البعد الدوليّ للأزمة السورية (1/2)
د. فريد حاتم الشحف د. فريد حاتم الشحف

البعد الدوليّ للأزمة السورية (1/2)

لم يعد أحد اليوم ينكر، وبخاصّة بعد مضي حوالي العامين على انفجار الأزمة في سورية، أن القوى الخارجية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، هي من استغلت وساهمت وتساهم في تعميق الأزمة، واستخدمت وتستخدم كل الوسائل المتاحة لديها وهي كثيرة جداً، لإذكائها وأخذها إلى مسار، هو أبعد ما يكون عن مصالح الشعب السوري وآماله.

وللأسف قد وجدت هذه القوى من يساعدها في تحقيق ذلك، إن كان في أروقة السلطة، أم داخل قوى المعارضة، وهذا هو السبب الذي أدى إلى إطالتها، والشعب السوري وحده وبكل فئاته وشرائحه من دفع وسيدفع فاتورة هذه الأزمة.

  لم يعد خافيا على أحد أن النظام الرأسمالي العالمي وعلى رأسه الولايات المتحدة، يعيش أزمة اقتصاديّة ، تجلّت بوضوح بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وهذا باعتراف الخبراء الاقتصاديين الغربيين أنفسهم. فقد كتب أحد أبرز الاقتصاديين المعاصرين «كينديلبيرغير» في أواسط التسعينيات، أن هذه الأزمة سوف تتجلّى في نزاعات متعددة المستويات والدرجات.

وتجنّدت منذ التسعينيات، وعندما كانت الولايات المتحدة في أوج عظمتها وقوتها، مراكز عديدة في المجتمع الغربي، لإجراء دراسات تحليليّة، لإعداد إستراتيجية جديدة بعد انحلال الاتحاد السوفيتي. وطُرحت في الولايات المتحدة العديد من البرامج، التي بحثت فيها المعاهد ومراكز الدراسات، الطرق المختلفة لتطور عالم ما بعد الحرب. الدراسة الأهم صدرت عام 1997 «الجغرافيا الإستراتيجية للشرق الأدنى المتغيّر»، لأصحابها جيفري كيمب و وروبيرت غاركاوي. طرح أصحاب الدراسة وجهة نظرهما لمستقبل المنطقة الواسعة جداً – شمال أفريقيا، والشرقين الأوسط والأدنى. وحذّرا من انبعاث الإسلام السياسي، الذي سيطمح للدور القيادي في عصر المواجهة بين الشمال والجنوب. ثم أعلن رئيس الولايات المتحدة جورج بوش الابن، ووزير دفاعه رونالد رامسفيلد نظريتهما المعروفة « الشرق الأوسط الكبير»، إحدى تفصيلات هذا المخطط، كانت الخريطة المشهورة، التي سميّت خريطة العقيد بيتيرس.

قرّر حينها أصحاب القرار في الولايات المتحدة والغرب، إعادة رسم خريطة «الشرق الأدنى الكبير»، وطرحت مراكز صنع القرار تكرار إستراتيجية الحربين الأولى والثانية، ومن أجل ذلك يجب إيجاد عدوّ وهمي وتحويله إلى واقع، والذي سيجلب للبشرية «الكثير من المشاكل». ثم تأتي «قوى الخير»، لتنتصر عليه وتخلّص البشرية من «شرّه». وأثناء ذلك ستتعرض الكثير من الدول إلى الخراب والدمار (خراب ودمار البنية التحتيّة للدول، هام جدا لأمريكا والغرب – لأنّ ذلك يتطلب إعادة بنائه، وهذا يعني عقود بمئات مليارات الدولارات)، وستزهق أرواح الملايين من البشر. دور العدوّ الرئيسي سيلعبه «الإرهاب « الذي سيشمل العالم الإسلامي بأكمله. وتتميّز هذه الإستراتيجية، بأنّه ليس هناك دولة محددة ستلعب دور العدوّ، بل العدوّ سيكون جماعياً.

لذلك كانت التفجيرات الإرهابية في نيويورك وواشنطن، التي خططت لها دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، بغض النظر عن المنفّذ المباشر لها، لتعطي الحق للولايات المتحدة في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب، وتزيل العوائق القانونية والشرعية الدولية من طريقها، وتتوجّه أساطيلها الحربية إلى هناك حيث تتجمّع قوى الإرهاب التي صنعوها هم بأنفسهم، فاحتلّوا أفغانستان ثم العراق.

 إنّ ذلك وحسب رأي الخبراء كان سيحقق لهم عدة أهداف أهمّها:

1- الخروج من أزمة النظام الرأسمالي بأقل الخسائر الممكنة، وحل مشاكل الديون والأعباء الاقتصادية (حيث سيتطلّب ذلك كميات كبيرة من السلاح، والذخائر، والعتاد، وستنعش الفعّاليات الاقتصادية المتشابكة..الخ.).

2- اصطدام المنافسين الرئيسيين بعضهم ببعض، وإضعافهم قدر الإمكان: العالم الإسلامي مع الصين، والهند، وروسيا مع أوروبا الغربية..الخ.

3- الخروج منتصرين من الحرب العالمية، دون السماح بتكرار الأخطاء السابقة، كتشكل دولة عظمى على غرار الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية.

 لكن حساب البيدر الأمريكي لم يتطابق مع حساب الحقلين الأفغاني والعراقي. وهذا ما زاد من حدّة هذه الأزمة، وأدى حسب تقدير الخبير الاقتصادي جوزيف ستغليتس الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، إلى زيادة الدين الحكومي الأمريكي بمقدار 1,2 تريليون دولار. 

بالرغم من احتلالها لأفغانستان والعراق، وحتّى في ظروف غياب العدوّ المتكافئ بالمعنى العسكري، لم تتمكن الولايات المتحدة من إركاع الجميع، وتحويل القوّة العسكرية والاقتصادية، التي ليس لها مثيل في التاريخ البشري، إلى سلطة سياسية دون حدود. فقد ولّدت سياسة أمريكا الجديدة، وفي كل القارات تقريباً، وفي معظم دول العالم، مزاجاً معادياً كبيراً للسياسة الأمريكية، وحتى في الدول الحليفة لها. لم يتقبل العالم الإملاءات الأمريكية، وانطلقت مواجهات غير سارّة على مبدأ: « الكل ضد أمريكا، وأمريكا ضد الجميع». وتبيّن أنّ موارد الولايات المتحدة، غير كافية للاستمرار في مواجهات كهذه.