المفكر المصري د. رفيق حبيب

المفكر المصري د. رفيق حبيب

هناك من يريد إظهار مصر دولة بشعبين لفرض الوصاية عليها

موجز لحوار مطول أجراه الإعلامي إميل أمين لمصلحة مركز الجزيرة للدراسات، وقد تم نشره بتاريخ 04/01/2011.

الأزمة.. والجذر الاجتماعي - الاقتصادي

كيف تقرأ حال العلاقة الراهنة بين الأقباط والمسلمين في مصر، وإلى أين تمضي؟

تمضي إلى مرحلة أزمة أكثر عمقاً.. فالأزمة بدأت منذ السنوات الأخيرة للقرن الماضي عبر حادثتي الكشح الأولى والثانية، وهي مستمرة في منحى تصاعدي ديني وطائفي.. حجم العنف مرتفع، حجم تلاحق الأحداث سريع، إذاً نحن نمضي إلى لحظة الذروة في هذه الأزمة.

إلامَ تعزو هذا الاحتقان الخطير في الأعوام الأخيرة؟

في واقع الأمر هناك عدة أسباب، منها ضعف تمثيل الدولة للانتماء العام، فمنذ سبعينيات القرن الماضي هناك أزمة مجتمعية طرحت نفسها بعد هزيمة عام 1967، وبات المجتمع المصري يعيد بناء نفسه على أسس هويات دينية دون أن تعبر الدولة عن هوية واحدة جامعة مانعة داخل إطارها الأوسع، هناك كذلك أزمات اجتماعية واقتصادية أدت إلى زيادة التعصب والاحتقان، هذه العوامل مجتمعة شكلت أزمة مجتمعية شاملة أثرت على قيم الإنسان المصري وهويته، ولذا ظهرت درجة عالية من التعصب.

لكن، ألا ترون أن مصادمات الجيزة الأخيرة بين بعض الأقباط وبين الأمن مشهد نوعي غير مسبوق يتمثل في اللجوء للعنف؟

هي لحظة جديدة في مسالة النزاع الديني بلا شك، ويمكن القول إن الخروج بالتظاهرات والاعتراضات منذ حادثة الكشح ينمو تدريجياً.. إذ انكسر حاجز الخوف لدى فئات كثيرة في الشارع المصري مما شجع الأقباط على الدخول في مواجهات مباشرة مع النظام.

هل تخشى من أن يكون هذا النموذج مرشحاً للتصاعد عند أقرب مواجهة فكرية تالية؟

أتصور أنه مرشح للتصاعد والتكرار عند أية أزمة تحدث لافتقاد إستراتيجية حقيقية ناجعة لمواجهة مثل تلك المشكلات منذ سبعينيات القرن العشرين، أي منذ أربعة عقود، ولابد من إجماع العقلاء والحكماء في مصر على إيجاد مثل هذه الإستراتيجية.

هل قضية تلكؤ الحكومات المتعاقبة في إصدار قانون بناء دور العبادة الموحد هو المنطلق الرئيس لهذه الصدامات أم أن هناك جذورا أكثر عمقا للازمة؟

مواقف الأقباط الأخيرة لا يمكن أن نعزوها فقط إلى تأخر صدور قانون العبادة الموحد، بل يجب أن نعزوها إلى عدة أشياء في وقت واحد منها على سبيل المثال: القول إن الجماعة القبطية أصبحت جماعة نشطة في إطار طائفي سياسي داخل إطار الكنيسة وأن لديها رؤى ومشروعاً، لأنها عندما خرجت في حادثة وفاء قسطنطين لم يكن معها الحق أن تخرج لأنها خرجت ضد حرية الاعتقاد، وهذا يعني أن تلك الجماعة تخرج أحياناً في شكل رد فعل، وأحياناً في شكل فعل، وبالتالي لا يمكن أن نعزو الأمر لإشكالية بناء دور العبادة فقط.

أما مسالة تلكؤ الدولة فهي حقيقة لأن هناك إجراءات لبناء الكنائس غير واضحة، غير عادلة، لا تؤدي إلى تحديد مساحة الحق أين هو، ولا تؤدي بأي شخص لأن يعرف أين حقه لكي يأخذه.

