استغلال واسترقاق النساء.. مهنة تتجاوز الحدود!

استغلال واسترقاق النساء.. مهنة تتجاوز الحدود!

مع ازدياد الأعباء التي فرضتها الأزمة الاقتصادية من جهة، وسياسات الإفقار المعمم التي تنتهجها الحكومة من الجهة الأخرى، تصاعدت ظاهرة استغلال النساء في مجال الدعارة، إذ أصبح لها تجارتها الخاصة، ومستثمرون مستغلون تجاوز نشاطهم ونفوذهم الحدود!

فبالرغم من تكتم الحكومة الشديد حيال تفاقم هذه الظاهرة السلبية، بل وصمتها المشجع عليها كما يبدو، إلا أنها أصبحت شديدة الوضوح لدرجة القبح والفجور بعلانيتها!
فقد باتت بعض الساحات والشوارع والحدائق والمناطق مراكز استقطاب للباحثين عن الرذيلة، ناهيك عن زيادة انتشار بيوت الدعارة شبه العلنية، وتزايد أعداد مقدمي خدمات «الترفيه السياحي»، اعتباراً من الكازينوهات والمرابع الليلية وصولاً إلى بعض صالونات التجميل والمطاعم والمقاهي أيضاً، والتي تقدم خدماتها للزبائن المترفين، بل وللمفقرين أيضاً، والنتيجة زيادة أعداد ضحايا استغلال هذه التجارة الاستثمارية المربحة لتشمل النساء والفتيات والرجال والفتيان!
فبعد أن كانت هذه الظاهرة محصورة نسبياً بالشرائح المستهدفة منها من خلال بعض المواقع «السياحية الترفيهية والترفية»، أي للسياح ولبعض المترفين المحليين كانتشار عمودي، توسعت بين الأوساط الشعبية بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية كانتشار أفقي، مع ما يعنيه ذلك من مخاطر جدية على بنية المجتمع!

بعض البيانات والأرقام!

أعلنت وزارة الداخلية، منتصف عام 2013 القبض على 80 شبكة تعمل في الدعارة، وكان هذا الرقم مقابل 30 عصابة في عام 2012، أي بزيادة كبيرة واضحة وصلت لأكثر من 200٪ خلال عام واحد! وذلك بحسب بعض المواقع الإعلامية.
وفي عام 2018 بحسب موقع «هاشتاغ سورية» ضبطت وزارة الداخلية أكبر شبكة دعارة تضم أشخاصاً نافذين وذوي علاقات رفيعة المستوى، ومن بين المتورطين فنانات وفنانون، وأصحاب مطاعم في دمشق، حيث أجريت تحقيقات معهم، بينما جرى تحويل بعضهم إلى القضاء العسكري!
وفي عام 2020 أكد رئيس فرع حماية الآداب في الأمن الجنائي وسيم علي معروف لـ «صحيفة تشرين»، أن أكثر الأماكن التي يتم فيها تصيد الفتيات هي صالونات التجميل والملاهي الليلية، مضيفاً أن هناك أيضاً بعض المطاعم والمقاهي وشوارع ومناطق محددة مثل شارع الحمرا وعرنوس والمزة وجرمانا وأبو رمانة والشعلان.
وهناك الكثير من الأخبار المتداولة عبر المواقع الإعلامية حول الظاهرة السلبية التي تتزايد وتتسع وتنتشر دون العثور على إحصاءات دقيقة رسمية عنها!
فجل ما هناك على المستوى الرسمي هي بعض التصريحات المتفرقة هنا وهناك وعلى فترات متباعدة، مع غياب مساعي تطويقها وتجفيفها ومعالجة أسبابها منعاً لتزايد انتشارها وتفاقمها وارتفاع أعداد ضحاياها، والاكتفاء بإعادة التذكير بين الحين والآخر بأن هذه الممارسات يجرمها القانون!

تجارة عابرة للحدود واستغلال واضح!

عمد القائمون على شبكات الدعارة بتوسيع أعمالهم لخارج البلاد، ابتداء من إرسال شابات إلى لبنان تحت غطاء العمل في صالونات الحلاقة أو الفنادق.
فبحسب أرقام وإحصاءات للمديرية العامة للأمن العام اللبناني، فإن عدد النساء السوريات اللواتي قبض عليهن بتهمة العمل في الجنس، بين عامي 2011 و2018 مرتفع جداً، إذ شكلن نسبة 30% من الموقوفات. ووصل هذا الرقم إلى 69٪ بعد سنتين فقط!
وفي هذا السياق نشرت صفحة «صاحبة الجلالة» في وقت سابق أنه تم الكشف عن شبكة تعمل على ترويج الدعارة السرية في دمشق، وتسفير الفتيات من سورية إلى الخارج للعمل تتألف من 50 فتاة!
وانتشر خلال السنوات الماضية أيضاً ما يعرف بظاهرة «تجارة التشات» عبر بعض تطبيقات الدردشة التي تمكن المستخدمين من مشاركة لحظاتهم مع المتابعين الذين يقومون بإرسال هدايا عبر التطبيقات، فيحقق المستخدمون أرباحاً كبيرة شهرياً، كباب إضافي مربح لممارسة الدعارة الإلكترونية عابرة الحدود!

زيادة الانتشار.. والفقر هو السبب!

