السياسات المنهكة للعباد واقتصاد البلاد مستمرة!

السياسات المنهكة للعباد واقتصاد البلاد مستمرة!

قدم رئيس الحكومة تحت قبة مجلس الشعب بتاريخ 21/1/2024 كلمة مطولة، أشبه ببيان حكومي جديد، استعرض خلالها عناوين العمل الحكومي المفترضة كافة بإسهاب!

ويسجل لهذه الكلمة على مستوى الشكل حسن الصياغة والبلاغة والبيان، وانتقائية عرض بعض الأرقام، وخاصة إظهار المبالغ المصروفة على الدعم خلال عام 2023، أو ما تبقى منه بعد إجراءات تخفيضه المستمرة لأبعد الحدود، لتجميل ما لا يمكن تجميله من نتائج العمل الحكومي!
أما من حيث تفاصيل مضمونها، فهي تكريس لسياسات الظلم والإفقار المتبعة، واستمرار لمسيرتها بعناوينها العريضة المتمثل بعضها- بحسب حديث رئيس الحكومة- ارتباطاً بمحدودية الموارد الحكومية، بالتالي: ترشيد الإنفاق العام- إعادة هيكلة برامج الدعم- دمج بعض الجهات العامة، أي الاستمرار بسياسات إفقار العباد وإنهاك اقتصاد البلاد نفسها، بنتائجها الكارثية الملموسة والمُجيّرة لمصلحة القلة من كبار حيتان الثروة، نهباً واستغلالاً وفساداً ونفوذاً، على حساب الغالبية المفقرة والاقتصاد الوطني!

محدودية الموارد ذريعة فقط!

على الرغم من اعتراف رئيس الحكومة بمحدودية الموارد، إلا أن ذلك لم يغير من تبني العناوين الكارثية المجربة أعلاه بنتائجها، والتي لم تؤدِّ إلى زيادة الموارد بقدر مساهمتها بتكريس تغييب المتاح كمصادر تمويل حقيقية، وخاصة من حسابات كبار أصحاب الأرباح والناهبين والفاسدين، المستفيدين من الإعفاءات الضريبية، بموجب بعض النصوص القانونية المحابية لمصلحتهم، أو من مسارب التهرب الضريبي، بالإضافة لهوامش الأرباح الاستغلالية الإضافية الكبيرة التي يجنونها بذرائع العقوبات والحصار وغيرها، ناهيك عن هيمنتهم على السوق السوداء، ودورهم في المضاربة على الليرة في سوق القطع الموازي!
فما زالت مصادر التمويل لتعزيز الموارد الحكومية وفقاً لسياسات الجباية وتخفيض الإنفاق العام وتخفيض الدعم المتبعة، وغيرها من السياسات الظالمة، تغرف من جيوب أصحاب الأجور والمفقرين، وعلى حساب احتياجاتهم ومعاشهم وخدماتهم، ومن حسابات الدولة وعلى حساب مقدراتها، لتوضع في جيوب كبار أصحاب الأرباح من الناهبين والفاسدين!

قلة الإنتاج وارتفاع تكاليفه سببه السياسات!

على الرغم من اعتراف رئيس الحكومة بارتفاع تكاليف الإنتاج، وقلة الإنتاج المحلي الزراعي والصناعي، إلا أن سياسات تقويض الإنتاج مستمرة وفقاً للعناوين الرئيسية للسياسات المتبعة والمستمرة!
فتكاليف الإنتاج المرتفعة أحد أسبابها الرئيسية هو ارتفاع أسعار حوامل الطاقة (كهرباء ومشتقات نفطية)، والتي يتم المضي نحو استكمال تحرير سعرها كتوجه رسمي، وفقاً لسياسات تخفيض الدعم المتبعة، ومع ذلك هناك عجز في تأمينها بما يكفي الاحتياجات الفعلية لقطاعات الإنتاج الصناعي والزراعي، ما يدفع للجوء إلى السوق السوداء لتوفيرها بأسعارها المرتفعة، وكذلك الحال مع بقية مستلزمات الإنتاج، وخاصة المستورد منها، التي يتم توريدها من قبل بعض كبار المستوردين المتحكمين بسعرها ونوعها وكميتها، ليضاف إلى كل ما سبق الكثير من الصعوبات والمعيقات التي تواجه قطاعات الإنتاج، والتي يعاد تكرارها كمطالب من قبل الفعاليات الصناعية والزراعية بغاية تذليلها دون جدوى!
وتجدر الإشارة بهذا الصدد إلى أن سياسات التسعير المجحفة للمحاصيل الزراعية الاستراتيجية (القمح- القطن- الشوندر)، أو التي ما زالت محتكرة من قبل الدولة مثل: (التبغ)، أدت إلى تراجع إنتاج هذه المحاصيل، وعزوف الفلاحين عن زراعتها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه المحاصيل تعتبر مدخلات إنتاج للكثير من الصناعات المحلية!
وفوق كل ذلك، تستمر سياسات هيكلة مؤسسات وشركات القطاع العام، وخاصة المنتج منها، أو ما تبقى منها، وفقاً لنموذج الدمج المتبع، أو وفقاً للشكل المقونن تحت عناوين التشاركية، أو وفق النموذج القانوني الصادر مؤخراً تحت عنوان الشركات المساهمة العامة، تقويضاً وإضعافاً، أو خصخصة مباشرة وغير مباشرة!
فكيف من الممكن زيادة الإنتاج (عام أو خاص- زراعي أو صناعي)، أو تخفيض تكاليفه، طالما بقيت السياسات المطبقة حياله على حالها من السوء؟!

تحسين المستوى المعيشي كلام إعلامي!

حديث رئيس الحكومة حول «السعي لتحسين مستوى معيشة المواطن» تم ربطه مباشرة بعبارة «وفق الإمكانات المتوفرة»، كما درجت عليه العادة في الحديث الرسمي عن هذا الجانب الهام لحياة ومعيشة المواطنين!
ولا ندري كيف من الممكن الحديث عن تحسين المستوى المعيشي في ظل استمرار سياسات تخفيض الدعم وتحرير الأسعار، وبظل محدودية الأجور؟!
أو كيف يمكن تحسين المستوى المعيشي بظل التراجع الاقتصادي العام، وخاصة تراجع الإنتاج وتقويضه؟!
والأهم، كيف يمكن زيادة الإمكانات بظل الاستمرار بتغييب مصادر التمويل الحقيقي؟!

التعويل على استقطاب رؤوس الأموال وَهْمٌ!

أما الحديث عن الاستثمارات واستقطاب رؤوس الأموال الخاصة (محلية أو عربية أو أجنبية) مع مشجعاته المتمثلة ببعض القوانين الخاصة، فهو مكرر على المستوى الرسمي، لكنه غير كافٍ كمقدمات لهذا الاستقطاب، فما يهم المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال هو استقرار الوضع السياسي العام في البلاد، الأمر غير المتوفر بعيداً عن الانخراط بالحل السياسي الشامل، وبالتالي فهو لغو وحشو وزرع للأوهام ليس إلا!
وربما لا داعي للخوض في مزيد من التفاصيل، فخلاصة القول: إن كلمة رئيس الحكومة المطولة في مجلس الشعب تؤكد مجدداً أن الحكومة ماضية بسياساتها المنهكة للعباد واقتصاد البلاد بلا كلل أو ملل، وبكل شفافية وبلاغة خطابية أمام أعضائه!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1159
آخر تعديل على الأربعاء, 14 شباط/فبراير 2024 14:09