الإجراءات المعقدة تؤذي مشاعر المسيحيين لأنها تمس حقهم في بناء دور العبادة، وأنا أرى أن الدولة تتلكأ في إصدار قانون البناء الموحد لدور العبادة لأنها في ظني تعتقد أن تصاريح بناء الكنائس هي أداتها للسيطرة على الكنيسة، هذا أولاً، وثانياً إذا كان هناك قانون محدد وعادل وواضح لبناء الكنائس يحدد متى يمكن ومتى لا يمكن سوف تفقد ورقة مهمة للسيطرة على الكنيسة والضغط عليها.

أيضاً الدولة أحياناً كثيرة تتجنب فتح ملفات كثيرة لا تعرف كيف تديرها على المستوى الاجتماعي، مثلاً تجنبت الدولة فتح قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين لعقود طويلة، وأنا أظن أن الدولة ستتلكأ أكثر في مسألة بناء الكنائس، وهذا سيظل أحد أهم الأسباب الرئيسية للتصادمات الطائفية كما كان منذ عام 1972 وحتى الآن.

جدل الهوية

هناك جدل جرى في مصر بين بعض الرموز المسيحية والإسلامية حول هوية مصر: من هو صاحب البلد الأصيل ومن الضيف.. هل تعتقد أن مثل هذا الجدل العقيم ساعد في إشعال المواجهات؟

جوهر التصريحات التي صدرت عن الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس للكنيسة الأرثوذكسية المصرية عن أن الأقباط هم أصحاب مصر الأصلاء وأن المسلمين ضيوف، تعبر عن رؤية ذات بعد قومي سياسي وتتناول الحديث عن مصر المصرية الخالصة التي ليست لها أية روابط بهوية العالم العربي أو الإسلامي.. هذه الرؤية ظهرت عدة مرات من ممثلي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في عدة محاضرات سابقة كما في محاضرة الأنبا توماس في الولايات المتحدة الأمريكية.. هي رؤية سياسية قومية بدأت تنتشر لدى الجماعة القبطية وليست جديدة، بل الجديد هو التصريحات التي أظهرتها.

وتصوري أن طرح الحديث عن هوية مصر يجب أن يكون قضية مفتوحة للحوار، فحدوث الحوار، حتى ولو كانت له آثار سلبية، ليس خطراً، لأن بقاء رؤية معينة لدى الأقباط عن هويتهم ورؤية للمسلمين عن هويتهم؛ وبقاء الرؤيتين معناه أننا تحولنا إلى شعبين ولم نعد شعباً واحداً، وهذه هي الخطورة الشديدة؛ ولذا علينا أن نناقش هذه القضية بموضوعية.

ما الذي جرى للتعايش الإسلامي المسيحي المشترك عبر أربعة عشر قرناً في مصر؟

عبر أربعة عشر قرناً كان هناك تعايش إسلامي مسيحي، نعم حدثت نزاعات دينية بين المسلمين والمسيحيين في بعض الفترات المتفرقة، لكن لم يحدث أن استمرت أربعة عقود كما الحال مؤخراً، كانت تستمر أسابيع أو أشهراً كأقصى تقدير ثم تنتهي..

كان النزاع الديني وقتها يرجع إلى أزمات العصر، مثل المجاعات أو استغلال الحكام الطغاة لمناصبهم، ولهذا لم يكن النزاع يتمحور حول القيم والهوية، الآن التنازع حول الهوية الدينية. ولعل ما عمق الأزمة أنه في الماضي كان المجتمع قوياً برجاله ومؤسساته وتكويناته الاجتماعية وقياداته المجتمعية القادرة على حل أي أزمة؛ لكن هذا النموذج ضعف لمصلحة سيطرة الدولة، وبالتالي لم تعد هذه الرموز حاضرة مما أضعف كيان المجتمع المصري وسهل ظهور تلك النزاعات.

قبل عدة عقود لم تكن الكنيسة إلا موضعاً للعبادة.. ما الذي تغير على صعيد هذا الدور؟

لأول مرة في التاريخ المصري يتغير الدور الأصلي المنوط بالكنيسة القبطية، وبدا وكأنها تطرح نفسها ممثلاً سياسياً، وتظهر الكنيسة بهذا الشكل في العمل السياسي لتكون ضمن القوى المؤيدة مباشرة للحزب الحاكم.. وبالتالي نحن أمام متغيرات جديدة جعلت أزمة المجتمع مختلفة وخطيرة في الوقت نفسه.

