«قاسيون» تحاور ناشطين في ثورة أرض الكنانة

«قاسيون» تحاور ناشطين في ثورة أرض الكنانة

أجرت «قاسيون» الاثنين 14/2/2011، عبر الاستعانة بالرفيق إبراهيم البدراوي، ممثل حركة اليسار المصري المقاوم، التي انخرطت بقياداتها وشبابها منذ اليوم الأول في انتفاضة النيل، اللقاءات التالية هاتفياً مع عدد من الناشطين السياسيين من مشارب مختلفة والذين أسهموا بدورهم ومن خلال القوى التي يمثلونها في قيام الثورة المصرية ونجاح مرحلتها الأولى

وكانت الحوارات التالية التي أجراها الرفيق جهاد أسعد محمد:

د. أحمد عز الدين لـ«قاسيون»:

لم يعد بمقدور أحد أن يلعب دور شرطي المرور على طريق التاريخ

 الباحث والخبير الاستراتيجي المصري، الدكتور أحمد عز الدين، برأيك أين يكمن سر النجاح المذهل للمرحلة الأولى للثورة المصرية؟

النجاح المذهل يكمن سره في عبقرية هذا الجيشان الشعبي الجارف كالنهر، الذي خرج مسالماً دون حجر وسلاح وأدوات،هذا هو الأمر الأول، أما الأمر الثاني فهو أنه حافظ على كل ممتلكاته طوال التحرك، فلم يعط لأحد فرصة أن يتهمه في التخريب أو الإيذاء، والأمر الثالث في سر النجاح هو الصمود الطويل والإصرار على التشبث بالأهداف الإستراتيجية للتوجه الثوري الذي حدث في الشارع، وأعتقد هذه هي الأمور الثلاثة الأساسية التي تؤكد أو تضفي على هذه الثورة بأنها حدث استثنائي متفرد خاص، له خصوصية تكاد ألا تكون مسبوقة، لا بحجمها ولا بإيقاعها ولا بأسلوبها ولا بإصرارها وعنادها الشديد، و تشبثها بالأرض كما تفعل الجيوش.

- هي لاشك غير مسبوقة على الإطلاق، ولا نظير لها من قبل، برأيك د. أحمد أين وصلت الثورة الآن، وما هو حجم المهام التي استطاعت أن تحققه، وما هو حجم المهام الذي مازال برسم التحقيق؟

اعتقد بأنها حققت حجماً مقبولاً ومعقولاً من مطالبها ومهامها، ولا أعتقد أن هذا الحجم يتعلق فقط بالإجراءات التي اتخذت أو أعلنت حتى الآن، ولكنها فجرت زلزالاً ستظل توابعه تتوالى وصولاً إلى أهدافها الإستراتيجية، وليست المسألة كما تزينها التلفزيونات الآن أو وسائل الإعلام: كم صدر من قرارات وكم تحقق من مطالب. نحن أمام زلزال، هذا الزلزال حطم هيكلاً كاملاً كبيراً وهو في طريقه إلى أن يبني إطاراً وأن يشيد شيئاً بديلاً.،هذا يأخذ بعض الوقت ولكن الزلزال قائم، توابعه مستمرة متصلة، لا أحد يستطيع أن يصد موجته الهائلة الكبيرة التي أحدثت تصدعاً كاملاً في أوضاع لم تكن في الحقيقة تعبر عن أي شكل من التوازنات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.

 الثورة، إذا افترضنا هذا الكائن العظيم الذي يمكن أن نأنسنه الآن، برأيك ما موقف هذه الثورة الآن من القوى التي تحوم حولها شبهات وطنية أو ليبرالية أو ما إلى ذلك؟

أنا أعتقد أن التيار العريض والقوى الدافقة الدافعة الأساسية التي تشكل الكتلة الهائلة، تدرك أهدافها تماماً، تدرك أولاً أن هذه الأهداف ليست ذات طبيعة سياسية خالصة ولا ليبرالية خالصة، وأنها تحركت تحت وطأة غياب أو خلل في التوازنات الاقتصادية الاجتماعية بشكل كامل، وتدرك ثانياً بأنها ملتصقة بأهداف تحررها الوطني، وأنها ملتصقة بأهداف أمتها العربية، هذا إدراك عام في مجمله، لكن خارج هذا اليقين هناك سيناريوهات لقوى أجنبية ولقوى غربية ولمحاولات اختراق، هذا هو الأساسي بأن تأخذ الثورة وأن تأخذ تيارها وأن تأخذ طلباتها إلى إطار ليبرالي ضيق الأفق، يعيد بناء ما تهدم ويضفي عليه شكلاً  ليبرالياً شكلياً أكثر قبولاً أو أكثر قدرة على البقاء والتواصل، لكن أنا لا أعتقد أن أحداً سينجح في ذلك، لأن المضمون الاجتماعي والقوى الاجتماعية الآخذة التي تمثلت طاقة الثورة ومدتها في لحظاتها الحرجة بوقود شعبي، تعرف تماماً أين تكمن مصالحها ، وإلى أين تريدها أن تتجه وما هي الثمرات التي تريد أن تقطفها منها.

