«الترقيع» عار السياسات وفضيحتها.. عنوان الشتاءات العريض!

«الترقيع» عار السياسات وفضيحتها.. عنوان الشتاءات العريض!

أصبحت كسوة الشتاء عبئاً فوق طاقة المواطن، بالإضافة إلى أعبائه الكثيرة التي ينوء بحملها، وتحوّلت فكرة التسوق بالنسبة للنساء من متعة إلى حيرة وصدمة، مصحوبة بالتوتر واليأس والاكتئاب!

فعلى الرغم من الازدحام الشديد الذي تشهده الأسواق، إلا أن المحال فارغة من الزبائن، فالأغلبية العظمى غير قادرة على تحمل تكلفة الملابس الشتوية، خاصة بعد ارتفاع أسعارها إلى أرقام خيالية غير مسبوقة، لتنضم لغيرها من المستلزمات والسلع الكمالية، وخاصةً لذوي الدخل المحدود الذين لاحول لهم ولا قوة!
فالملابس باتت من الكماليات، وكل ما عدا الطعام والشراب أصبح خارج حسابات شريحة الغالبية المفقرة!

الأسعار نار والشراء من المستحيلات!

تضاعفت أسعار الملبوسات الشتوية بنسبة تجاوزت 150٪ مقارنة بالعام الماضي، لتغدو كسوة فصل الشتاء عبئاً ثقيلاً على كثير من الأسر السورية المفقرة، في ظل الوضع الاقتصادي والمعاشي المتردي!
نستعرض فيما يلي ما آلت إليه أسعار الألبسة خلال جولة في أحد الأسواق الشعبية، حيث وصل سعر الجاكيت الرجالي بجودة عادية لما يزيد عن 350 ألف ليرة سورية، أي الجاكيت الذي كان سعره 100 ألف ليرة في العام الماضي أصبح سعره يزيد على 300 ألف ليرة سورية في العام الحالي، في حين تراوحت أسعار البيجامات بين 200 إلى 400 ألف ليرة!
وبالنسبة لألبسة الأطفال فسعر الجاكيت بلغ بحده الأدنى 250 ألف ليرة سورية، وبنطال الجينز بين 100 إلى 200 ألف ليرة!
وعلى مستوى الأحذية فأقل حذاء، نسائي أو رجالي، كبير أو صغير، لا يقل عن 100 ألف ليرة!
والصدمة كانت بأسعار الملابس النسائية، فالجاكيت الشتوي النوع أول لامس عتبة المليون، أما النوع الثاني والثالث فيتراوح سعرها بين 500 و700 ألف ليرة سورية!
أما سعر الشمسية، على اعتبارها من ضرورات فصل الشتاء، فيتراوح بين 50 و100 ألف ليرة سورية!
ففي ظل هذه الأسعار النارية كيف ستتدبر الأسرة ثياب الشتاء، وكيف ستستر نفسها في ضوء هذا الغلاء الفاحش والدخل الشحيح المتمثل بـ200 أو 300 ألف ليرة سورية، عاجز عن كسوة فرد واحد فقط؟!
كان الحل التقليدي بالنسبة للسوريين هو اللجوء إلى البالة، فكلما ضاقت بهم الأحوال قصدوا بالات الشيخ سعد أو الإطفائية لتسوق ما هو ضروري فقط!
لكن حتى هذا الخيار بات مستبعداً الآن، فأسعار البالة، ورغم رخصها بالمقارنة مع الألبسة الجديدة، أصبحت لا تتلاءم مع دخل المواطن المعدم، حيث تراوحت أسعار المعاطف فيها بين 150 إلى 600 ألف ليرة، أما الكنزات فبين 50 و100 ألف، والبيجامات بين 100 إلى 200 ألف ليرة!
على ذلك فقد أصبح شراء الملابس غير ممكن للكثير من السوريين، بل من المستحيلات بالنسبة للمفقرين، سواء كانوا يعتبرونها جزءاً من الاحتياجات الأساسية أو الثانوية، ولتدخل في عداد الاحتياجات الكمالية بالنسبة إليهم!

المداورة وإعادة التدوير!