خطر البلقنة..

البعض يحذر من أن مصر تمضي في طريق سيناريو اللبننة أو العرقنة أو البلقنة... هل ذلك ممكن فعلاً؟

الأزمات الطائفية الأخيرة تضع مصر في مواجهة سيناريو لمشروع لبننة لمصر، وإن كان مغايراً لما جرى في لبنان، يضعها أمام مشروع لا يتعلق بالتقسيم الطائفي كما هناك لأنه لا توجد طوائف في مصر ولا توجد فكرة تقسيم مصر جغرافياً لأن الأقباط منتشرون من الإسكندرية إلى أسوان، ولا يوجد مشروع لإقامة ما يسمى بالدولة القبطية هذا غير صحيح.. لكن ما يحدث هو تحول مصر إلى دولة لشعبين، وهذا بداية الطريق لأن تصبح تحت الحماية الدولية، وتتحول في النهاية إلى دولة تفرض عليها وصاية دولية لحماية شعب من تغول شعب آخر عليها، وهذا هو الوارد والممكن في المشروع القبطي.

يرى البعض أن فوران حالة الإسلاموفوبيا في الغرب والدعوة لمطاردة المسلمين بوصفهم إرهابيين، والدعوات لحرق القرآن وما إليها.. أحدثت ردود فعل طبيعية في الدول العربية والإسلامية.. إلى أي حد يصدق هذا التحليل؟

هذا صحيح إلى درجة كبيرة، ولاسيما أن الهجوم على الإسلام والمسلمين تعاظم مؤخرا وتمثل في مظاهر كثيرة مثل منع بناء المآذن ثم منع النقاب والدعوة لإحراق القران.. وفي هذا السياق كان طبيعيا أن يشعر عموم المسلمين بأن هناك حرب على الإسلام، وهناك عشرات من الدلائل تشير إلى وجود حرب على الإسلام، ولهذا كان من الطبيعي أن يسأل رجل الشارع المسلم العادي أين موقع الأقباط من هذه الحرب؟ فإذا وجدوا أن الأقباط يستظلون بالحماية الدولية، ويرحبون بالتدخل في الشأن الديني كما رحبت الكنائس بتقرير الحريات الدينية، إذاً على عامة المسلمين أن يدركوا أن هناك علاقة ما بين الطرفين، وبهذا يتم التوصل إلى خلاصة أن الأقباط هم جزء من الحرب على الإسلام وجزء من الإسلاموفوبيا.

أعتقد أننا أمام مشكلة ينبغي ردها للتاريخ: الغربي دائماً يريد أن يهيمن على المنطقة العربية والإسلامية في لحظات قوته، فعل ذلك منذ زمن الإسكندر الأكبر والإمبراطورية اليونانية، مروراً بالإمبراطورية الرومانية، وصولاً إلى جورج بوش الثاني.. هذه الهيمنة لم تكن بدافع صليبي مسيحي، إذا استثنينا فترات الحروب الصليبية بالتأكيد، هي نزعة قومية غربية، الرجل الأبيض الغربي المتفوق يرى أن من حقه أن يقود العالم لأنه الأفضل والأكثر تحضراً ويجب عليه أن يهيمن كذلك على حدوده الجنوبية أي حدود أوربا الجنوبية في العالم القديم لأن تلك الدول ببساطة، يمكن أن تكسر هيمنته أو تنافسه أو تكون بديلاً عنه على المستوى الدولي والعالمي..

والحقيقة أن الاستعمار الغربي منذ الحملة الفرنسية على مصر حتى غزو العراق، يريد أن يجعل من المنطقة فناءه الخلفي. وهنا نلفت النظر إلى أمر مهم يلتبس على البعض وهو أن رؤية الغرب للعالم العربي والإسلامي لم تختلف بعد 11/ أيلول عما سبق، ذلك أنه إذا عدنا لكل ما هو مكتوب ومقروء من التراث السياسي والثقافي والفني الغربي لعدة عقود، فإننا نجد هوليوود تشوه دائماً صورة العرب والمسلمين منذ السبعينيات..