 رائع، في هذا الإطار كيف تنظرون إلى بيان الجيش الذي حدد أو قال فيه انه سيحترم المعاهدات والاتفاقيات الدولية، هل هذا الأمر يأتي في إطار تكتيكي، أم في إطار كسب وقت، أم هو جذري، أم هناك قوى في الجيش تؤمن في ضرورة استمرار هذه الاتفاقيات؟

إنك في لحظة لا تستطيع فيها أن تواجه ضغوطاً خارجية يمكن أن تسبب مزيداً من المشاكل الداخلية في هذا التوقيت. الجيش له مهمة أساسية، والجيش يراهن حقيقة على تاريخه الوطني العظيم على امتداد تاريخ الوطن المصري، أنت أمام جيش بدأ مع بداية الدولة المصرية، وعمره من عمرها، وفي كل معاركها كان موقفه تحررياً قومياً عربياً استقلالياً.. الخ، هذا الجيش لا علاقة له في أن يكون جيش قوى أخرى، أو أن يهيمن لمصلحة نظام آخر، ولكن أنا اعتقد الآن في هذه الظروف، أنه من الطبيعي جداً أن تثبت أو تعمل على تثبيت الأوضاع الخارجية فيما يتعلق بمصر الآن، لأن مهمتك العاجلة الآن، هي صيانة الدولة والحفاظ عليها، وأنا أعتقد أن أحد السيناريوهات الأساسية الغربية والأمريكية التي كانت تطول الثورة، كانت تستهدفه لأنهم كانوا يلعبون ويعطون إعلاناً خارجياً بشكل، ويقدمون للنظام نصائح بشكل آخر، أي كان هناك موقفاً مزدوجاً، هدفه في النهاية أن يصل الفيضان الشعبي إلى مرحلة الفوضى، بحيث تصبح الدولة واقعة تحت تهديد كامل، فتقع مصر كما وقعت العراق، ولكن دون أن يبذل الأمريكيون دماً أو جنوداً، والجيش قطع الطريق على هذه المسألة، مسالة الحفاظ على الدولة الآن، مسألة إعادة تعبئة الناس باتجاه مصير وطني حقيقي، أنا اعتقد  لها الأولوية الآن، وليست الأولوية لمناقشة أو مراجعة أو التوقف عند معاهدات أو اتفاقيات أياً كان من حررها، أو وقعها، وإن كان مصيرها من الاستمرار أو البقاء هو المراجعة.

د. أحمد هذه الثورة هي ثورة لها بعدها الوجداني والعروبي والتقدمي  والعدالوي.. هذه أعباء كبرى تقع على كاهل هذه الثورة، برأيك ما مدى قوتها ومدى تأثيرها، وهل ستكون بحجم تطلعات كل المحيط بها نحوهم؟

صدقني إن قوة الدفع الهائلة الزلزالية التي فجرها هذا الشعب ما تزال باقية وما تزال قادرة على أن تحفظ لهذه الثورة أهدافها وعلى أن تأخذ المصير الوطني كله باتجاه آخر وأنا اعتقد إن قوة دفعها وزلزلتها لن تكون وقفاً على مصر ولا أقصد الإقليم فقط، ولكنها باليقين لها تأثيرات بعيدة المدى. لاحظ أن الأمين العام لحلف الأطلنطي خرج منذ يومين أو ثلاثة يقول إن الحلف عليه أن يعيد تشكيل وبناء استثماراته في الأمن، لأن الوضع الدولي لم يعد قابلاً للسيطرة على هذا النحو ولاحظ أن صندوق النقد الدولي هو الذي يتهم الآن الحكومة السابقة والنظام السابق بأنه لم يستطع أن يوظف أموالاً بالرغم من أن نصف الطريق على الأقل إلى البؤس الذي وصلنا إليه كان بسبب تبني مشروعات ونصائح هذا الصندوق وهذا البنك، حتى الذين ساهموا في إفقار مصر وفي إيصالها إلى هذه الدرجة هم الذين يغسلون أيديهم منها ويعاودون الحديث عن إعادة بناء إستراتيجيتهم في الإقليم وفي العالم أيضاً، فلا أحد يستطيع أن يلعب دور شرطي المرور على طريق التاريخ، فيسمح لمن يشاء بالمرور ويمنعه عن من شاء.