أمام هذا الواقع البائس واليائس من إمكانية شراء ألبسة جديدة، لجأ السوريون من الغالبية المفقرة إلى العناية بالملابس القديمة وإعادة تدويرها بشكل إبداعي، سواء عبر التصليح والترقيع وإعادة الخياطة، أو حتى إعادة صباغتها، ليمسي عنوان الشتاءات المتتابعة هو «الترقيع»!
فلا سبيل للأسر المعدمة سوى بتدوير ملابسها البالية والمستهلكة بإمكاناتها الذاتية أو لدى الخياطين، كي يتمكن أفرادها من تفادي برد الشتاء، بالترقيع والتصغير والمداورة!
فملابس الأب للابن الأكبر، وملابس الكبير للأخ الأصغر، وكذلك الحال بالنسبة للأم وبناتها، مع ظهور عرف تبادل الملابس الصغيرة والكبيرة بين الأقارب والجيران أيضاً، كنمط تكاتف اجتماعي جديد!
فخلال حديثنا مع أحد الخياطين أكد زيادة الإقبال على ترقيع وتصغير الملابس القديمة، مشيراً إلى أن بعض الملابس التي يطلب تصليحها متهالكة جداً، وبعض طلبات التصغير شبه مستحيلة وتؤدي إلى تشوه القطعة، لكن الزبائن تصر على ذلك مهما كانت النتيجة، بحجة أنها تنفع للتدفئة في الشتاء مهما كان شكلها!
وقد وصل الحال إلى أن البعض يطلب إصلاح الملابس الداخلية المهترئة عبر ترقيعها أيضاً، لعدم قدرتهم على تجديدها!

مشاهد القسوة المألوفة!

من أكثر المشاهد البائسة، التي باتت معتادة ومألوفة بناء على كل ما سبق، ليس الترقيع الظاهر على ألبسة الكبار وقلة حيلتها لوقايتهم من سعير البرد، بل الأشد قسوة وظلماً أن ترى بعض التلاميذ من الأطفال يذهبون إلى مدرستهم بهذا الشتاء القارس بلا «جاكيت» أو معطف، وبعضهم بصنادل صيفية بأقدامهم!
فمظاهر الإفقار المعمم باتت واضحة وفاضحة على الغالبية المفقرة من السوريين، والتي تبدأ بالملابس منتهية الصلاحية ولا تنتهي بالشحوب وعلائم الجوع والمرض البادية عليهم!

الترقيع المعمم يفضح عورة السياسات ولا يسترها!

كم هو محزن ما آلت إليه أحوال السوريين، بعد أن فقدوا ما اعتادوا عليه بما يخص كسوة الشتاء وكسوة الصيف وملابس الأعياد، ليبحثوا اليوم عن خياط ليصلح ويرقع حتى ملابسهم الداخلية، أو يضطرون لدفع أبنائهم إلى المدارس شبه عراة!
فعمليات الترقيع التي يتم اللجوء اليها اضطراراً من قبل المفقرين وفرضاً عليهم، لم تعد مقتصرة على الألبسة فقط، بل وعلى الطعام وعلى مصادر الدفء وعلى كل الاحتياجات الضرورية للبقاء على قيد الحياة، بل وحتى حقوقهم وأحلامهم وطموحاتهم المشروعة باتت مؤجلة وعرضة للترقيع والمداورة أيضاً!
فالتراجع المستمر والمطرد على المستوى المعيشي والخدمي، والذي تدفع الغالبية المفقرة لوحدها أثمانه برداً وعطشاً وجوعاً وعوزاً، سببه الرئيسي هو الاستمرار بسياسات الإفقار المعمم الظالمة والتمييزية، مع المزيد من جرعات النهب والفساد والاستغلال والتيئيس، وكل ذلك من أجل عيون القلة القليلة من كبار الحيتان والنافذين في البلاد، وحرصاً على مصالحهم، ولو كان على حساب مصالح الغالبية والمصالح الوطنية!
فعورة السياسات التوحشية، بنتائجها الملموسة يومياً وعلى كافة المستويات، أصبحت مفضوحة ومن المستحيل ترقيعها وسترها، أو إعادة تدويرها ومداورتها، كما جرت عليه العادة من قبل الرسميين، بل بات لزاماً إنهاؤها جملة وتفصيلاً كي يتخلص السوريون من كوارثها على حياتهم ومعاشهم وخدماتهم، ومن عارها وعار المستفيدين منها!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1153