صرح رئيس محكمة بداية الجزاء السابعة بدمشق، القاضي محمد خربطلي، بحوار له مع إذاعة شام إف إم مطلع الأسبوع الماضي: «إن جرائم الدعارة بدمشق ازدادت خلال الفترة الأخيرة نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، مضيفاً أن العديد من الضبوط سجلت بهذا الشأن لنساء يمتهن ممارسة الدعارة مقابل مبالغ مادية. وأفاد خربطلي بوجود شبكات في دمشق تعمل على تشغيل النساء في الدعارة، بسبب «الأحوال المادية السيئة»، لافتاً إلى أن النساء المضبوطات بتهم الدعارة أعمارهن يبدأ من 40 عاماً وأكثر. واعتبر خربطلي «الفقر» أهم عوامل انتشار الدعارة»!
حديث القاضي أعلاه يؤكد زيادة انتشار ظاهرة الدعارة والشبكات العاملة فيها والمستفيدة منها، كما يؤكد على أن السبب بذلك هو الأوضاع الاقتصادية الصعبة والفقر!

السياسات الظالمة أساس كل الموبقات!

لا شك أن الخلاصة التي توصل إليها القاضي كسبب لزيادة وتفشي ظاهرة جريمة الدعارة صحيحة نسبياً، فتردي الأوضاع المعيشية وانتشار الفقر، بل وتغوله وتعمقه، يشكل بؤرة لتفشي وانتشار كل الظواهر السلبية والهدامة في المجتمع!
لكن بالمقابل لا بد من التأكيد على أن تردي الأوضاع الاقتصادية وصولاً إلى الفقر هو نتاج السياسات الاقتصادية الرسمية الظالمة عموماً، وسياسات الإفقار الممنهجة بكل أسف، مع إسقاطها للكثير من الروادع والقيم الأخلاقية والدينية، بالتوازي مع فسح المجال للاستثمار والتربح من الفقر عبر المزيد من استغلال المفقرين، والدفع باتجاه زيادة تفشي وانتشار الظواهر السلبية والهدامة والاستثمار فيها!
فواقع الحال يقول إن نسبة 90% من السوريين تحت خط الفقر، وأكثرية هؤلاء يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ويترافق ذلك مع سوء الحالة الاقتصادية وغياب التنمية وانعدام فرص العمل، مع انسداد الأفق وفقدان الآمال مع الكثير من جرعات التجهيل وصولاً إلى حدود اليأس والإحباط من أي تغيير إيجابي يمكن التمسك به!
فالسياسات الرسمية المتبعة نفسها هي الهادمة للاقتصاد والمجتمع وللقيم وللأخلاق، وهي المشجع على زيادة الاستثمار في الموبقات من أجل زيادة الأرباح السهلة للقلة القليلة من المستغلين والفاسدين والنافذين، بما في ذلك التربح من كل الظواهر السلبية في المجتمع (دعارة- مخدرات- تجارة أعضاء- خطف من أجل الفدية- السرقة والسلب- التهريب- التجارة بالقطع...)، بل إن هذه السياسات هي نفسها الداعمة لهذه الشريحة المستفيدة منها والمستقوية بها، وما ينتج من فساد وإفساد معمم على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي هو تعبير مكثف عن أخلاقيات هذه الشريحة المسيطرة والمهيمنة، وبما يضمن استمرار مصالحها ونفوذها!
فالسياسات الفاسدة والمفسدة المطبقة والمتبعة هي بوابة الموبقات على كافة المستويات، ولا نهاية للموبقات بدون إنهاء هذه السياسات جملة وتفصيلاً مع شريحة المستفيدين منها!

قانون قاصر ومخجل إنسانياً!

لعل قانون مكافحة الدعارة رقم 10 لعام 1961 المعمول به مثال فاقع على جزء من السياسات التنفيذية بما يخص مكافحة جريمة الدعارة دون معالجة أسبابها!
فممارسة فعل الدعارة يعد جنحة حسب القانون، وغالباً ما تتم معاقبة الفتاة القائمة بالفعل دوناً عن الرجل الشريك لها بهذا الفعل!
فعقوبة تسهيل الدعارة بحسب القانون هي الحبس حتى ثلاث سنوات، ويُحكم بإغلاق المكان الذي تمارس فيه، ومصادرة الأمتعة والأثاث الموجود، وفي حال قام من يسهّل الدعارة بإكراه وإجبار الفتاة على الدعارة تكون العقوبة الحبس حتى خمس سنوات، وفي حال استخدم «مسهل الدعارة» فتاة قاصراً عمرها دون السادسة عشرة، تشدّد عقوبته وتصل حتى سبع سنوات!
أما حكم من تمارس الدعارة كمهنة وتعتاد عليها وتضبط أكثر من مرة فعقوبتها الحبس من ثلاثة أشهر حتى ثلاث سنوات، وأغلب المحاكم تأخذ بالحد الأدنى للعقوبة وهو ثلاثة أشهر!
وغني عن القول كيفية ومآلات ما يتم ضبطه توصيفاً على أنه جريمة دعارة في ظل تفشي ظاهرة الفساد والمحسوبية والوساطة، وبقية الظواهر السلبية الأخرى التي لا تقل شناعة عن جرم ممارسة الدعارة بآثارها ونتائجها الكارثية على المجتمع!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1152