن تزعزع سورية ذلك «الربيع» المشؤوم، وأن تجمد، ولو لأمد، المخطط الاستعماري القذر، الذي يهدم العالم لبنة لبنة، وربما إذا ما استطاعت سورية الوصول إلى بر الأمان، تستطيع أن تسقط المقولات الاستعمارية، التي مررنا عليها واحداً واحداً، ليعود الشعب في سورية، وأيضاً في غيرها إلى المفهوم الوطني، الذي يرى حياة الشعوب، أياً تكن أطيافها الداخلية، وأياً تكن مشكلاتها هي في مواجهة القوى الاستعمارية التي تحمل كل شر لجميع البلدان.

 

آخر تعديل على السبت, 22 تشرين1/أكتوير 2016 23:34