لقد أزحنا شرطي المرور..!                      

■■

محمد الأشقر لـ«قاسيون»:

 الثورة القائمة حالياً في مصر هي ثورة ذات بعد اقتصادي - اجتماعي

السيد محمد الأشقر، منسق العمل الجماهيري في حركة كفاية، كيف تنظرون في حركة «كفاية» للإنجاز الهائل الذي حققه الشعب المصري،  وكيف تحقق هذا الإنجاز، وماهي المهام التي مازال على الشعب أن يتابع في تحقيقها؟

إن هذا الإنجاز إن دل على شيء فهو يدل على زيف الإشاعات التي ملأت الدنيا بأن الشعب المصري قد مات وأنه لن تقوم له قائمة، حيث ثبت أن تلك الادعاءات غير حقيقية، وأن شعبنا المصري بعظمته استطاع تحقيق كل تلك الانتصارات، وأبهر العالم كله بملحمته العظيمة التي شهدناها في الأسابيع الماضية. وأنا أعتقد ان هذه القدرات كان منبعها الأساسي هو الضغط الشعبي الذي تم من القوى السياسية كافة، وعلى رأسها حركة كفاية منذ عام 2004، التي استطاعت أن تكسر حاجز الخوف لدى المواطن المصري على مدى السنين الماضية، وإضافة  إلى ذلك التراكم الحاصل في وعي الشعب المصري. فإن ما قام به الشعب العربي التونسي في  ثورته أعطى للشعب المصري قدراً من الثقة منحته دفعاً حاسماً في تحقيق انتصارات ثورته الهائلة في هذا التاريخ.

أنتم كقوى وطنية، ما هي برأيكم المهام الملحة الآن والتي يجب عليكم إنجازها؟

المهام الملحة الآن تتلخص في ضرورة استكمال ما لم تنجزه الثورة بعد، وعلى رأسه المطالبة بإلغاء حالة الطوارئ، المطالبة بتطبيق القانون، المطالبة بإلغاء الحراسة على طلبة الجامعة، المطالبة بإلغاء اتفاقية الكويز، والعمل على إلغاء اتفاق الغاز مع «إسرائيل»، ووضع حد أدنى للأجور، وفوق كل ذلك عدم الموافقة على وجود مجلس الوزراء الحالي المتكون بأغلبيته من العهد البائد، رفض وجود عمر سليمان في أي مستوى من المستويات لأنه عميل للحركة الصهيونية العالمية وعميل للنظام السابق، وبالتالي نحن نرفض أي محاولات للالتفاف على هذه الثورة وإنجازاتها.

فيما يتعلق بالشق الاقتصادي الاجتماعي، برأيكم ما هو المطلوب إنجازه في سبيل تغيير السياسات التي كانت قائمة؟

أولاً، عدم الاعتماد على المعونة الأمريكية ووقف تلك المعونة وإلغاء أي تبعية أو اتفاقيات ذات بعد اقتصادي مع صندوق النقد الدولي أو مع الولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى طلب الاعتماد على النفس لإقامة صناعات محلية وإلغاء ما تم بيعه من القطاع العام وإعادته مرة أخرى إلى أصوله، بالإضافة إلى وقف نزيف ارتفاع الأسعار وإعادة الأسعار إلى ما كانت عليه سابقاً ووضع حدين أدنى وأعلى للأجور بحيث تنخفض المسافة بين الغني والفقير، وبالحقيقة فإن جموع الشعب تقوم بثورة ثانية حالياً بمختلف الفئات والمنظمات الاجتماعية والنقابية، وفي جميع بقاع مصر هناك حالياً حركات تطالب بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وهذا طال المصارف وشركات الغاز والنفط والكهرباء والأجهزة المحلية المختلفة، والثورة القائمة حالياً في مصر هي ثورة ذات بعد اقتصادي- اجتماعي.

أنتم كحركة، ما مدى تنسيقكم مع بقية القوى والحركات الوطنية في مصر؟

يجري التنسيق حالياً، وهناك مؤتمر سينعقد يوم السبت 2011/2/19، دعت إليه حركة كفاية جميع القوى الوطنية من قوى نقابية ومهنية ومختلف القوى السياسية.. وإننا نعقد الآمال على نجاحه في إتمام إنجاز أهداف الثورة.