حماة... الزراعة دون ماء وكهرباء!

حماة... الزراعة دون ماء وكهرباء!

تعتبر الزراعة مصدر دخل لعشرات الآلاف من الأسر، وجزء هامّ من منتجاتها تعتبر مواد أولية للعديد من الصناعات الغذائية وغير الغذائية، ويعد القطاع الزراعي أحد أهم القطاعات الداعمة للاقتصاد الوطني من جهة، والداعمة للمواطن السوري والسوق المحلية من جهة أخرى.

لكن مع الوقت، خلال العقود الماضية وحتى الآن، بدأ هذا القطاع الاستراتيجي والمهم بالتدهور والتراجع شيئاً فشيئاً بنتيجة جملة السياسات المتبعة، بما في ذلك السياسات الزراعية، حتى وصلنا اليوم إلى واقع مأساوي يفرض أسئلة كثيرة تتمحور بمعظمها حول مدى جدية الاهتمام الرسمي بقطاع الزراعة تحديداً، وحول الدعم المُتبجّح به، ومدى فعاليته على أرض الواقع؟!
فالخطابات الرسمية كثيرة، والتصاريح والوعود أكثر، والنتيجة صفر!
فالفلاح يعاني وشكواه لا تصل، وإن وصلت فأذن من طين وأخرى من عجين!

ازرع دون ماء!

تزايدت مناشدات مزارعي القمح في محافظة حماة في الآونة الأخيرة تزامناً مع ارتفاع درجات الحرارة الشديد والسريع، حيث أوضح العديد من الفلاحين في قرية كفر بهم وقرية الغنطو وتقسيس وغيرها من قرى المحافظة معاناتهم من انقطاع الماء، وعجزهم عن ري محاصيلهم!
وحسب ما نشرته صحيفة تشرين الأسبوع الماضي على لسان أحد الفلاحين: «إن لم يروَ المحصول خلال هذين اليومين فلن تُحصد منه سنبلة... إن قضية عدم وصول المياه إلى القرى والأراضي المزروعة بالقمح هي المرة الثانية، حيث تحدث للعام الثاني توالياً، كي يمنعونا من زراعة القمح على شبكة ري حمص حماة، لكننا سنزرع»!
حديث الفلاح المنقول أعلاه يؤكد أن المشكلة مكررة، وبالطريقة والأسلوب والتوقيت نفسه، وبأن هناك نوايا مبيتة لتقليص زراعة القمح!
بالمقابل وكعادتها ألقت الجهات المعنية المسؤولية على بعضها البعض، حتى وصلنا في نهاية المطاف إلى طريق مسدود!
فقد نقلت صحيفة تشرين على لسان أشرف باكير مدير زراعة حماة قوله: «إن هذه القضية من شأن مديرية موارد حماة المائية، والقضية برمتها مسألة أيام أو وقت، لأن الأمور تتعلق بالبرنامج الخاص بسقاية المحصول».
وعند سؤال مدير الموارد المائية في حماة مطيع عبشي، بيّن أن الأمور تسير وفق برنامج السقاية المحدد بالتزامن مع ساعات تخصيص الكهرباء، وستتم سقاية كل المساحات تباعاً، وأضاف مدير الموارد المائية بحديثه لصحيفة تشرين الأسبوع الماضي: «إن أكثر من نصف مخصصات محافظة حماة، التي تروى من شبكة ري حمص حماة الممتدة من بحيرة قطينة إلى ريف حماة، تتعرض للسطو والقطع، بهدف منعها من الوصول إلى المزارعين... هناك اعتداءات ليلية على الشبكة وتلاعب بالمياه، الأمر الذي يربكنا جداً»!
والنتيجة العملية بعد هذا الشكل من الصد والرد بين الجهات الرسمية المعنية، ومساعي تجيير منع وصول المياه إلى مجهولين، هي صفر بالنسبة للفلاحين ومحصولهم!
ففي حين يتخبط الفلاحون بين العجز والخوف من خسارة محصولهم، تتخذ الجهات المعنية موقفاً سلبياً وتجير المسؤوليات فيما بينها وتتهرب منها، والنتيجة هناك آلاف الدونمات من حقول القمح تنتظر الريّة التكميلية، كما يطلق عليها، هذه السقاية التي تتوقف عليها جودة الإنتاج وحجمه، بحسب الفلاحين!

الكهرباء سكين حاد على أعناق الفلاحين أيضاً!

