ليسوا منا.. ليس باسمنا

ليسوا منا.. ليس باسمنا

لم تكن مبادرة وفد الجامعة السباعي في بلير هاوس»بيت الضيافة الرسمي» بمدينة واشنطن قبل بضعة أيام مفاجئة من حيث مضمونها «التنازلي»، لأن هناك مقترحات، تضمنتها وثائق صدرت عن لقاءات تمت بين رموز نهج سلطة رام الله المحتلة، وقيادات حزبية/سياسية في كيان العدو، كانت أكثرها صدىً، «مسودة اتفاقية للوضع الدائم» بما تضمنته من إشارة لـ»تبادل المناطق»

هذه المسودة التي عرفت لاحقاً بوثيقة جنيف أو اتفاق  بيلين/عبد ربه، وتم إشهارها يوم 01 / 12/2004 في حفل صاخب بمدينة جنيف، بعد حوارات وتفاهمات شهدتها قاعات أحد فنادق البحر الميت قبل ذلك ببضعة أشهر. ليتبعها لاحقاً، ماصرح به الجنرال الصهيوني»غيورا آيلاند»، الذي طرح في منتصف عام 2006 مشروعاً، عُرف حينه باسم « خطة التجميع» يتضمن إجراء عمليات تبادل للأراضي بين مصر والأردن وكيان العدو وأراضي السلطة والقطاع لحل المشاكل العالقة في المنطقة. كما أن سلطة الحكم الذاتي كانت قد وافقت على عمليات التبادل في وقت سابق، خلال المفاوضات التي أجرتها مع حكومة أولمرت/ليفني. لكن تلك اللقاءات الرسمية، شهدت خلافاً بين الوفدين على «نسبة مساحة الأراضي» القابلة للتبادل.

 خطوة الجامعة الاستفزازية كما جاءت من واشنطن في نهاية شهر نيسان/ابريل 2013، كانت منسجمة مع الوظيفة التي تمارسها هذه المؤسسة _صناعة الاستعمار البريطاني_ منذ عدة سنوات. لكن نوعية الخطوة المرتبطة بقضية الوطن الفلسطيني المنكوب باحتلالي 1948 و 1967، أعادت تظهير موقف مشابه، كشفته البرقية التي أرسلها عبد القادر الحسيني قائد القوات المدافعة عن مدينة القدس إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، جاء فيها (أحملكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي وهم في أوج انتصاراتهم بدون عون أو سلاح). خطوة الجامعة تلك، تراجعت عن مضمون المبادرة العربية التي وضع محاورها الرئيسية الكاتب الأمريكي توماس فريدمان في عام 2002 بحيث تتضمن «إمكان تبادل أراض ٍ بحد أدنى متشابه ومتبادل». بهذا التقدم الجديد في طريق التنازلات، تكون مؤسسة الجامعة، قد أعادت التأكيد للمعسكر الاستعماري الغربي على قيامها بتنفيذ المهمات الموكولة إليها.

أكدت التنازلات المقدمة، مواقف الوطنيين العرب، تجاه قمة الدوحة الأخيرة، ومهمتها في الفترة القادمة، خاصة مع انتقال «قيادة المرحلة» لمشيخة قطر. حاول «البعض» ممن يتقنون الرهان على «السراب» أن يتوقعوا من الوفد تحقيق تقدمٍ في «غزوته» لواشنطن. لكن المكتوب يُقرأ من عنوانه. صَدمت نتائج اللقاءات مع الخارجية الأمريكية، بعض المراهنين! فقد أكد رئيس الوفد، الوزير القطري، على ضرورة(تحقيق السلام بين الفلسطينيين و»الإسرائيليين»، لأنه الخيار الاستراتيجي للدول العربية)، ومن أجل تحقيق ذلك، كان تقديم التنازل الجديد. هذا  الاستسلام «السلام»،الصهيوني المضمون، الأمريكي الإخراج، بدأت تظهر بعض مؤشراته في رسم خارطة طريق، يتحقق في مسارها، السلام الاقتصادي، بما يوفره من تعاون اقتصادي، سيشكل المدخل الرئيسي  للتحرك نحو المفاوضات، التي لن تؤدي _في حال حصولها_ إلى»حل الدولتين»، بسبب طبيعة المشروع الصهيوني/التوسعي/الإحلالي، الذي توفر له، المؤسسة العربية الرسمية»التابعة»واللاهثة وراء «التطبيع» المكشوف حيناً، والمستتر غالباً، كل عوامل التقدم، في ظل الفوضى المدمرة التي تعيشها عدة أقطار عربية.