ويقال إن صورة العرب والمسلمين في الغرب لم تتغير إلا بزيارة السادات للقدس، أي أنه عندما سلمت المنطقة الراية لأمريكا وإسرائيل تحسنت صورتها، الغرب يريد من هذه المنطقة أن تكون تابعة له.

في هذا السياق يصبح الغضب العربي والإسلامي والعنف الممارس هو ردة فعل طبيعية وهذا ليس تبرير أو إعطاء شرعية أو مشروعية له، لكنه تنفيس طبيعي في ظل غرب قابض بيد من حديد على الأنظمة العربية والإسلامية في هذه المنطقة..

فشل النُّخَب

لك مكان قيادي في الهيئة القبطية الإنجيلية، وهي من أهم الهيئات التي تعنى بشؤون الحوار بين المسلمين والمسيحيين في مصر. لماذا لا نرى مردوداً حقيقياً لتلك الحوارات؟

حوار الأديان يتم بين نخب، وكثيراً ما يضل طريقه ويتكلم عن المسيحية والإسلام، وهو عندما يتناول العقائد لا يقرب بين الأديان. وأنا أتساءل هل هذا الحوار نتاج حالة مجتمعية؟ ليس كذلك. هل من يشاركون فيه من ممثلي التيارات الشعبية الجارفة والكاسحة والمؤثرة في الشارع المصري؟ هذا ليس حقيقياً. هل الذين يشاركون في تلك الحوارات من رجال دين إسلامي أو مسيحي يعودون لجمهورهم بمنتج يوزع بينهم لتغير العقليات التصادمية إلى تصالحية؟ هذا لا يحدث..إذاً هذه عملية نخبوية، ولهذا لا نتاج حقيقياً لها على أرض الواقع.

هل الخطاب الديني في حاجة ماسة إلى تطويره إن لم يكن تغييره على الصعيدين المسيحي والإسلامي في مصر؟

حتى الأزمات الطائفية التي حدثت في بدايات القرن العشرين بعد سقوط الخلافة وظهور الدولة العلمانية ظل المجتمع المصري لديه تجمعات وقيادات وزعامات قوية، عندما حدثت أزمة 1911 الطائفية بين الأقباط والمسلمين لم تستغرق شهوراً أو سنة، بسبب وجود قيادات مجتمعية فاعلة لها جماهير وشعبية توافقت وشعرت بالخطر وبضرورة إنهاء تلك الأزمة بأسرع ما يمكن.

هذا تغير لأن الدولة المصرية دمرت كل زعاماته وكياناته فلم يعد له رجال ومرجعيات، وبالتالي عندما تحدث الأزمة من يديرها؟

وعليه أقول إنه إذا تحرر المجتمع المصري وأعاد بناء نفسه وأصبح له رجاله ومرجعياته سوف تحل كل هذه القضايا في شهور قليلة.

سياسات التفتيت

ما الذي حدث بعد سيادة حالة غياب الانتماء العام للدولة العربية بمفهومهما الحديث؟

رمزية الانتماء العام أننا جميعا ننتمي لدولة واحدة، وإذا كانت الدولة لا تنتمي إلينا فنحن بدورنا لن ننتمي إليها، وهنا يبحث كل منا عن مشروع آخر ينتمي له ويوليه اهتمامه على المستوى الاجتماعي.. ولهذا ظهرت الحركات الإسلامية لتعبر عن الجماعة المسلمة، والجماعة المسيحية ذهبت إلى الكنيسة.. وكذلك حال المجتمعات العربية التي راحت تعاني من الهويات الفرعية بعيداً عن أي حد أدنى لمستوى انتماء عام..

حدث بالفعل، في سبعينات القرن الماضي أثناء المواجهات بين شنودة والسادات، أن ثبت لدى بعض الجهات الداخلية والخارجية أن هناك نوعاً من التواصل الذي يتم بين مؤسسات المجتمع المدني الذي يعمل في الداخل والخارج وبين مؤسسات يهودية أو صهيونية لها اهتمامات سلبية بملف الأقباط وتحاول هذه التعاطي إما مباشرة أو من خلال دفع مؤسسات وسيطة للدفاع عن الأقباط، وثبت لدى الدولة والكنيسة ذلك.