ازداد الواقع الكهربائي سوءاً في محافظة حماة، حيث بلغت ساعات القطع 7 ساعات مقابل خمس دقائق وصل فقط، واقع صعب فرض أعباءه على المواطن المفقر، وانعكس على مختلف جوانب حياته!
ولكن الأسوأ من هذا التقنين المجحف، هو التقنين الذي طال الخطوط الزراعية ومنع الفلاح من ري أرضه، حيث صرح مدير الشركة العامة لكهرباء حماة حبيب خليل لتلفزيون الخبر: «تقليص مدة التغذية الكهربائية للخطوط الزراعية بسبب قلّة الوارد، ريثما يتحسّن الواقع الكهربائي الحالي»!
ولكن ماذا عن الواقع الزراعي والكارثة القادمة؟
ولماذا يتم تقليص التغذية الآن في هذا التوقيت تحديداً، حيث الحرارة بارتفاع والمواسم بأشد الحاجة للري؟!
وهل تناست الجهات الرسمية أننا بصدد الحديث عن الأراضي الزراعية بمحافظة حماة، أي سهل الغاب كأراضي شاسعة ودونمات مخصصة للزراعة، ومحاصيل خيرة كلها ستصبح ذرو أدراج الرياح نتيجة قرارات عشوائية غير مدروسة، أو لا مبالاة واستهتار، أو ربما قصداً وعمداً!
فالانعكاسات السلبية لقرار تقليص التغذية على الخطوط الزراعية، بذريعة قلة الوارد وبانتظار تحسن الواقع الكهربائي، وبهذا التوقيت، لا تقف عند خسارة الفلاح لمحاصيله المعدة للبيع، والتي لا تكفيه لتغطية متطلبات معيشته أصلاً، ولا بنقص احتياجات الاستهلاك في السوق المحلية من هذه المحاصيل، ولا تنتهي بتراجع القطاعات الإنتاجية المرتبطة بالزراعة، ككارثة على جميع الأصعدة!
فهل يعقل أن المعنيين من الرسميين لم يلحظوا تداعيات قرار تقليص مدة التغذية الكهربائية على قطاع حيوي وهام كالقطاع الزراعي، وفي منطقة إنتاجية وحيوية مثل محافظة حماة، بسعة واتساع أراضيها الزراعية وتنوع محاصيلها!
وأين هي الأولويات في التغذية الكهربائية وتوريدات المياه المرتبطة بها، كقطاعات وأمكنة وتوقيت ومدد زمنية، في حسابات الرسميين المسؤولين عن ذلك، في وزارات الزراعة والكهرباء والموارد المائية؟!

جولة رسمية استُكملت ومطالب لم تؤخذ بعين الاعتبار!

قام وزير الزراعة يوم الأحد 21/4/2024 بجولة على الأراضي الزراعية في محافظة حماة، والتقى الفلاحين الذين طالبوا باستكمال تأهيل شبكات الري، ومعالجة بعض المشكلات المتعلقة بتوزيع المازوت الزراعي وتحسين الطرق الزراعية، وتحديد سعر مناسب للقمح يغطي التكلفة ويحقق هامشاً من الربح للمزارعين.
كما طالبوا بزيادة ساعات وصل الكهرباء خلال فترات السقاية وزيادة مخصصات المازوت للجرارات الزراعية!
فالوزير، الذي تزامنت جولته مع تفاقم مشاكل المياه والكهرباء المذكورة أعلاه، استمع لمطالب الفلاحين مباشرة، ولا شك أنه لمس بؤس حالتهم واحتياجهم المحق للدعم، خاصة فيما يتعلق بحوامل الطاقة!
لكن الواضح بالمقابل أن الأمر توقف هنا، فلم يتعدَّ حدود الاستماع وإطلاق بعض الوعود الجديدة فقط!
فواقع الكهرباء لم يتغير على مستوى التقليص، بل ازداد سوءاً، والرية التكميلية لم تنجز، وتسعيرة القمح التي تم الإعلان الرسمي عنها لم تكن مجدية كما جاءت الوعود السابقة بشأنها!
فكيف للزراعة أن تستمر وفقاً لمسيرة قضم الدعم الجارية عليها تباعاً، ووفقاً لأنماط التهرب من المسؤوليات وتجييرها، ووفقاً لأنماط استهداف المحاصيل بغاية فرض المزيد من تقليصها وتراجع إنتاجها، وصولاً إلى إنهائها ربما؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1172
آخر تعديل على الإثنين, 06 أيار 2024 18:01