  موقف سلطة الحكم الذاتي في رام الله المحتلة تجاه موضوع التبادل، كان الأساس الذي قامت عليه الفكرة، وهذا ماأكده صائب عريقات أثناء تعليقه على ماحصل في بليرهاوس، مؤخراً، بقوله (إن بيان الشيخ حمد يعكس المواقف الفلسطينية القائمة منذ فترة طويلة).كما أن وجود وزير خارجية السلطة ضمن الوفد، وفر الغطاء الفلسطيني للخطوة المشؤومة. لقد ساهم صمت، وتجاهل العديد من القوى والهيئات والمؤسسات الأهلية لخطورة تلك الأفكار المتداولة منذ عدة سنوات، وعدم استنفار حالة معرفية / ثقافية / نضالية، في مواجهة إفرازات نهج التنازل والتفريط المعمول به منذ عدة عقود، بامتداد المظلة، ليحتمي بها، عدد غير قليل من دعاة الإذعان لطلبات المعسكر الإمبريالي/الصهيوني .

تفاوتت مواقف حكومة العدو تجاه موقف الجامعة، ولهذا أوفدت بعض مسؤوليها بسرعة لواشنطن.  وزيرة العدل، المسؤولة عن ملف المفاوضات تسيبي ليفني التي سافرت لمقابلة كيري، صرحت بـ(أن العرب فهموا وجوب تغيير الحدود. الدول العربية جاءت وقالت لنا جميعاً: سادتي، برغم كل العواصف حولنا، لا تزال لنا مصلحة في التقدم بالعملية السياسية بين «إسرائيل» والفلسطينيين. ونحن نعود، ونتعهد بأن التوصل للسلام معناه أيضاً التطبيع معنا). أما نتنياهو، فقد أعاد اكتشاف أن (النزاع «الإسرائيلي» الفلسطيني لا يدور حول أراضٍ، وإنما حول مجرد قيام الدولة اليهودية،لأن الفلسطينيين لا يرغبون في الاعتراف بكون «إسرائيل» دولة الشعب اليهودي). على الفور، بادر رئيس سلطة الحكم الذاتي، لتوضيح موقفه بالقول (نحن معترفون بدولة «إسرائيل» منذ عام 1993 وتكرر هذا الاعتراف أكثر من مرة، ولم يسألنا أحد عن الاعتراف بيهودية «إسرائيل» حتى قبل عامين، من وجهة نظرنا يستطيعون أن يسموا أنفسهم ما يريدون). لكن نتنياهو، المندفع في تنفيذ برنامج حكومته الصهيونية الاحتلالية/الإجلائية، يعيد اكتشاف جذر الصراع، بقوله _ وهو يُقدم الحقيقة الثابتة لدى أبناء الشعب والأمة_ من أن (جوهر النزاع، ليس مستوطنة يتسهار، وإنما، حيفا وعكا ويافا وعسقلان).

في بيان ومؤتمربليرهاوس، انكشف مجدداً، السقوط السياسي والأخلاقي لديبلوماسية «الأطراف التابعة» التي تصرفت بأرض الوطن الفلسطيني،الذي لاتملكه، والتي لم يفوضها أي مواطن فلسطيني أو عربي _هي أو سواها_ بالتصرف به، وكأنه «عقار» قابل للبيع أو المقايضة بقطعة أخرى من أرض الوطن المحتل!.

مالم يعلنه البيان، أوضحته مواقف اللجنة السباعية، بتشكيل لجنة «إيباك» جديدة. ليسوا منا، وليس باسمنا، مافعله أولئك في واشنطن. إن بطل «حاجز زعترة» الذي طعن المستعمر الصهيوني، هو الممثل الحقيقي لنا، وهو الناطق الرسمي باسم جماهير الشعب والأمة، والمعبر عن آمالها .

إن أصحاب الأرض في القدس المحتلة، هم النموذج الحقيقي لأبناء شعبنا، المتمسكين بحبات تراب الوطن من أمثال» أم كامل الكرد « وعائلة «غيث» وآلاف، آلاف العائلات التي تنغرس في الأرض العربية الفلسطينية، دماً ولحماً وتاريخاً.