والثابت كذلك أن الكثير من المظاهرات الاحتجاجية القبطية في الخارج مؤخراً تجد دعماً من منظمات صهيونية، وهذا تناولته صحف غربية ولا نتجنى على أحد، وحدث شكل من أشكال التضامن بين منظمات قبطية وأخرى صهيونية.

وتصوري أن جماعات الضغط الصهيوني عادة تعمل في المنطقة العربية والإسلامية لدعم حركات الانفصال أو الغضبات الداخلية أو الاحتجاجات لدى الأقليات العددية في مصر ولبنان والعراق.. لكن، يجب أن نقول: إذا لم تكن هناك أزمة مجتمعية، وإذا كانت وحدة الجماعة الوطنية في أحسن صورها، ما استطاعت أي جماعة خارجية أو قوى مغرضة التدخل.. اليد الخارجية، أمريكية كانت أو صهيونية، عندما تتدخل في العراق مثلاً بين السنة والشيعة، أو بين العرب والأكراد، تتدخل في حالة وجود أزمة مجتمعية قائمة، وهي بذلك تستغل الموجود وتحاول منع وعرقلة حله.

الأعداء الحقيقيون لمسيحيي المنطقة

في ظنك هل التقارير الأمريكية الأخيرة الخاصة بالحريات الدينية ساهمت في تأجيج نار الخلافات بين الأقباط والمسلمين في مصر؟

تعلمنا من التاريخ أنه عندما تتدخل يد خارجية لدعم أو مناصرة المسيحيين في مصر فإن العلاقة بين المسيحيين والمسلمين تتأزم؛ وقد جرى العرف أن غالبية الأقباط يرصون صفوفهم لرفض أي تدخل خارجي، وكان هذا هو الحائل دون تعميق حالة النزاع الديني في مصر. لكن منذ السبعينيات أصبح من الواضح أن الجماعة المسيحية تستظل بالدعم الدولي وتعتبره مفيداً لها، وأصبح عامة المسلمين يرون أن المسيحيين هم المستفيدون من التدخل الخارجي. يحدث هذا في الوقت الذي تناصر فيه الولايات المتحدة إسرائيل، وتحتل العراق وأفغانستان. إذاً التدخل لمصلحة الأقباط يأتي من طرف عدو للمسلمين أو شبه عدو في أفضل حال، وبالتالي عندما ينافح هذا العدو ويدافع عن المسيحيين فهو يعمق المشكلة بشكل أكبر. وإجمالاً أستطيع القول إن هذا التدخل الغربي شجع الأقباط على الحركة في مستوى طائفي سياسي في مواجهة الدولة، شجع الكنيسة أن تتعامل مع الدولة ليس بندية كاملة، ولكن بخلفية تعرف من خلالها أنها محمية بدرجة أو بأخرى؛ وبالتالي شجعها أن تحتج في وجه الدولة عدة مرات. في الوقت نفسه أدى إلى أن عامة المسلمين أصبحوا يعتقدون أن الأقباط جزء من الهيمنة الغربية، وبالتالي جزء من التحالف المعادي للمرجعية العربية والإسلامية والمعادي للإسلام أيضاً.. والخلاصة أن كل تقارير الحريات الدينية أدت إلى الإضرار بوضع الأقباط في مصر، ولم تفدهم بأي درجة من الدرجات. والملاحظ أنه حيثما وجد الاحتلال سواء أكان إسرائيلياً أو أمريكياً أو حتى التدخلات الأجنبية الخارجية سياسية أو عسكرية، ينقرض الحضور المسيحي العربي!.

ففي ظل الاحتلال الإسرائيلي يتآكل المسيحيون الفلسطينيون، وفي ظل الاحتلال الأمريكي للعراق ينقرض ويهجر المسيحيون الكلدان والأشوريون والسريان، وفي ظل التدخلات الخارجية الأمريكية في لبنان يتناقص عدد المسيحيين هناك من 60% إلى 30% تقريباً. الوضع في مصر مختلف بسبب العدد الكبير لكنه يتناقص بدوره، وفي هذا خطر على التركيبة المصرية.

* ابن رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر.. حاصل على دكتوراه في علم النفس الاجتماعي.. وهو باحث متخصص في الشخصية المصرية والحضارة العربية والإسلامية..